قامات علمية وأكاديمية استهدفها الاحتلال في غزة
يشير العدد الكبير من القامات العلمية والأطباء والصحافيين إلى تعمّد الاحتلال الإسرائيلي تصفية الكفاءات العلمية والأدبية التي يترك فقدها أثراً كبيراً على المجتمع الفلسطيني، بخاصة أصحاب التخصصات النادرة الذين يخلفون فراغاً ويصعب إيجاد بديل إلا بعد سنوات.
لم يكن استشهاد الطبيب عدنان البرش أخصائي العظام في سجون الاحتلال، إلا حلقةً في سلسلة طويلة من استهداف الأطباء والأكاديميين والصحافيين والعلماء المتميزين، الذين يهدف الاحتلال من خلاله حرمان المجتمع الفلسطيني من أكبر قدر من تلك الرموز المؤثرة والشخصيات الفاعلة.
ووفقاً لأحدث الإحصاءات لوزارة الصحة والجـهـاز الـمـركـزي للإحـصـاء الـفلسطيني، فقد بلغ عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، 34789 شهيداً، بينهم 491 من الطواقم الطبية، و246 من الكوادر التعليمية، و142 من العاملين في مجال الصحافة.
اقرأ أيضاً: خاص الميادين نت: رسالة مؤثرة من غرفة عمليات جراحية في بيروت إلى مستشفيات غزة (فيديو)
ويشير ذلك العدد الكبير من القامات العلمية والأطباء والصحافيين إلى تعمّد الاحتلال الإسرائيلي تصفية الكفاءات العلمية والأدبية التي يترك فقدها أثراً كبيراً على المجتمع الفلسطيني، بخاصة أصحاب التخصصات النادرة الذين يخلفون فراغاً ويصعب إيجاد بديل إلا بعد سنوات من التدريب والتأهيل.
اقرأ أيضاً: "بالله عليك لا تلبس سترة الصحافة".. هذه وصية أهل غزة لنا حتى لا نُقتل!
ووفقاً للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإنّ الأكاديميين المستهدفين بالقتل الإسرائيلي موزعون على شتى علوم المعرفة، وغالبيتهم يمثلون مرتكزات العمل الأكاديمي في جامعات غزة.
استهداف الأكاديميين
أعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في أواخر نيسان/ أبريل الماضي، أنّه وثق قتل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي 94 من أساتذة الجامعات الفلسطينية، إلى جانب مئات المعلمين وآلاف الطلبة في إطار جريمة الإبادة الجماعية الشاملة التي يشنها على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وبيّن أنّ القائمة التي وثقها تضم 17 شخصية يحملون درجة البروفيسور، و59 يحملون درجة الدكتوراه، و18 يحملون درجة الماجستير، مؤكداً أن هذه الحصيلة غير نهائية، إذ هناك تقديرات بوجود أعداد أخرى من الأكاديميين المستهدفين، وكذلك من حملة الشهادات العليا، الذين لم يتم حصرهم نتيجة لظروف الحرب.
وأوضح المرصد أنّ جيش الاحتلال نفّذ هجمات متعمدة ومحددة ضد شخصيات أكاديمية وعلمية وفكرية في قطاع غزة، وأنّ العشرات منهم استشهدوا في غارات مباشرة استهدفت منازلهم دون سابق إنذار، كما قضى معهم أفراد من عائلاتهم أو عائلات أخرى جمعهم النزوح معاً.
عندما كتب الشاعرالفلسطيني #رفعت_العرعير قصيدته الأخيرة " إن كان يجب أن أموت " هل كان يدري أنه يكتب قدره ؟ و أنه سيموت شهيدًا، و أنّ قصيدته ستحملها طائرة ورقية حتى أمريكا ، ليردّدها طلبة جامعة #هارفارد وهم يفترشون مدرج الجامعة، خلال اعتصامهم المستمر مساندة لغزة .
— 🕊 أحلام مستغانمي (@AhlamMostghanmi) May 5, 2024
دون… pic.twitter.com/5YPA7gyRBc
ولم تثن التهديدات الإسرائيلية المتكررة الأديب والأكاديمي الفلسطيني رفعت العرعير، أستاذ الأدب الإنكليزي في الجامعة الإسلامية بقطاع غزة، عن النشر باللغة الإنكليزية عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من مجازر، لرسم صورة لكل العالم عن تفاصيل الحياة اليومية تحت القصف، ونقل قصص الشهداء، وذلك قبل استهدافه في السابع من كانون الأول/ ديسمبر 2023.
