النيل أم الأمازون: أيّهما أطول نهر في العالم؟
يختلف البعض حول أطول أنهار العالم، فالغالبية يعتبرون أن النيل هو أطولها، والقلة يرون أن الأمازون هو الأطول، فلنتعرف إلى هذين النهرين، وأهميتهما تاريخياً واقتصادياً وما يواجهانه من تحديات معاصرة.
يعتبر العلماء أن الأنهار هي شرايين كوكب الأرض، لما لها من أهمية اقتصادية وعمرانية واجتماعية كبيرة، حيث يعتمد قسم كبير من سكان الأرض على المياه في هذه الأنهار لحاجاتهم اليومية، بالإضافة إلى ما تحمله من طمي ومغذيات تزيد من الإنتاجات الزراعية، وما باتت توفره من توليد للطاقة الكهربائية.
ولكن هناك نوع من الخلاف حول أطول أنهار العالم، وقد عمل عدد كبير من الباحثين على تحديد أطولها، فلنتعرف إلى أطول نهرين في العالم (النيل والأمازون)، من أين ينبعان وأين يصبان، وما هي الدول التي يمران بها، وما هي أهمية كل منهما، والمخاطر التي يواجهها.؟
ما هو أطول نهر في العالم؟ وأين يوجد أطول نهر في العالم؟
يُعتبر نهر النيل أطول نهر في العالم، حيث يبلغ طوله 4180 ميلاً، أي ما يعادل 6695 كيلومتراً، وبعض الدراسات تقول إن طوله يصل إلى 7088 كيلومتراً. يقع في مصر، ويمر بإحدى عشر دولة أفريقية حتّى أصبح يُطلق عليه "أبو الأنهار الأفريقية". تشمل هذه الدول بالإضافة إلى مصر، إثيوبيا، إريتريا، السودان، أوغندا، تنزانيا، كينيا، رواندا، بوروندي، جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان.
يمتلك نهر النيل رافدين أساسيين، هما النيل الأبيض والنيل الأزرق. يتفوق النيل الأبيض بطوله على الأزرق، حيث يتدفق شمالاً من منطقة البحيرات الكُبرى ويمر من بحيرة فيكتوريا عبر أوغندا إلى السودان، أمّا النيل الأزرق فينبع من بحيرة تانا في إثيوبيا.
يتقارب الرافدان في مدينة الخرطوم، عاصمة السودان ثمّ يتدفقان شمالاً عبر الصحراء النوبية إلى مصر، حيث يعتمد النهر على مياه النيل الأزرق بنسبة 80 إلى 85% لينقسم بعدها إلى فرعين. هذين الفرعين هما فرع رشيد (إلى الغرب) ودمياط (إلى الشرق) ومن ثمّ يصب النهر في البحر الأبيض المتوسط.
أقرأ أيضاً: الخرطوم.. بلاد النيلين تئنّ تحت وطأة العطش
قديماً في اللغة المصرية، كان النيل يُسمّى بـ "Iteru" والذي يعني النهر العظيم، أمّا الآن فتعود تسميتُه إلى اللغة اليونانية "نيلوس" والتي تعني فيضان الماء العذب وتدفقه. غالباً ما يرتبط أطول نهر في العالم العربي بمصر، باعتباره المصدر الرئيسي للمياه العذبة والري للسلالات المصرية القديمة.
ما أهمية أطول أنهار العالم؟
أدى تغيّر المناخ والرعي المفرط إلى تجفيف الأراضي الرعوية في مصر لتشكّل الصحراء الكبرى، ربما منذ 8000 قبل الميلاد. الأمر الذي دفع بالسّكان إلى الهجرة نحو النهر، حيث طوروا اقتصاداً زراعياً مستقراً ومجتمعاً أكثر مركزية. حالياً، يعيش 95% من المصريين على بعد بضعة كيلومترات من النيل.
