بَهَرتِ جمالاً فَرُعتِ البَصرْ
وذُبتُ سَقاماً فَفُتُّ النظرْ
فَصِرتُ إذا أمكنتْ لُقْيَةٌ
أُريكِ السُهى وتُريني القمرْ
هذان البيتان للشاعر الأندَلُسي ابن خفاجة، وهما يتضمّنان مثلاً يُضرَبُ في مَن يُسأل عن شيء فيُجيب جواباً بعيداً عمّا سُئل عنه ، وهو قولهم:"أُريها السُهى وتُريني القمر". وذلك لأن السُهى نجم صغير بعيد لا يكاد يُرى لِبُعده، بينما القمر واضح لقربه من الأرض.
وكانت العرب تمتحن قوّةَ البصر بالسُهى فمَن تمكن من رؤيته فبصرُه قوي. والسهى يُذكّرُ ويؤنّثُ ومنه أُخِذَ اسمُ العلمِ المؤنّث سُهى وتصغيرُه سُهيّة وهو اسمٌ للمرأة قديم، وبه يكني عنترة عن حبيبته عبلة حيث يقول:
أمِن سُهَيَّةَ دمعُ العَينِ تَذريفُ
لو أنّ ذا منكَ قبلَ اليومِ معروفُ
كأنّها يومَ صدّت لا تُكلّمُني
ظَبْيٌ بِعُسْفانَ ساجي الطَرفِ مطروفُ
واشتقاق السُهى من أصل لغوي هو السين والهاء والحرف المُعتلّ، يدلّ على خفاء وسِرٍّ. ثم يُتَوسَع في المعنى فيُقال: سها عنه، يسهو، سهواً: إذا غفل عنه ونَسِيَه. وفي الغفلة والنسيان نوع من الخفاء للشيء الذي يُنسى بمعنى اختفائه من الذاكرة، ولذلك سُمّيَ نجمُ السُهى بذلك لخفائه وخفوت ضوئه.
وقد جمع جميلُ بنُ مَعمر بين السُهى والسهو في قوله في صاحبته بُثَينة:
خليليّ إن قالت بُثَينةُ: ما لهُ
أتانا بلا وعدٍ؟ فقولا لها: لها
أتى وهْوَ مشغولٌ لِعُظمِ الذي بهِ
ومَن باتَ طولَ الليلِ يرعى السُهى، سَها
ومن الأمثال الدالّة على الأمر المستحيل قولُهم:"أنّى يلتقي سُهَيلٌ والسُهى"أي أنهما لا يلتقيان. وذلك أن سُهيلاً نجمٌ مَوقعُه عند القُطب الجنوبي فيستحيل أن يلتقي السُهى الواقع عند القُطب الشمالي من ضمن مجموعة نجوم بنات نعش الصُغرى. وكثيراً ما تذكر السُهى في الشعر على سبيل الكناية ويُقصد بها المكان العالي والمنزلة الرفيعة التي يصعُب بُلوغُها فإن بلغها القومُ، أو بعضُهم، فهذا دليلٌ على عُلُوّ مكانتِهم بين الأمم.
وهذا ما يذهب إليه الشاعر اللبناني المهجري إيليا أبو ماضي في قوله منتقداً أحوال العرب في أيامه وأيامنا أيضاً:
نحنُ في الجهلِ عبيدٌ للهوى
ومع الِعلمِ عبيدُ الدولِ
نعشقُ الشمسَ ونخشى حَرّّها
ما صعِدنا، وهْيَ لمّا تنزِلِ
قد مشَى الغربُ على هامِ السُّهى
ومشَينا في الحضيضِ الأسفلِ