"الميادين نت" تعرض قصة الحديد والنار في متحف كسرواني
ها هو الفنان اللبناني منير كسرواني ينطلق من عشقه لأديم الثرى فيحقق حلمه بتأسيس متحف يضرب في جذور الحنين.
فنان لبناني "أصيل" يعيدك إلى زمنٍ يعبق برائحة التراث، فأعمال الفنان اللبناني منير كسرواني الفنية كتابة وإخراجاً وتمثيلا، تنهض شاهداً على مبدع مخضرم زرع البسمة على صفحات الوجوه، وهو يعبّر بذلك عن منبعه أرض الجنوب اللبناني الولاّدة للمبدعين المبرزين.
وها هو كسرواني ينطلق من عشقه لأديم الثرى فيحقق حلمه بتأسيس متحف يضرب في جذور الحنين معانقاً بلدته العيشية في قضاء جزين جنوب لبنان التي تبعد عن بيروت 94 كلم.
تحقيق حلُم... وحفاظ على الإرث
يضم متحف الأستاذ الجامعي منير كسرواني ما يربو على 300 قطعة مختلفة الأحجام والأشكال منها قطع غير معروضة، تتناول حياة الفلاح في بيته وحقله ومعداته، لا سيما معدات الحراثة والزراعة.
فضلاً عن متحف الحداد العربي الذي لم يأتِ به من مكان غريب، بل كان لوالده أسعد كسرواني الحداد الوحيد والبيطري في منطقة جبل الريحان الواقعة في قضاء جزين جنوب لبنان، بعد احتفاظ الفنان بتجهيزاته لسنوات طوال حتى قرر أن ينشئ المتحف تحقيقاً لحلم يراوده منذ تاريخ تحرير الجنوب اللبناني في سنة 2000، وعودته إلى قريته التي كانت محتلة من العدو الإسرائيلي.
إلى ذلك، فإن بعض الموجودات قدّمت له عبر بعض الأصدقاء الذين شجّعوه على إنشاء المتحف الذي يتكون من 4 غرف أعدّها كسرواني، وجهزّها على النسق التراثي العتيق.
في المتحف مجموعة من الخوابي المختلفة الأحجام والأواني الفخارية والنحاسية والزجاجية وسلال القش والسدور، إلى مجموعة من البنادق والقناديل والسرج المتفاوتة القياسات والقطع النادرة، و«كركة» ماء الزهر والعرق البلدي المميزة والجاهزة بعدة شغلها، وأيضاً آلة فصل الحبوب عن قشرها الضخمة .
سعيّ للحفاظ على التراث
يتضمّن المتحف قسماً خاصاً بارشيف مسرح الفنان منير كسرواني الزاخر، يعرض الملابس والطرابيش والوجوه والملصقات و... التي استعملها في مسرحياته منذ بدء مسيرته الفنية الزاخرة حتى اليوم.
وهنا يقول كسرواني"صمّمت على إنشاء هذا المتحف لأني ترعرعت فيه، وكنت أساعد أبي بالعمل، وكان فمي الصغير ينفخ النار في الفرن لصهر المعدن الذي كان عمي الياس يساعد في دقّه، لكن الوالد هو من كان ينجز ما هو دقيق وحساس في هذه الصناعة الحرفية التي اشتهر بها لبنان ".
ويؤكد أنه يسعى للحفاظ على التراث وكل ما هو قديم... "فالمتحف يحتوي أيضاً على الأدوات التي كانت تستخدم قديماً، كالقناديل القديمة والمناجل. وإضافة إلى ما شغلته يدّ والدي، وصولاً إلى قسم عن مراحل حياتي الفنية يضم ملابس الفنانين وأكسسواراتهم والماسكات التي كنت أعود بها من جولاتي في بلاد العالم، و"آفيشات" مسرحياتي وأعمالي مع الرحابنة ومنير أبو دبس وريمون جبارة، ومراسلاتي، والجوائز والدروع التي نلتها، كما أن هناك مجموعة نادرة من الصور الفوتوغرافية والرسوم القديمة".
"العيشية" ملتقى تراثي وفني
ويستطرد الفنان المخضرم بالقول "عدا أهميته التراثية، يعكس هذا المشروع العلاقة الإستثنائية التي كانت تربطني بأبي. فقد جلت في أوروبا ووصلت إلى أستراليا، وكنت أزور متاحف من هذا النوع، وأحياناً أقلّ شأناً. إني أرى أن ما فعلته شيء جميل، فلدينا جِرار عمرها 100 عام، وخوابي زيت، وأدوات نحاسية وغيرها من القطع النادرة".
ولطالما كان كسرواني متشبثاً بالأرض والضيعة وبالوطن والهوية، ومن هنا أتى كلامه في افتتاح المتحف "باتت العيشية ملتقى تراثي وفني ، فيها متحف من رائحة الاجداد وعرقهم وتعبهم وحزنهم وفرحهم، وان افتتاح متحف في الجنوب ، وفي العيشية خير دليل على استتباب الأمن والاستقرار في الاماكن التي تحضر فيها المقاومة البطلة والجيش اللبناني".
والجدير ذكره، أن المتحف كان يشهد إقبالاً لافتاً قبل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون، حيث تزوره وفود من مختلف المناطق اللبنانية، فضلا ًعن تلامذة المدارس، وهو مفتوح للزوار وفقاً لموعد مسبق.
قوس قزح العائلات اللبنانية
وانطلاقا من دِّعة "الضيعة" الجنوبية الوادعة "العيشية" التي تشكّل نموذجاً للقرى التي تضم قوس قزح العائلات الروحية اللبنانية ، يعتبر منزل ومتحف الفنان مهجعاً لأهل الأدب والشعر والفن والصحافة، ولا تعجب إن امتشق كسرواني "الشبّابة" لينفخ فيها مرحّباً بزواره الآزفين من جميع المناطق.
واعتنى منير كسرواني بتخصيص مساحة للأطفال لكي يتعرفوا إلى تراث اجدادهم ويلهون في الوقت نفسه في طبيعة تحفّ بها أشجار الصنوبر، من خلال وضع أحواض سمك وأقفاص عصافير، ومراجيح وألعاب، فضلاً عن تجسسيد بئر تراثي آمن مخصص للأطفال على إسم حفيديه "راين وجوي"، يتعرف من خلاله الطفل على كيفية اجترار الماء من البئر على الطريقة التقليدية.
إلى كلّ ذلك، خصصّ كسرواني مكاناً لعرض المنتوجات البلدية تهتمّ به شقيقاته وهو مخصّص للمأكولات الطبيعية، التي تنتجها الأرض كالزعتر والسماق وعصير الرمان والبندورة والمربى وماء الزهر والعرق واصناف كثيرة أخرى....