كما يُعتبر النيل، أطول نهر في العالم، مصدراً مهمّاً للبلدان التي يمرّ بها وبخاصة مصر، حيث يدعم المناخ الدافئ والزراعة والتجارة. ويتميّز باعتباره موطناً لمجموعة متنوعة من النباتات، حيث تمّ العثور على الغابات الاستوائية المطيرة على طول أجزائه. كذلك يتميّز بتنوع البيئة الحيوانية، التي تشمل وحيد القرن، أسماك النمر الأفريقية، سمك السلور العملاق، فرس النهر، الحيوانات البرية، البابون، الضفادع، النمس، السلاحف وأكثر من 300 نوع من الطيور التي تقضي الشتاء في دلتا النيل. وهذا يشمل أكبر تركيزات في العالم من النوارس الصغيرة.
اقرأ أيضاً: وحيد القرن الأبيض الشمالي إلى الانقراض
بالإضافة، إلى ذلك كان النيل بمثابة طريق نقل مهم للناس منذ آلاف السنين وحتّى يومنا هذا، نظراً إلى أنّ المصريين يعتمدون عليه تجنبّاً لازدحام الشواع. وذلك، من خلال استخدام القوارب السريعة الخاصة، سيارات الأجرة المائية أو العبّارات. كما كان يلعب دوراً في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين مصر والدول الأخرى، مما يساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي.
تمّ بناء السدود، كسدّ أسوان العالي في مصر بهدف استثمار المياه في مجال الطاقة الكهرومائية.
ما هي دلتا النيل؟
منذ آلاف السنين، حوّل أطول نهر في العالم المنطقة الجافة في مصر إلى أراضٍ زراعية خصبة باتت تُعرف باسم دلتا النيل. تبدأ الدلتا من الأسفل بالقرب من مدينة القاهرة ويبلغ طولها حوالى 100 ميل (161 كم) من الشمال إلى الجنوب، وتمتد من الإسكندرية غرباً إلى بورسعيد في الشرق بعرض حوالى 150 ميلاً (241 كم) من الساحل المصري.
تُعتبر هذه الدلتا واحدة من أكبر دلتوات الأنهار في العالم، حيث يبلغ عدد سكانها حوالى 40 مليون نسمة أي ما يقارب نصف سكان مصر. تكوّنت دلتا النيل في شمال مصر، عندما خرج النهر عن مساره على هيئة فروع إلى البحر المتوسط. لم يتبق منهم إلاّ فرعين هما دمياط في الشرق، وينتهي عند مدينة دمياط، وفرع رشيد في الغرب وينتهي عند مدينة رشيد.
تتّخذ الدلتا شكل المثلث وتتميّز بالأراضي الخصبة الصالحة للزراعة الغنية بالمغذيات، بسبب رواسب الطمي الكبيرة التي تتركها فيضانات النيل السنوية أثناء تدفقه إلى البحر. تمت زراعة الكثير من أغذية مصر في المنطقة وقد طوّر المصريون القدماء طرق الري لزيادة مساحة الأراضي التي يمكنهم استخدامها للمحاصيل ودعم السكان المزدهرين. كانت الفاصوليا والقطن والقمح والكتان محاصيل مهمّة وفيرة يمكن تخزينها وتداولها بسهولة.
كانت دلتا النيل أيضاً موقعاً مثالياً لنمو نبات البردي. الذي استخدمه المصريون القدماء بطرق عديدة، مثل صنع القماش والصناديق والحبال، ولكن إلى حد بعيد كان أهم استخداماته في صنع الورق.
في العصور القديمة، أدّت الفيضانات المتكرّرة للنهر إلى انتشار الطمي في محيط دلتا النيل ممّا أدى إلى زيادة رقعته شرقاً وغرباً. لكن، في عام 1970، تمّ بناء سد أسوان العالي في مصر للمساعدة في تنظيم هذه الفيضانات. بالرغم من أنّها كانت حاجة ملحّة في العصور القديمة، إلا أنّها أقل ضرورة وحتى مصدر إزعاج للحضارة الحديثة بأنظمة الري الخاصة بها.
اقرأ أيضاً: علماء يبحثون سبل الزراعة في الفضاء
حدّ هذا السّدّ من توسّع المنطقة، حيث أصبح الطمي والرواسب يتركمان خلفه بدلاً من التدفّق. كذلك، بدأت هذه المنطقة تتآكل بسبب البحر الأبيض المتوسط وعدم حدوث الفيضانات السنوية على طول أجزاء النيل. كانت هذه الفيضانات ضرورية لغسل وتنظيف المياه من النفايات البشرية والزراعية. نتيجة لذلك، أصبحت المياه أكثر تلوثاً. لكن، يجب الإشارة إلى أنّ استحداث قنوات الري أدّى إلى زيادة عدد المحاصيل الزراعية.
