صيدنايا ومعلولا في سوريا.... تاريخ يشهد له الصخر
في الطريق إلى سوريا، تسترجع الذاكرة مشهديات متداخلة: ها نحن على تخوم مكانٍ ضارب في التاريخ، العاصمة دمشق من أعرق بقاع العالم، دولة شكلّت أحد أهم مراكز القرار العربي، قبل أن تواجهها عواصف حربٍ ضروس لم تقوَ على كسرها ولم تحدها عن موقعها قيد أنملة.
تزدحم المشاهد على جانبي أوتستراد ريف دمشق، هذه الأراضي اجتاحها مسلحون فيهم من هو عربي وأجنبي، قبل استعادتها من قبل الجيش السوري والحلفاء، الإعمار المتوازن يقلّص مساحة المنشآت المدمرة، منشآت صناعية جديدة، طرقات معبّدة، تشجير جميل، لوحات ترويجية لمعالم سياحية سورية عريقة..
ها نحن في طريقنا مع رحلة الشركة اللبنانية التي يديرها عبدو معلوف إلى بلدة ذائعة الصيت عالمياً، نسير باتئاد باتجاه صيدنايا أحدى أعرق الحواضر المسيحية في المشرق العربي...
أهمية صيدنايا ومحيطها والقيمة الكبيرة التي حظيت بها عند كل الشعوب من قبل انتشار المسيحية أنها تقع شمال شرق دمشق وتبعد عنها نحو 30 كم على ارتفاع 450 متر واسمها آرامي ربما جاء من دمج كلمتي الصيد وناي وهي الغزالة أي مكان صيد الغزالة في إشارة إلى قصة الامبراطور البيزنطي جوستنيانوس وتأسيسه لدير السيدة.
البلدة سكنت خلال الألف الأول قبل الميلاد
الأبحاث الأثرية أثبتت بحسب معلوف الذي فتح عبر شركة "بودي ترافل" أبواب الزيارات اللبنانية إلى المناطق السورية كافة، وآخرها مدينة حلب، أن السكن في البلدة يرقى إلى نهاية العصر الحجري الحديث إذّ عثر الباحثان الفرنسيان فان لير وهنري دكونتنسون على أدوات صوّانية في موقع قرنة غري الكائن بمدخل البلدة من الشرق وهو ما دفع مديرية الآثار للاهتمام بالموقع واجراء بعض الأسبار في كهوفه منذ سنة 1965 عثرت فيها على نصال ومناجل ورؤوس سهام ونبال ومكاشط وغيرها من الأدوات الصوانية إضافة إلى أدوات حجرية كالمدقات البازلتية ورحى الطحن غيرها
وبحسب المديرية كما ورد عبر وكالة "سانا" فإن البلدة سكنت خلال الألف الأول قبل الميلاد وفق ما أظهرته الكسر الفخارية المنتشرة على سطح الموقع وكذلك العناصر المعمارية الظاهرة فيه وتشير إلى أن السكن في الموقع استمر خلال العصرين الروماني والبيزنطي.
يقول معلوف للميادين نت صيدنايا تضم أهم الأديرة والمقدسات ففيها أحد أهم الأديرة في العالم وهو دير سيدة صيدنايا وبناه جوستنيانوس بالقرن السادس الميلادي، ويقع وسط البلدة فوق صخرة مرتفعة تشرف عليها من جهة الشرق، وتلتف المدينة حوله من الجهات الثلاث كما يحتوي الموقع الكثير من العناصر المعمارية تعود إلى العصر الروماني إضافة إلى دير مارتوما وبني على قمة جبل يطل على صيدنايا فوق مصطبة وتنتشر فيه منشآت منحوتة في الصخر ترقى إلى العصر الروماني.
ويعتبر دير سيدة صيدنايا في سوريا واحداً من أعرق مؤسسات الرهبنة الأرثوذوكسية في الشرق العربي بل وفي العالم المسيحي، وفيه تتواصل حياة الراهبات دونما انقطاع منذ القرن الخامس الميلادي.