تصفية الأطباء المتميزين
قتل الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان نحو 500 من الكوادر الطبية، بينهم عشرات الأطباء، وبعضهم متخصصون في مجالات نادرة وأساسية، كالجراحات الدقيقة، وزراعة الكلى، والعقم والحروق؟
ووفقاً للناطق باسم وزارة الصحة في غزة، الدكتور أشرف القدرة، فإنّ هؤلاء يصعب تعويضهم، حيث يؤثر غيابهم على القطاع الطبي، خصوصاً في هذه الظروف التي يحتاج فيها القطاع كل الخبرات والتخصصات.
ولم تقتصر ملاحقة الاحتلال للكوادر الطبية عبر اغتيالهم، بحسب القدرة، فقد اعتقل 100 منهم وعلى رأسهم مدير مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية، ومدير مستشفى كمال عدوان الدكتور أحمد الكحلوت، ومدير مستشفى العودة، الدكتور أحمد مهنا، واستهدف 138 مؤسسة صحية، ودمر 23 مستشفى وأخرجها عن الخدمة، وفق إحصائيات سابقة.
الدكتور عدنان البرش: خطف وتعذيب.. فاستشهاد
ولم يترك الدكتور عدنان البرش (50 عاماً) مكانه ومهمته في إنقاذ جرحى حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة، حتى اعتقاله في كانون الأول/ديسمبر الماضي من مستشفى العودة شمال قطاع غزة، وليعلن عن استشهاده في السجون الإسرائيلية تعذيباً.
ووفق هيئة الأسرى ونادي الأسير، فإن البرش وهو رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء بغزة، قضى تعذيباً في معتقل عوفر الإسرائيلي في التاسع عشر من نيسان/أبريل الماضي، بعد تعرّضه لتعذيب شديد في جلسات التحقيق الميداني، ولا يزال جثمانه محتجزاً لدى قوات الاحتلال حتى اللحظة.
وسبق أن تعرّض الطبيب البرش للإصابة قبل 5 أشهر في المستشفى الإندونيسي من جراء القصف الصهيوني.
تغيير البنية المجتمعية
يقول المحامي عبد الله شرشرة، منسق وحدة الحماية القانونية في مؤسسة بيت الصحافة: “لا يمكن النظر إلى اغتيال العلماء والنخب والأطباء في المجتمع الفلسطيني على أنه عمل عسكري عشوائي”، مؤكداً أنها ضربات مقصودة وموجعة تلقاها الفلسطينيون في خضم المجازر اليومية التي يتعرضون لها.
ويرى شرشرة أنّ الاحتلال أراد باغتياله الممنهج للنخب الوطنية الفلسطينية، حرمان الجامعات ومراكز البحث العلمي ومنظمات المجتمع المدني من كوادرها، وتحطيم أدوات ومنابر من تبقى منهم، لإفقادهم القدرة على إحداث أي تغيير، وهو ما يجعله في النهاية مجتمعاً عاجزاً عن المطالبة بحقوقه، ويصف هذا النهج بأنه أحد تكتيكات الاحتلال لإحداث تغيرات اجتماعية وسياسية.
أمّا الباحث المتخصص في علم النفس التربوي الغزيّ، أمجد جمعة، فيؤكّد أنّ آثار هذه الجرائم على المستوى الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، ستظهر بشكل جليّ بعد أن تضع الحرب أوزارها.
اقرأ أيضاً: مجازر إضافية للاحتلال في غزة.. واعتقال كوادر طبية ومسعفين في مجمع الشفاء
ويضيف جمعة أنّ من أبرز هذه الآثار النفسية والاجتماعية التي تسعى قوات الاحتلال إلى تحقيقها من وراء هذه الاغتيالات الممنهجة، التأثير في بنية النسيج الاجتماعي، حيث يمثل هؤلاء حجر الزاوية في بناء وتطور المجتمع الفلسطيني وصناعة مستقبله، ولديهم قدرة على التأثير الإيجابي في أفراد المجتمع والتي ستتأثر بتغييبهم.
ويشير إلى أنّ الاحتلال يهدف عبر استهداف هذه الشريحة من المجتمع إيصال رسالة ضمنية لباقي النخب والكفاءات والعلماء، بأن لا مكان لهم في قطاع غزة، من أجل ترسيخ “فكرة الهجرة لدى الكفاءات”، لتفريغ القطاعات العلمية والصحية والثقافية والاقتصادية منهم.
كما إنّ تصفية العلماء والنخب الفلسطينية، لها أثر نفسي على كافة أفراد المجتمع الفلسطيني، وفقاً لمدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، الذي يؤكّد أنّ استهداف الاحتلال للأكاديميين يخلق حالة من الرّعب ويثني العلماء عن الابتكار والإبداع.