لا يزال المصريون يحتفلون بذكرى الفيضانات بالرغم من عدم حدوثها، تحت مسمّى "وفاء النيل". يبدأ الاحتفال السنوي، في 15 آب ويستمر لمدة أسبوعين.
رمزية نهر النيل تاريخياً
وفّر أطول نهر في العالم بيئة مضيافة لظهور واحدة من أقدم الحضارات وأكثرها هيمنة في التاريخ. كما لعب وفيضاناته السنوية دوراً مهماً في الدين المصري القديم وعلم الكونيات. على النهر، بدأ الناس أول تجمعاتهم الحضارية بدءاً من الحضارة الفرعونية إلى حضارة كوش في السودان ومملكة إكسوم في الحبشة. يقع معظم سكان مصر القدماء وجميع مدنها، باستثناء تلك القريبة من الساحل، على طول أجزاء وادي النيل، باستثناء شمال أسوان. كذلك تتواجد جميع المواقع الثقافية والتاريخية لمصر القديمة تقريباً على طول ضفافه.
في هذا السياق، كتب المؤرخ اليوناني هيرودوت أنّ "مصر كانت هبة النيل"، فبدون مياهه للري، ربما كانت الحضارة المصرية قصيرة العمر. فقد قدّم العناصر التي تصنع حضارة قوية، وساهم كثيراً في حملها لمدة ثلاثة آلاف عام.
اقرأ أيضاً: مصر تعلن استعادة آلاف القطع الأثرية
يرتبط النيل بالعديد من الآلهة، حيث خلقوا له إلهاً سمّوه "هابي" أي النهر، وكان مكرّساً لرفاهية غمر النيل السنوية. فضلاً عن ذلك، فقد اعتقدوا أنّ "إيزيس" إلهة النيل ومانحة الحياة، علّمت الناس الزراعة وكيفية العمل في الأرض. كذلك اعتبروا أنّ إله الماء "خنوم"، الذي حكم جميع أشكال المياه، حتّى البحيرات والأنهار في العالم السفلي، مسؤول عن كمية الطمي التي تغمر ضفاف النهر كل عام.
وكان المصريون يعتقدون أنّ الفرعون سيغمر أطول نهر في العالم العربي مقابل المياه والمحاصيل التي سيحصل عليها. لذلك، كان الفلاحين يزرعون التربة الخصبة ويرسلون جزءاً من الموارد التي حصدوها إلى الفرعون. بالإضافة إلى ذلك، اعتبروا النيل جسراً بين الحياة والموت، فكان يُنظر إلى شرقه على أنّه مكان للولادة وإلى غربه على أنّه مكان للموت. لذلك، كانوا يرسلون الموتى إلى غرب النيل حيث كانت تقع جميع المقابر، معتقدين أنّه لدخول حياة الآخرة يجب دفنها على الجانب الذي يرمز إلى الموت.
وتمّ تقسيم التقويم المصري إلى ثلاث مراحل على أساس دورة الفيضانات السنوية: أخت، الموسم الأول من السنة، الذي غطى فترة الفيضانات بين حزيران وكانون الأول. بيريت، وقت النمو والبذر من تشرين الثاني إلى منتصف شباط وشيمو، وقت الحصاد بين منتصف شباط ونهاية أيار.
اقرأ ايضاً: أشهر السنة الميلادية.. قصّة التقويم ومعاني الأشهر
الصعوبات التي يواجهها نهر النيل
يعاني أطول نهر في العالم من تصحر كبير بسبب الشح في هضبة الحبشة وتوسّع الصحراء بعد التغيّر المناخي في السودان ومصر. في هذا السياق، أكّدت دراسة أُجريت للحكومة المصرية أنّ ارتفاع درجة الحرارة سيؤدي إلى زيادة الانخفاض في منسوب النيل. لكن، السبب الأكبر يعود إلى زيادة السكان القاطنين على ضفافه حيث تضاعف عدد سكان مصر 4 مرات عام 1950، أمّا عدد سكان إثيويا فتضاعف أكثر من 5 مرات ليزيد عدد السكان في كلٍ من البلدين عن 100 مليون نسمة.
