صناعة شِباك الصيد في لبنان: "عملية حسابية"

عالم البحر بكل تفرعاته، واسع، ويظل الكثير من عناصره بحاجة لاكتشاف، ومزيد من الاستقصاء.  

  • مخاطر صناعة شِباك الصيد في لبنان:
    سمير حسين بلوط يقوم بعمله في بلدة القلمون

صيد السمك من أقدم الممارسات البشرية، راكم الانسان خلاله خبرات، وتجارب تسهّل عملية الصيد، للحصول على السمكة كغذاء طبيعي، فابتدع فيه حيلاً متنوعةً بهدف صيد كمياتددٍ ممكن من الأسماك.

تبدأ الحكاية مع قطعة معدن مسنّن تغرز في السمكة وهي في الماء، مشهد متكرر مع صور الانسان الأول الذي عاش على الأنهر، أو شواطيء البحار، وتتطور نحو "الصنّارة" والخيط مع "طُعم" للسمكة، وصولاً إلى "الشبكة" التي تعتبر الأداة التقليدية الأكثر تقدماً، إن لناحية مردودها، أو لناحية تكاليفها، أم لاتّساع خياراتها وفق الحاجة من جهة، والإمكانات المادية التي تتطلبها، من جهة أخرى.

صناعة "الشِباك"

قلائل يقدمون على امتهان صناعة "الشِباك"، لكنها متلازمة مع أجواء البحر، ومتطلباته، وعلى ممتهنها أن يلمّ بالبحر، وبالأسماك وأصنافها، وشروط اصطيادها، ومن هؤلاء سمير حسين بلوط، الذي يقوم مركز عمله في الشارع العام لبلدة القلمون شمال لبنان، على بعد 5 كيلومترات جنوبي طرابلس اللبنانية، حيث يعتمد عشرات العائلات والأشخاص على الصيد في حياتهم.

امتهن سمير صناعة "الشِباك"، ويقول لـ "الميادين نت" إنه بدأ منذ الرابعة عشرة من عمره بالصيد، على غرار غالبية ناشئة بلدته، وهو  تعلمه على يد والده، ثم تعلم صناعة "الشِباك" على يد صيادين آخرين،يتحدث عن صنعته، ويقول: "أعمل بهذه المهنة منذ نحو 20 سنة، وأنا تعلمتها من خلال احتكاكي بالصيادين في البحر، وقمت بتطوير  عملي تدريجياً.

ويتحدث عن تصنيع "الشِباك"، ويصفه بالأمر السهل، ولكن "يحتاج الى الدّقة، والصّبر، كالعمليّة الحسابيّة".

افتتح بلوط محلاً في بلدته لتصنيع "الشِباك"، لكنّه في الوقت عينه درّب العديد من النساء على تصنيع "الشِباك"، ويقول: "أعطي التعليمات لنساء ليساعدنني بصناعة "الشِباك" لأن العمل متعب ومضنٍ، ويحتاج إلى وقتٍ، وفي الأيام العادية، أي ما قبل الأزمة الاقتصادية في لبنان، كان هناك 20 فتاة تعملن، وتصنعن 100 شبكة كل أسبوع، وتستغرق كل شبكة من 3 الى 4 ساعات حسب شطارة الفتاة العاملة". 

ويصف شبكة يقوم بتركيبها، فيقول: "هذا الصنف من "الشِباك" طوله 50 متراً، وفي الأساس تكون 100 متر، ولكن عندما تُصَنَّع تصغر، ونقول "تزمّ" ، أما عرض الشبكة فمتر، وكل شبكة يختلف سعرها عن الأخرى حسب صعوبتها، والشبكة تكون من خيوط حرير أو "نايلون"، وتضاف إليها الحبال، والفوّاشات".

