يُعبّر الوعي عن الحالة التي يستطيع من خلالها العقل الإدراك والتواصل مع المحيط من خلال الحواس. ولطالما شكلّ الوعي مصدر بحثٍ ونقاش علمي في سبيل تعريفه بدقة أولاً وصولاً إلى فهم آليات تطوره وعمله.

باحثون في كلية الطب في جامعة بوسطن طوّروا نظرية جديدة للوعي تفيد أن القرارات يتم اتخاذها خارج مستوى الوعي قبل أن تصبح واعية بعد حوالى نصف ثانية.

وأطلقت النظرية التي نشرتها مجلة علم الأعصاب عاصفة من الانتقادات كونها تعارض قناعات اجتماعية شائعة حول المسؤولية الأخلاقية للبشر عموماً.

وتثير النظرية الجديدة جدلا أخلاقياً ودينياً أيضاً إذ أنها تستند إلى فكرة أن جميع قراراتنا وأفعالنا يتم اتخاذها ما دون مستوى الوعي "على الرغم من أننا نخدع أنفسنا بالاعتقاد بأننا اتخذناها ضمن مستوى الوعي".

وترأس رئيس قسم علم الأعصاب المعرفي والسلوكي في بوسطن ومدير مركز علم الأعصاب الانتقالي للرعاية الصحية لشؤون المحاربين القدامى الدكتور بودسون البحث الذي سعى لكشف سبب تطور الوعي وما الذي يفيد عملياته، وما هي الاضطرابات المؤثرة عليه.

كما حاول الباحثون الإجابة عن أسئلة مرتبطة بالوعي كأسباب مقاومة دوافع فعل شيء غير محبب كاتباع نظام غذائي على سبيل المثال.

 العمليات الواعية كانت بطيئة للغاية

وفي أول تعليق له على نتيجة البحث، قال بودسون "كنّا نعلم أن العمليات الواعية كانت ببساطة بطيئة للغاية بحيث لا يمكن المشاركة بنشاط في الموسيقى والرياضة وغيرها من الأنشطة التي تتطلب ردود فعل في جزء من الثانية. ولكن إذا لم يشارك الوعي في مثل هذه العمليات ، فستكون هناك حاجة إلى تفسير أفضل لما يفعله الوعي".

إلا أن نتيجة البحث المثير للجدل لم تقف عند حدود تفسير عمل الوعي بجزء من الثانية، إذ شرح بودسون إنه "حتى أفكارنا ليست عموماً تحت سيطرتنا الواعية. هذا النقص في السيطرة هو السبب في أننا قد نواجه صعوبة في إيقاف تيار من الأفكار التي تمر عبر رؤوسنا بينما نحاول النوم"، مشيراً إلى أن الأمر يرتبط أيضًا بصعوبة فهم الذهن عامة.

ويعطي بودسون مثالاً على أن قراراتنا يتم اتخاذها دون مستوى الوعي بمثل لشخص يتناول "الأيس كريم" من علبة صغيرة، حيث يحصل أن يفكر هذا الشخص أنه سيتبقى لديه ملعقة واحدة من الأيس كريم، ولكنه ما يلبث أن يكتشف ان العلبة فارغة تماماً.

الاضطرابات تحصل في مساحة الوعي

وتوضح نظرية بودسون وزملاؤه أن عدداً من الاضطرابات العصبية والنفسية تحصل في مساحة الوعي كمرض الزهايمر والخرف الآخر والهذيان والصداع النصفي والفصام واضطراب الهوية الانفصالي وأنواع معينة من التوحد وغيرها.

ويوصي البحث بجملة أساليب سريرية وتعليمية "يمكن أن تكون فعالة في تشكيل كل من العقل الواعي والعقل اللاواعي" من خلال تقديم خارطة طريق حول كيفية قيام الأطباء والمعلمين والأفراد بتحسين السلوك واكتساب المعرفة على أفضل وجه.

ومن شأن هذا البحث، بغضّ النظر عن مدى صموده، أن يعزز علاج المرضى من خلال محاولة تحسين سلوكياتهم المتطرفة كالإفراط في تناول الطعام على سبيل المثال ومساعدتهم على فهم العلاقة بين أدمغتهم والذاكرة، فضلًا عن أنه يفتح الباب على مصراعيه حول القضايا الفلسفية المتعلقة بالإرادة الحرة والمسؤولية الأخلاقية.