في غضون ذلك، بدأت الحدود الشمالية للدلتا تتآكل بسبب الزحف العمراني السريع وإقامة السدود مما أثر سلباً على المياه الجوفية. وقد أصبحت الأراضي الزراعية أقل خصوبة بعد إنشاء السد العالي وبدأ المزارعون يستخدمون الأسمدة الكيماوية لسد النقص في تغذية التربة.
اقرا أيضاً: سد النهضة في 2021.. حلم إثيوبيا الذي يؤرق مصر والسودان
كذلك تواجه الدول الإحدى عشر في حوض النيل تحديّاً كبيراً يتمثّل في الطلب المتزايد على المياه والطاقة الكهرومائية. لذلك، انضمت بلدان حوض النيل العشرة إلى اتّفاق عام 1999 يحمل اسم "لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة من خلال الاستخدام العادل للموارد المائية المشتركة لحوض النيل والاستفادة منها". يعتبر هذا الاتّفاق شراكة حكومية دولية بين جميع دول الحوض، التي تشمل مصر، السودان، أوغندا، إثيوبيا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا، كنيا واريتريا. يوفر الاتّفاق منتدى للمناقشة والتنسيق بين البلدان بهدف المساعدة في إدارة وتقاسم موارد أطول نهر في العالم.
وقد برز في السنوات الأخيرة تحدٍ جديد، هو بناء سد النهضة في إثيوبيا، والذي ستتضرر منه بشكل أساسي كل من مصر والسودان، وخصوصاً أن إثيوبيا لا تلتزم حتى الآن بالاتفاقات السابقة الموقعة، ولا بالقوانين الدولية حول تنظيم الأنهار، وفي حال تطبيق إثيوبيا لسياستها بملء سد النهضة كما تعلن، فإن كلاً من القاهرة والخرطوم ستعانيان من انخفاض كبير في كمية المياه التي تصل إلى أراضيهما، وبالتالي التأثير على الزراعة والحركة الاقتصادية في كلا البلدين.
ما هو ثاني أطول نهر في العالم؟
يعتبر نهر الأمازون ثاني أطول نهر في العالم ويبلغ طوله 6400 كيلومتر. لكنّه، يعدّ أكبر نهر من حيثُ تدفق المياه، بمتوسط تصريف أكبر من التصريف المشترك للأنهار السبعة التي تليه، مما يجعل العلماء يعتقدون أنّه مسؤول عن حوالى خُمس المياه على سطح الأرض. يبلغ متوسط التصريف حوالى 7381000 قدم مكعب في الثانية (209000 متر مكعب في الثانية) مع تدفق إلى المحيط الأطلسي.
اقرأ أيضاً: "ونزَلنا من السماء ماء مباركاً".. أيّ دور للمياه في الحضارة الإسلامية؟
في هذا السياق، يعتقد بعض العلماء أنّ طوله الذي يضعه تحت نهر النيل لا فوقه يحتاج إلى مراجعة، بسبب الاختلاف حول مصدرهما الحقيقي الذي يجعل نهر أطول من الآخر. يزعم البعض اكتشاف علماء خلال رحلتهم أنّ مصدر الأمازون يقع في جنوب بيرو، والذي، إذا كان صحيحاً، يعطي الأمازون طولاً محسوباً يبلغ 6800 كيلومتر (4250 ميلاً) أكبر من طول النيل البالغ 6695 كيلومتراً.
هذا القياس الجديد مدعوم بنتائج مشروع "بان أمازون" المنفصل، الذي طوّره 5 علماء من قسم الاستشعار عن بعد التابع للمعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء (INPE) الذين استخدموا صور الأقمار الصناعية لمقارنة طول كل من النيل والأمازون. كما نشرت "ناشيونال جيوغرافيك" في عام 2007 مقالاً يقدّم بعض الأدلة على أنّ الأمازون هو أطول نهر في العالم، إلا أنّ معظم الخبراء ما زالوا يضعونه في المركز الثاني خلف نهر النيل.