نماذج من الشهداء أصحاب الكفاءات
تمثل هذه النماذج من الشهداء عينة صغيرة من أولئك الأعلام الذين أضاؤوا سماء فلسطين قبل أن يستشهدوا، لكن تراثهم سيبقى مشعلاً تحمله الأجيال القادمة، لتتواصل مسيرة هذا الشعب على الطريق الذي خطّه آلاف الشهداء بدمائهم الزكية، نحو الحرية والاستقلال.
سفيان تايه (52 عاماً)
رئيس الجامعة الإسلامية في غزة، حصل على درجة الأستاذية في تخصص الفيزياء النظرية والرياضيات التطبيقية، وحاز على “جائزة عبد الحميد شومان” للعلماء العرب الشبان، وعيّن حاملاً لكرسي اليونسكو لعلوم الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء في فلسطين.
استشهد مع أسرته جراء غارات جوية عنيفة ومكثفة شنتها مقاتلات حربية إسرائيلية في 2-12-2023 على منازل سكنية مأهولة في منطقة الفالوجا بمخيم جباليا.
أسامة المزيني (57 عاماً)
وزير التربية والتعليم في حكومة حماس، يحمل شهادة الدكتوراه في الإرشاد والصحة النفسي.، عمل محاضراً بالجامعة الإسلامية في غزة، وهو صهر الشيخ أحمد ياسين.
استشهد نتيجة قصف جوي إسرائيلي في 16-10-2023 على مدينة غزة، ونعته الحركة بوصفه كذلك رئيس مجلس الشورى منذ أبريل/نيسان 2021.
جميلة الشنطي (66 عاماً)
وزيرة شؤون المرأة في حكومة حماس، وعضو المجلس التشريعي. وهي أول امرأة تصل إلى عضوية المكتب السياسي للحركة، وتولّت مسؤولية ملف الجامعات ودور القرآن الكريم.
اقرأ أيضاً: الشهيدة جميلة الشنطي التي أنقذت حياة عشرات المقاومين
تحمل درجة الدكتوراه في العلوم التربوية، وعملت معلمة في دول عربية لنحو 10 أعوام.
استشهدت جراء قصف جوي إسرائيلي على شمال قطاع غزة في 19-10-2023.
محمد عيد شبير (77 عاماً)
أستاذ جامعي، وأحد أشهر رؤساء الجامعة الإسلامية في غزة على مدار تاريخها، يحمل درجة الدكتوراه في علم الأحياء الدقيقة من جامعة “مارشال” الأميركية، وتقاعد من رئاسة الجامعة الإسلامية عام 2005 بعد نحو 15 عاماً تصفها أوساط أكاديمية وإدارية بالمسيرة الناجحة.
مركز حقوقي: الاحتلال قتل عشرات الأكاديميين ودمر جامعات غزة - شبكة قدس الإخبارية https://t.co/fG6u05hey8
— Orayebsamara (@orayebsama26920) January 20, 2024
استشهد برفقة أفراد من أسرته في غارة جوية نفذتها قوات الاحتلال على مدينة غزة في 14-11-2023.
عمر صالح فروانة (67 عاماً)
حاصل على بكالوريوس في الطب من جامعة القاهرة، وشهادة الدكتوراه من جامعة ليدز في بريطانيا، وهو أحد أشهر أطباء النساء والعُقم في غزة، عمل أستاذاً مساعداً في كلية الطب البشري بالجامعة الإسلامية في غزة، وكان عميدا لها.
استشهد برفقة زوجته وأبنائه وأحفاده في غارة جوية إسرائيلية على منزلهم في حي تل الهوى بمدينة غزة في 15-10-2023.
تيسير إبراهيم (50 عاماً)
أستاذ جامعي، عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية، رئيس القضاء الحركي في حماس، ونائب رئيس دائرة الفتوى في رابطة علماء فلسطين، ورئيس مجلس دار القرآن الكريم في المحافظة الوسطى.
استشهد مع عدد من أفراد أسرته في جراء غارة جوية ننفذتها قوات الاحتلال على مخيم النصيرات في 17-10-2023.
رفعت العرعير (44 عاماً)
شاعر فلسطيني، وأستاذ الأدب العالمي والكتابة الإبداعية بالجامعة الإسلامية في غزة. حصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة بوترا بماليزيا. مؤسس ومشرف قسم الإعلام الاجتماعي بالمركز الفلسطيني للإعلام.
اقرأ أيضاً: "اقرأ من أجل رفعت".. يوم عالمي لرفعت العرعير
استشهد مع عدد من أفراد عائلته، في 7-12-2023 خلال ضربة جوية نفذتها قوات الاحتلال على منزل شقيقته.