أنواع "الشِباك"

ويعرض بعض أنواع من "الشِباك"، منها "الطقطاق" المخصّصة لصيد القريدس، والسمك الصغير، وهي شبكة ناعمة، وفتحتها 2 سنتم، وطولها 100متر، وبعد التصنيع 50 متر، وارتفاعها متر و10 سنتم (110سنتم) أو “قامة”، حسب لغة البحارة.

وهناك نوع ثان من "الطقطاق"، ولكن يتحول الى شبكة للتبيّيت لصيد السمك الكبير، وتتراوح فتحتها من 2 سنتم وربع الى ثلاثة سنتمترات، ومنها ما هو من الحرير الذي  يختلف عن "النايلون" الأكثر ضرراً لأنه يصيد أكثر.

ثم يتحدث عن "الجاروفة” التي تجرف السّمك بكميّات، وأصناف، وأحجام مختلفة، وهي بقياساتٍ أكبر، علوّها 70 مترا، وتستخدم فيما يشبه الطوق الواسع، قطرها 200 الى 300 متر، ولها حلقات من الاسفل تثبّت وضعيتها، وتترابط بحبال، وأضيق مكان فيها 6 ملم. 

آلية عمل "الجاروفة" معقدة، يرويها بلوط بقوله أن "السمكة تهرب من خيال الشبكة، وتضيق عليها الشبكة، وكلما ضاقت، صَغُرَت فتحتها، وعندما يصل السمك الى فتحات أصبحت 6 ملم يتجمع الى مكان نسميه "العبّ"، وهو ضيّق وخشن، ومنه يتم سحب السمك كلّه، ومن المؤسف أن أسماكاً كثيرة صغيرة ترمى، فالجاروفة تلحق إبادة بالسمك". 

"الجاروفة" ممنوعة ولكن...

وعرض لنوع آخر من "الجاروفة"، وهي "جاروفة" البرّ الممنوعة قانونياً، لكنها مستخدمة في ظل غياب السلطات جرّاء الأحداث، ويقول إنها "تمدّ في البحر، وتصل أطراف حبالها إلى الساحل، فيتولى سحبها إلى الساحل كثير من البحّارة، قد يصل عددهم إلى العشرين، فتجرف بطريقها كميات كبيرة من الأسماك المتنوعة، وتستخدم بالتهريب بعيداً عن رقابة السلطات لأنها مضّرة كثيراً وتسحب صغارالأسماك التي لا تؤكل".

وهناك الشباك الضيّقة، حيث يفيد بلوط أنها "ممنوعة، ففتحتها 13 ملم، تصطاد انواعاً من السمك كالسلطان ابراهيم، واليهودي الرملي، والمليفي”.

وتحدّث أيضا عن صنف آخر وهو "المصلي" وهو شبك كبير ضخم، يُركن طافيا على وجه المياه، ويمتد في البحر  إلى 400 متر، ويفترض أن تصل أطرافه السفلى إلى قاع البحر، وتثبت على أرضيته. ويشكل هذا الصنف نوعاً من السدّ الذي يقطع ممرات السمك، فيعلق بها، ويقوم غطّاسون بالتقاط الأسماك، ومن الأسماك التي تخصص لها هذه الشبكة أسماك البلاميدا، وابو السنّ، وأم حربا، وكل أنواع الاسماك المهاجرة عادة من شهر أيار/ مايو حتى أيلول/ سبتمبر".

ونظراً لخطورة "المصلي"، وتعرف أيضا بـ"المصيدة"، على الثروة السمكية، أصدرت وزارة الزراعة عدة قرارات لتنظيم وتحديد بعض أنواع، ومعدّات الصيد البحري، ومنها خاصة "المصلي"، وتحدد القرارات شروط استخدامها، وأبرزها الحصول على ترخيص، عادة مشروط بضوابط، وتحدّد أطوالها وارتفاعاتها، وعمق الصيد، وبعده عن الشاطىء، وفترة الهجرة والتفقيس بين ١٥ أيار(مايو) و١٥ أيلول (سبتمبر) من كل عام، وحجم فتحاتها.. ويفترض أن تُجدّد الرخص كل عام.