ينبع نهر الأمازون من جبال الأنديز التي تعمل كجدار يمنع الهواء الدافئ الرطب. هذا الجدار يتحرك من الشرق مما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة مستمرة تغذي منابع النهر. بعد ذلك، يشقّ النهر طريقه شرقاً عبر آلاف الأميال من الغابات المطيرة والأراضي المنخفضة حتّى يصب في المحيط الأطلسي على الساحل الشمالي الشرقي للبرازيل.
يعتبر الأمازون رافداً ضخماً للمحيط الهادئ، حيث يمتلك أكثر من 1100 رافد - 17 منها يزيد طولها عن 930 ميلاً (1497 كم). تشمل أطول 3 روافد؛ ماديراويتش الذي يمر عبر بوليفيا والبرازيل، وبوروس الذي يمر عبر بيرو والبرازيلات، ويابورا الذي يمر عبر كولومبيا والبرازيل.
اقرأ أيضاً: ياباني يبلغ 83 عاماً ينجح بعبور المحيط الهادئ بمفرده في زورق شراعي
كما يعتبر ثاني أطول نهر في العالم هو الأوسع على الإطلاق، وقد أكسبه هذا العرض لقب بحر النهر. فخلال موسم الجفاف من حزيران إلى تشرين الثاني، يتراوح عرضه بين 2 إلى 6 أميال (3.2 إلى 9.6 كم) حسب المنطقة، في موسم الأمطار من كانون الأول إلى نيسان يمكن أن يصل العرض إلى 30 ميلاً (48 كيلومتراً). لكن، في ذروة موسم الأمطار، يمكن للتيار أن يسافر أكثر من 4 ميل في الساعة (6.4 كم/ساعة).
يرجع استكشاف نهر الأمازون إلى الإسباني فيسنت يانز بينزون، حيث يُعتبر أول أوروبي أبحر في النهر عام 1500. أطلق بينزون على النهر اسم "إل مار دولسي" والذي يعني البحر العذب، نظراً إلى أنّه يصب مياهه العذبة في المحيط الأطلسي. لكن، تسمية النهر بالأمازون ترجع إلى أحد الجنود الإسبان المرافقين للمستكشف غونزالو بيزارو الذي يُدعى فرانسيسكو دي أوريلانا.
زعم الأخير أنّ رجاله تعرضوا أثناء رحلتهم الاستكشافية عام 1541 لهجوم من نسوة مقاتلات من قبائل الهنود الحمر، السكان الأصليين، فأطلقوا عليهنّ اسم "الأمازونيات" نسبة إلى النساء المحاربات في الأساطير الإغريقية، ليُصبح فيما بعد الاسم الملازم للنهر والمناطق المجاورة.
قديماً، كان نهر الأمازون يتدفق من الشرق إلى الغرب، ثمّ يصب في المحيط الهادئ. بعد تحرك صفيحة أميركا الجنوبية غرباً واصدام صفيحة المحيط الهادئ بنازكا في القرون الوسطى، وهي منطقة في الساحل الجنوبي لبيرو. أدى هذا الاصطدام إلى رفع جبال الأنديز وقطع تدفق الأمازون إلى المحيط الهادئ.
بعد ذلك، تشكّلت بحيرات كبيرة في الجزء الشرقي من جبال الأنديز، بما في ذلك بلتيرا. وبالتالي، أدى الميل الطفيف لقارة أميركا الجنوبية إلى الشرق إلى انعكاس مسار الأمازون نحو المحيط الأطلسي. خلال Cenozoic، نحت الأمازون وروافده تدريجياً حوض الأمازون واليوم يضم الهضاب والسهول والوديان.
لا يحتوي ثاني أطول نهر في العالم على دلتا حقيقية، نظراً إلى أنّ الطمي الذي يجلبه النهر يحمله المحيط. وذلك، لأنّ المد والجزر يحدث في المصب الذي يشمل المحيط وأمام جزيرة المعراج.
ما هو حوض الأمازون؟
حوض الأمازون هو مساحة كبيرة من الأرض التي يصب فيها ثاني أطول نهر في العالم وروافده، يحتل حوالى 40% من المساحة الإجمالية لأميركا الجنوبية، ومجموعه يغطي ما يزيد عن 7 مليون كلم2. يقع الحوض في أجزاء من 6 بلدان تشمل البرازيل، البيرو، كولومبيا، الإكوادور، بوليفيا وفنزويلا. لكن، يقع معظم الحوض وحوالى ثلثي النهر في البرازيل.