بعد التحرير...تحية من المقاومة
ومع توالي الأيام تحوّل الدير إلى متحف كبير يضم عدداً كبيراً من الأيقونات والرسومات الجدارية مستوحاة من معتقدات المسيحية وتاريخ المكان. لكن الأيقونة الأهم والتي كانت سببا في تشييد الدير محجوبة عن أنظار الراهبات والزائرين بعدما أودعت في صندوق خشبي مغلق يسمح بمشاهدته عن بعد.
وهذه حسب التقاليد المسيحية "أيقونة السيدة العذراء" وهي واحدة من النسخ الأربع الأصلية لأيقونات رسمها «لوقا» وتعرف في السريانية بـ "الشاهورة" أو "الشاغورة" ومعناها "ذائعة الصيت".
وهنا يسهب أحد المشاركين في الرحلة في الشرح وسط استغراب البعض، كيف أن أحد عناصر المقاومة اللبنانية أدى عام 2014 التحية لتمثال السيد المسيح عليه السلام في دير الشيروبيم البطريركي بعد تحرير الجيش السوري وحزب الله لصيدنايا من الجماعات المسلحة، التي خربّت ودّمرت وخطفت واستباحت الأديرة والكنائس والمقدسات.
وهذه الصورة أشعلت آنذاك مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الايجابية، وأهمها "مدى احترام عناصر حزب الله للمقدسات المسيحية تماماً كاحترامهم للمقدسات الاسلامية"، بحسب الناشطين.
معلولا: عندما "انشق الجبل"!
يشار الى أنه في منطقة جبال القلمون هناك بعض القرى كمعلولا وبخعة وجبعدين المجاورة لا يزال سكانها يتحدثون الآرامية القديمة.
وبين صيدنايا ومعلولا، تتهادى بنا الحافلة الكبيرة في طرقات معبّدة مزروعة، وبينما عاين الجميع جمال المنطقة يصدح صوت "دينامو" الرحلة "ريتا"، " شوفوا هالجبال المميزة" وبالفعل فقد بدت وكانها "سور الصين العظيم" وهي نتاج الطبيعة الوعرة والصعبة... قبل أن نصل إلى مدخل معلولا الذي تعلوه القنطرة الشهيرة المرممة حديثاً.
ومن المعروف أن الجماعات المسلحة اختطفت راهبات معلولا خلال احتلالهم للبلدة ، قبل أن يطلقوا ضمن صفقة لتبادل موقوفات مع الدولة السورية، بعد مفاوضات شائكة قام بها المدير العام للأمن العام اللبناني مع الخاطفين عام 2014.
يحتضن الجبل معلولا وكأنه يحميها، ففيها يفوح عبق تاريخ لن تراه فقط في أديرتها وكنائسها المحفورة في صدر الجبل بل ستسمع المسيح يتكلم على لسان أهلها ورهبانها ومسلميها الذين لا تزال لغة عيسى بن مريم تجري على ألسنتهم.
معلولا.. وتعني باللغة العربية "المكان المرتفع ذو الهواء العليل"، هو اسم على مسمى، فالبلدة التي تقع في منطقة القلمون على بعد 50 كيلومتراً شمال غرب دمشق، ترتفع عن سطح البحر بنحو 1500 متر.
وتقع معلولا المعروفة بكنائسها وآثارها القديمة ومغاورها المحفورة في الصخر، في منطقة القلمون الجبلية على طريق استراتيجي يربط لبنان بدمشق. ويعود تاريخها الى العصور الأولى للمسيحية. وتعني تسميتها باللغة الآرامية "المدخل".
وتُعرف بشق في جبل يُسمّى "الفج"، وهو ممر ضيق بين طرفي جبل شاهق.
وتقول الأسطورة إن القديسة تقلا وهي شابة سورية العام 67، فرّت من والدها إلى هذا الجبل الذي انشق فجأة ليفتح لها طريقاً.
من أهم معالم البلدة:
دير القديسين سركيس وباخوس: دير مار تقلا:، والطريق الصخري: الذي يشار إليه أحيانًا باسم "فج": هذا الشق ممر ضيق يربط حافة الجبل من جانب إلى آخر. حيث يحتوي هذا الشق على ماء يرتفع وينخفض حسب موسم الأمطار في هذه المدينة.
ويعتقد الكثيرون أن هذه المياه مباركة، فيأتي الناس من جميع الجهات إلى هذا الشق على أمل الحصول على البركات والنقاوة والشفاء منها.