بدت سوق النبطية التراثية التجارية في جنوب لبنان أشبه بمنطقة منكوبة غداة غارة لطائرات الاحتلال الإسرائيلية، فالمحال استحالت أكواماً من الركام تتصاعد من أنحائها أعمدة دخان.

وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي مجازرها البربرية في مناطق متفرقة من لبنان، بعد أكثر من أسبوعين من توسّع العدوان، والذي يطال المدنيين النازحين في الأماكن التي لجأوا إليها بعيداً عن بيوتهم التي طالها القصف الإسرائيلي من الجنوب إلى الشمال والبقاع، وحتى قلب العاصمة اللبنانية بيروت.

حتى سوق النبطية لم يسلم من شر اسرائيل، ٣ غارات متتالية على سوق تجاري، ولكنه حقد العدو والدونية التي يشعر بها من التاريخ والأرث والتراث.
هذا السوق هو من أقدم أسواق الجنوب والذي اشتهر بسوق الاثنين، حيث كان يستقبل باعة ومتسوقين من كافة المناطق ويعود نشأته الى عهد المماليك عام ١٩١٠. pic.twitter.com/hYl3QNkwnM

— Yumna Fawaz (@yumnafawaz) October 12, 2024

ويعود العمر التاريخي لما يسمى بـ "سوق الإثنين" في النبطية إلى العهد المملوكيّ في الفترة الممتدة ما بين عامي 1250 و1517 ميلادياً، ويتم ربطه بنشأة العديد من الأسواق في ذلك العهد، ومنها سوق "الخان»"في حاصبيا وأسواق فلسطين.

ولكن على الرغم من كثرة الروايات حول التاريخ الحقيقي للسوق ظهرت صورة قديمة تعود إلى تاريخ سنة 1910م ، ويظهر في مطلع الصورة جنديّان من العسكر العثماني يقومان بحراسة هذا السوق، فيما تنتشر البضائع والمعروضات على مساحة الساحة.

وهبي للميادين نت:  تصدّع في منزل و ضريح حسن كامل الصّباح

وتضم سوق النبطية القديمة منزل المخترع العالمي حسن كامل الصّباح، وقربه مكان ضريحه حالياً في شارع الصباح، وسبق للميادين نت أن زاره في شهر آذار/ مارس 2023 لاعداد تقرير حول الذكرى التاسعة والثمانين لرحيله.

اقرأ أيضاً: هل أودى "سلاح العلم" بـ "أديسون العرب" اللبناني في أميركا؟

و ولد "أديسون العرب" في مدينة النبطية سنة 1894،  كان طموحه  أن يصبح مهندساً عالمياً، لكنه كان لا يحبّ أن تكون ثمراته إلا لبلاده العربية في الدرجة الأولى.

وفي اتصال أجراه الميادين نت مع أمين سر لجنة كامل الصباح د. عباس وهبي أفادنا أن الشارع مدمر والتصدعات لحقت بالضريح والمنزل مع عصف للنوافذ والأبواب والمكان برمته.

وزير الثقافة اللبناني القاضي محمد وسام المرتضى علّق في منشور له على منصة "إكس" فقال "بينما يُمعن العدو في قتل اللبنانيين وتدمير مدنهم وقراهم مستهدفاً كما موروثهم التراثي في النبطية وبرعشيت وقبلها في تبنين، عمد بعض صغار النفوس في الداخل الى استغلال الأوضاع السائدة في بعلبك فأقدموا تحت جنح الظلام والقصف على هدم بناء تراثي كنّا قد اصدرنا سابقاً قراراً بمنع هدمه..

بينما يُمعن العدو في قتل اللبنانيين وتدمير مدنهم وقراهم مستهدفاً كما البارحة موروثهم التراثي في النبطية وبرعشيت وقبلها في تبنين، عمد بعض صغار النفوس في الداخل الى استغلال الأوضاع السائدة في بعلبك فأقدموا تحت جنح الظلام والقصف على هدم بناء تراثي كنّا قد اصدرنا سابقاً قراراً بمنع… pic.twitter.com/LpKiF6zQBb

— القاضي محمد وسام المرتضى وزير الثقافة (@JugeMMourtada) October 13, 2024

"سوق الفقراء" يوم الإثنين

سوق النبطية التي باتت تعرف بسوق الاثنين الشعبي، كان تحتضن“بسطات” الثياب و الغذاء من خضار وفواكه وحبوب، حيث اعتاد اهل المنطقة على انتظار هذا اليوم منذ افتتاح السوق لتأمين كافة احتياجاتهم بسبب رخص البضائع و جودتها، فعبق أرض الجنوب يتغلل في الخضار و الفواكه الطازجة والحبوب المزروعة بكل حب في ترابه. 

تحارب "إسرائيل" وجودنا حاضراً وتاريخاً. هذا هو سوق النبطية، عمره أكبر من عمر الصهيونية كفكرة، وله وجود متجذر يسبق فرض "اسرائيل" من العدم. سوق #النبطية، المعروف بـ "سوق الإثنين"، يعود عمره إلى العهد المملوكيّ في الفترة الممتدة ما بين عامي 1250 و1517 ميلاديّا. تعود الصور القديمة… pic.twitter.com/D4EXpYxau9

— Israa Alfass 🔻 إسراء الفاس (@Israa_Alfass) October 13, 2024

كانت سوق الاثنين تجمع كل شيء من مفردات حياة أبناء القرى، من أقمشة وجلود وحصر، وحبوب وماشية وطيور، وتوابل وخضار وفواكه، وخردوات وآلات حرث وسلال وفخاريّات وغيرها. ولطالما كانت تتميز بجمالية مميزة تختلف عن بقية أسواق الجنوب، حيث تربعت على عرش الأسواق، فضلاً عن جمعها القرى المجاورة  مثل كفررمان وحبوش وزبدين وشوكين وكفرتبنيت، وهذه السوق بقيت محافظةً على اسمها التي لطالما عرفت به: وهو "سوق الفقراء".

ويبقى السؤال، لماذا يهدم جيش الاحتلال أسواقاً تراثية تاريخية يفوق عمرها تاريخ إنشاء هذا الكيان؟ الجواب يكمن في الحقدٍ الدفين على كل ما هو تراثي معبّر عن أي معلمٍ لبناني وعربي ضارب في التاريخ، وهو ترجمة وقحة لإمعان العدو في التدمير الشامل والبربري.

 

 

 

 

View this post on Instagram

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

A post shared by www.bintjbeil.org (@bintjbeilnews)