تتميّز التربة المحيطة بالنهر وروافده بخصوبتها، باعتبار أنّ الأراضي منخفضة. لهذا السبب، أكثر من ثلثي الحوض مغطى بالغابات المطيرة.
سكن حوض الأمازون قديماً قبائل صغيرة من الحضارات الهندية المختلفة، والتي اعتمدت على صيد الحيوانات الكبيرة والصغيرة وجمع الثمار البرية والمكسرات والتوت جنباً إلى جنب مع الزراعة.
بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح تطوير حوض الأمازون نقاشاً مهماً بين البلدان التي يمتد فيها. وقد تم بناء الطرق عبر غابات الأمازون المطيرة، وبخاصة في مرتفعات كولومبيا وبيرو وبوليفيا والإكوادور. الأمر الذي ساهم في انتقال آلاف المزارعين الفلاحين من المرتفعات المكتظة بالسكان إلى الأراضي المنخفضة في حوض الأمازون. كما مكّنت هذه الطرق الدول من استكشاف النفط، أسماك الأنهار، موارد الأخشاب الصلبة الاستوائية وإنتاج الكوكايين بشكل غير قانوني.
اقرأ أيضاً: تسرّب نفطي في غابة الأمازون يهدد بتلويث المياه
لكن، النهر خالٍ من الجسور بسبب عدم وجود طرق في مساره. الأمر الذي يدفع السكّان غالباً إلى العبور بواسطة عبّارات أو قوارب. يمكن لسفن المحيط صعود ثاني أطول نهر في العالم على بعد 1500 كيلومتر إلى مدينة ماناوس في البرازيل بينما يمكن لسفن الركاب وسفن الشحن الأصغر الوصول إلى إيكيتوس في بيرو، على بعد 3600 كيلومتر من مصب الأمازون.
أهمية ثاني أطول نهر في العالم
يشكّل نهر الأمازون أكبر مصدر للمياه لبلدان أميركا الجنوبية التي يتدفق على طولها، حيث يستخدم معظم السكان بشكل مباشر أو غير مباشر مياهه لتلبية احتياجاتهم اليومية. كما تستخدمه الحكومات لتوفير الطاقة الكهرومائية للأشخاص الذين يعيشون على طول ضفافه. يعتمد المزارعون على مياه الأمازون أيضاً لري مزروعاتهم، وأهمها فول الصويا، الذرة، الأرز والمنيهوت. بالإضافة إلى ذلك، يشكّل حوض الأمازون محطة مهمة للسياح والبحث العلمي. في هذا السياق، أدت السياحة إلى توليد إيرادات عالية للبلدان المحيطة، مع جني البرازيل أكبر قدر من الفوائد.
اقرأ أيضاً: صراع الطاقة النظيفة
كذلك يستغل الناس العديد من المعادن التي تتوفّر حول النهر، وأهمّها البوكسيت والحديد. تنتشر رواسب كبيرة من البوكسيت حول نهر الأمازون ويتم استخراج 15% من حصة العالم من هذه المنطقة. فضلاً عن بعض المعادن الأخرى مثل الذهب والنيكل والقصدير والفولاذ.
يتدفق ثاني أطول نهر في العالم عبر غابات الأمازون المطيرة، وهي منطقة تتميّز بتنوعها البيولوجي الأكبر في العالم. يقدّر العلماء أنّ هناك ما بين 2500 إلى 5000 نوع سمك في حوض الأمازون ويمكن العثور هناك على ما يقدر بثلث أنواع الحيوانات في العالم. كما يكتشف العلماء في كل عام أنواعاً جديدة من الأسماك، وربما الحيوانات الأكثر شهرة في الحوض هو دلفين نهر الأمازون الذي يعتبر من أكبر الدلافين النهرية في العالم، حيث يصل طوله إلى 8 أقدام و 6 بوصات (2.6 متر).
