صيّادو الأسماك في لبنان: يا بحر خفف آلامنا..
"دعونا نتمسّك بحبل "الأمل رغم الألم"، ما رأيكم؟ يهز الصيّاد المنهك الأسارير الذي يعتني بشبكة ممزقة رأسه مع بسمةٍ لطيفة معبّرة،، ولا يتردد في "تضييفنا" فنجان قهوة على الفحم شغل يديه!
من المعروف أن بحر مدينة صور اللبنانية يعتبر من أهم المناطق البحرية على شاطىء المتوسط، فمياهه نظيفة، ومحميته البرّية - البحرية غنية بالآثار والمكوّنات البحرية اللافتة.
وفي وقتٍ تتمتع فيه المدينة بواجهة بحرية جميلةـ، يكتنز عرض البحر آباراً للمياه العذبة والحارة والكبريتية، التي سنتحدث عنها في وقتٍ لاحق دون إغفال تسمية بئر مياه عذبة متدفق باسم قناة الميادين عام 2014 على عمق 40 متراً و بعد 7 كيلومترات،بجهود نقابة الغواصين المحترفين في لبنان.
كان فريق الميادين نت يتهيأ لتنفيذ تقرير بحري ميداني على متن مركب "المركز اللبناني للغوص" يتناول منطقة الناقورة على الحدود مع فلسطين، وفي اللحظات التي كانت تحضّر فيه قارورات "الأكسجين" والمعدات من قبل المركز، تابعنا عمل الصيادين وتحدثنا معهم حول مهنتهم الصعبة...
"مواسطة"، سلطان، "سرغوس"، "فريدي"، "لقز"، ، "غبص"، "سفرني" "كركند"، وغيرها من أنواع الأسماك التي تشكّل "ثروة" الصيادين و "كنزهم" المنشود ....
ومع تأثر مواسم الصيد بالظروف الصعبة التي يعيشها لبنان، أمسى البحث عن وسائل مساعدة ضرورة ملّحة، بحسب آراء أغلب صيادي صور فـ " المهنة تتدهور، والمنافسة تتوسع ليس بين الصيادين أنفسهم بل بينهم وبين هواة يلحقون الضرر بالمهنة وبالثروة البحرية التي يكتنزها البحر".
"تحت المينا الجوع بيحفر"!
على رصيف ميناء صور تمتد المراكب البحرية، بعضها للنزهة والرحلات البحرية، لكن جلّها يعود للصيادين، هؤلاء "الكادحين" يوصلون الليل بالنهار، مع بزوغ الفجر، ومتى استوت الشمس في كبد السماء ظهراً، وصولاً إلى جوف الليل الموحش!
"شدّوا الهمّة الهمّة قوية مركب ينده عَ البحرية....يا بحرية هيلا هيلا هيلا هيلا
شدّوا الهمّة الهمّة قوية جرح بينده للحرية...
طلع الغربي الغربي بيصفر تحت المينا الجوع بيحفر... يا بحرية هيلا هيلا هيلا هيلا"!
أغنية يرددها الصياد "أبو قاسم" مع ولده الصغير مع أولى خيوط شمس الصباح الدافىء في المدينة التي تبعد عن العاصمة بيروت 74 كلم.
الاعتناء بالشِباك هو أهم خطوة يجب على الصياد القيام بها، فكل شبكة تحتاج إلى صيانة وربط وحياكة و"تقطيب"، بحسب ما قاله الرجل الستيني، ويعقّب "عائلتنا "صيّادة" منذ عقود، وكما يقال في عالم البحّارة: "من يعمل في البحر لا يتأقلم مع البر".
ولعل ذلك يتبلور أكثر في كلمات الصياد أبو محمد البواب العفوية: "يا بحر خفف آلامنا.. فالماء حياتنا، كما هي بالنسبة للأسماك"!
وبحسب ما علِمنا، يعيش القطاع فوضى ممنهجة، بات بحاجة الى تنظيم واعادة رفده بهيكلية اصلاحية أسوة بباقي المهن، وإعادة إحياء دور النقابة الهام التي تشكّل أداة ضاغطة أمام الدولة لحماية حقوق الصياد نفسه، وهو يجد نفسه وحيداً ومنسياً بسبب الإهمال.
قلائل يقدمون على امتهان صناعة "الشِباك"، لكنها متلازمة مع أجواء البحر، ومتطلباته، وعلى ممتهنها أن يلمّ بالبحر، وبالأسماك وأصنافها، وشروط اصطيادها"، يقول الزميل نقولا طعمة في تقريره حول صناعة "الشباك" في بلدة القلمون شمال لبنان، وكذا الأمر في جنوبه... الهمّ واحد والمعاناة توحد اللبنانيين، فشظف العيش ينسحب على مساحة الـ 10452 كلم مربع اللبنانيةّّ.
بسمة معبّرة !
"دعونا نتمسّك بحبل "الأمل رغم الألم"، ما رأيكم؟ يهز الصيّاد المنهك الأسارير الذي يعتني بـ "رتيّ" شبكة ممزقة رأسه مع بسمةٍ لطيفة معبّرة،، ولا يتردد في "تضييفنا" فنجان قهوة على الفحم شغل يديه!
رغم تعاقب الحكومات اللبنانية لم يقدّم أيٌ منها أية إصلاحات في ما يتعلق، بمهمة الصيد البحري، ولم يصدر مرسوم أو قرار يحدد حقوقهم ويحميها، ما انعكس سلبا ًعلى القطاع.
ولو لا أن البلدية تقوم بجهودٍ مشكورة لجهة حماية الصيادين وغيره، لكانت أوضاعهم أصعب،وهنا يطالب هؤلاء الذين يعيلون مئات الأفراد " بدعمٍ أكبر وبوقف الاستيراد الخارجي للسمك المثلج وغيره"، وتنظيم عمل المنافسين من غير اللبنانيين.
وفي ظل أزمة غلاء "المازوت" وانقطاعه، ليس هناك وقتٌ محدد للإبحار بغيّة الصيد، فتحصيل لقمة العيش لا يعرف وقتاً... لكن الصيادين يفضّلون الانطلاق في الصباح الباكر أو مع أفول ساعات الشمس، لاعتبارات خاصة بالحرارة وحالة البحر وحركة الأسماك وغيرها...
وأخيراً وليس آخراً... فالصيادون يعانون أيضاً من تلوّث مياه البحر في أوقات معينة، وكثيراً ما تخرج شباكهم أو صناراتهم بنفايات بحرية! زدّ على ذلك فإن هؤلاء يعانون في بعض الأحيان من التضييق الإسرائيلي ومن التشويش على بعض المراكب اللبنانية القليلة التي تضع أجهزة GBS التي يستخدمها الصيادون، في رحلاتهم البحرية التي تمتد كيلومترات شمال وجنوب صور، لتحديد أماكن تواجدهم والبقع التي يرمون شباكهم بها، وخاصة في ساعات الليل.
معاناة "صامتة" تطرح أسئلة حول ما يعيشه صيّادو صور ولبنان بشكلٍ عام، فهم يتحملون نير المعاناة ويتحلّون يالصبر وطول الأناة، مواكبين هدوء و"صمت" البحر..! رغم ما تضجّ به لواعجهم من هدير قد يوازي لا بل يضاهي هديره الواسع الشاسع؟
ويبدو... ألاّ إجابات حول المستقبل في المدى المنظور في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها لبنان المتربّع على شطآن المتوسط.