بالإضافة إلى سمكة البيرانا حادة الأسنان التي تأكل اللحوم، والكايمان، وهي زواحف مرتبطة بالتماسيح تعيش أيضاً في مياه الأمازون. يستفيد الناس من هذه الأسماك للغذاء من جهة وللتجارة من جهة أُخرى، وغالباً ما يتم تداول أنواع الأسماك هذه داخل حوض الأمازون أو خارجه إلى الفنادق والتجار الآخرين الذين يبحثون عن أنواع الأسماك النادرة.
كما تعتبر هذه الغابات مصدر رزق مهماً جدّاً للسكّان، حيث يلجئون إلى تقطيع الأشجار للاستفادة منها للأخشاب وبخاصة خشب المطاط. كما يستخدمون بعض الأشجار المعطرة لصنع العطور والمنتجات المعطرة الأخرى. وقديماً، كان السكان الأصليون يستفيدون من النباتات التي تنمو على طول النهر لصناعة العديد من الأدوية.
تُضاف إلى ميزات النهر تغذية المحيطات بالمياه العذبة أكثر من أي نهر آخر، حيث يزوّد المحيطات بنسبة 20% من المياه العذبة. كما يمتلك ثاني أطول نهر في العالم أكبر عدد من الروافد ومجمعات المياه في العالم. وتعتبر الثروات البيئية الموجودة في الأمازون حلاً لمجموعة التحديات البيولوجية، بحسب خبير البيئة توماس لافجوي. على سبيل المثال، ساعد اكتشاف مثبطات إنزيم الأنجيوتسين، الذي استلهم من دراسة سم أفعى الفير دي لانس (التي عثر عليها في غابات الأمازون) مئات الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم على علاج ضغط الدم.
اقرأ أيضاً: صراع على المياه.. هل يقود العطش إلى مواجهة حتمية مع "إسرائيل"؟
كذلك يؤكّد لافجوي أنّ التنوع البيولوجي يلعب دوراً مهمّاً ضمن المنظومات العالمية، حيث يؤثر على دورة الكربون العالمية، ومن ثم على تغير المناخ. فضلاً عن تأثيره على المنظومات المائية في نصف الكرة الأرضية، ليشكّل ركيزة هامّة للمناخ وهطول الأمطار في أميركا الجنوبية.
ما هي الصعوبات التي يواجهها الأمازون؟
تعد إزالة الأشجار في غابات ثاني أطول نهر في العالم المطيرة أحد الشواغل الدولية التي أثارها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية خلال مؤتمر قمة الأرض الذي عقد في ريو دي جانيرو عام 1992. وذلك، لأنّ فقدان هذه الغابات من شأنه أن يسرّع من تغير المناخ، ويثير حرائق الغابات، ويؤدي إلى أنماط مطر وجفاف لا يمكن التنبؤ بها. وعلى العكس، سيؤدي الاستصلاح المستمر للغابات إلى تقليل معدل التبخر، وبالتالي قطع الدورة الهيدرولوجية وإعادة تدوير مغذيات التربة. ستؤدي الدورة الهيدرولوجية المتوقفة إلى زيادة كمية المياه الجارية عن السطح وزيادة مستويات المياه.
اقرأ أيضاً: ارتفاع قياسي في إزالة غابات الأمازون خلال 15 عاماً
في هذا السياق، يحذّر عالمي المناخ توماس لافجوي وكارلوس نوبر أننا أصبحنا بالفعل قاب قوسين أو أدنى من هذه النقطة، حيث تجلت أولى العلامات في موجات الجفاف التي حدثت في 2005 و 2010 و 2016.
لائحة أطول أنهار العالم
النيل
الأمازون
نهر اليانغستي
نهر ميسيسيبي
نهر ينسي
النهر الأصفر
نهر أوبي
نهر بارانا
نهر الكونغو
نهر آمور
نهر أرغون
بغض النظر عمّا إذا كان نهر النيل هو أطول نهر في العالم أم نهر الأمازون، إلّا أنّ كليهما يشكّلان مصدران مهمّان للحياة على الأرض ويضمنان استقرارها. لذلك، من المهم أن تسارع الحكومات إلى وضع خطط محكمة للحفاظ على الأراضي المحيطة بهذه الأنهر ومنع التصحر الذي يحدث بسبب التغيّر المناخي العالمي.