فِلَسطين

لأنها اليوم تختصر كل الأسماء. لأنها اليوم أجمل الأسماء.. ميادين الأسامي تحدثكم عن فلسطين.

أخي جاوَزَ الظالمونَ المَدى                      

فَحَقَّ الجِهادُ وحَقَّ الفِدا
أخي قُمْ إلى قِبلَةِ المَشرِقَينِ
لِنَحمي الكنيسَةَ والمَسجِدا
وقَبِّلْ شَهيداً على أرضِها
دَعا باسمِها اللهَ واستَشهَدا
فِلَسطينُ يَفدي حِماكِ الشبابُ 
وجَلَّ الفِدائيُّ والمُفتَدَى
فِلَسطينُ تَحميكِ مِنّا الصُدورُ
فَإمّا الحَياةُ وإمّا الرَدى

هذه الأبيات لم تُنظم لوصف ما يجري على أرض فلسطين اليوم، لكنها تنطبق على واقع الحال لأنها تتحدث عن فصل من فصول الملحمة التي يسطّرها الشعب العربي الفلسطيني، في مواجهته لأعتى عدوان استعماري استئصالي عنصري شهده العصر الحديث، تقوده الحركة الصهيونية العالمية مؤيدةً تأييداً مطلقاً من قوى الاستعمار والهيمنة الغربية من دون استثناء.

هذه الأبيات من قصيدة للشاعر المصري علي محمود طه (1901 - 1949) نظمها عام إقامة كيان الاحتلال العنصري الإسرائيلي على أرض فلسطين عام 1948. ومنذ ذلك الحين والمقاومة الفلسطينية مستمرة على الرغم من قوة الاحتلال وتمكّن آلته الحربية من التوسع والامتداد في كامل الأرض الفلسطينية (ما عدا غزة المحاصرة)، ولم تزدها التضحيات إلا إصراراً على استعادة أرضها وتحقيق حريتها واقتلاع الكيان الصهيوني من جذوره.

في هذه العُجالة نلقي بعض الضوء على الخلفية التاريخية لهذا الصراع وطرفيه وعلى التموضع الجغرافي لفلسطين، ولماذا سُمّيت بهذا الاسم، ومن هم سكانها الأصليون، ومن هم الطارئون عليها منذ ما يقرب من أربعة آلاف سنة.

فلسطين هو اسم هذا الجزء من أرض كنعان القديمة التي تشمل بلاد الشام كما يعرفها العرب. استوطنها في الألف الرابع قبل الميلاد الكنعانيون وهم قبائل سامية نزحت من شبه الجزيرة العربية طلباً للماء والأرض الخصبة، فوجدتها في هذه الأرض التي باتت تعرف باسمهم أرض كَنعان، من لفظة كَنع وتعني الأرض المنخفضة.

وفي الألف الثالث ق.م. بدأ الكنعانيون في الاستقرار الحضريّ، فأنشأوا المدن والقرى وازدهرت أوضاعهم الاقتصادية والحضارية.

وأقدم مدنهم مدينة "يبوس" نسبة إلى مؤسسيها اليبوسيين وهي التي اصبحت تُعرف باسم "أورسالم"، أي مدينة سالم وهو إله السلام عندهم. ثم أطلق عليها اسم بيت المقدس والقُدس والقُدس الشريف عند العرب والمسلمين.

في أوائل القرن الثاني عشر ق.م. استوطن الجزء الساحلي الجنوبي من أرض كَنعان شعب أُطلق عليه اسم الفَلَستينيون أو الفَلَستيون، مفرده فلَستي، من أرض فَلَستة، أو فَلَست، وهم شعب قديم مذكور في التوراة "بَلشتيم" ويُلفَظ بالأكاديمية بالاستو، على أنهم من شعوب البحر غزوا مصر ثم استقروا في ذلك الجزء الجنوبي من أرض كنعان.

وجاء ذكرهم أيضاً في إحدى الجداريات الفرعونية بوادي الملكات (الأُقصُر) على أنهم نزلوا على ساحل مريوط فأجلاهم الفراعنة عن مصر فانقسموا إلى جماعتين، الجزء الأكبر حطّ الرِحال في فلسطين التاريخية، والجزء الأصغر اتجه نحو برقة في ليبيا حيث استقرّ. ويُعتَقد أن هذا الشعب وراء تسمية هذا الجزء من أرض كنعان باسم فلسطين.

حوالي العام 2100 بدأ التغلغل العِبراني في أرض كنعان من ضمن مجموعات من الرعاة واللصوص والبدو قليلة العدد.

استظل العبرانيون الأوائل تحت رعاية "ملكي صادق" الكاهن -الملك الكنعاني وعبدوا كبير آلهة الكنعانيين "إيل". وشيئاً فشيئاً صاروا يتكاثرون وانتشروا في عدة قرى، ثم تكوّنت لديهم
ديانتهم واختصوا أنفسهم بإله "يهوه" لهم وحدهم دون سائر الناس، وارتبط بهم. بينما ارتبطت آلهة الكنعانيين بأمكنة محددة وكانت منفتحة على سائر الأقوام.

بمرور الزمن، وتحت سلطة إمبراطوريات، صار لهم حكام من أنفسهم وصاروا يعرفون بـ "بني إسرائيل"، وهو الاسم الذي اتخذه أبو أسباطهم الاثني عشر يعقوب. ثم كان منهم ملوك عليهم. وكانوا في نزاع شبه دائم مع الفلسطينين وبقية أهل البلاد الأصليين المحيطين بهم. يتسع مجال نفوذهم ويضيق. وفي الأثناء أضافوا إلى استيلائهم على الأرض، مصادرتهم أسماء الأماكن والمدن.

"أورسليم" صارت عندهم "أورشليم". وطوّروا عبادة الإله "إيل" إلى عبادة إلههم "يهوه"، واستولوا على مرويات الكنعانيين وما بين النهرين والمصريين وأساطيرهم، وحشوا بها تاريخهم المليء بالمبالغات.

ومضوا على هذه الحال إلى أن زالت دولتهم على يد الرومان، وشُتت شملهم في أنحاء العالم القديم، إلى أن عادوا مهاجرين إلى فلسطين على ما هو معروف من نشأة كيان الاحتلال الحالي. 

بقي أن نشير إلى أن فلسطين بعد ما شهدته من أحداث مرتبطة بالاحتلال طغت على المشاعر القومية والوطنية العربية، واحتلت مكانة لم تكن لأي بقعة في الأرض ولا لأي لغة وثقافة
بأقلام الأدباء وقرائح الشعراء سواء على المستوى الفلسطيني أو على الصعيد العربي عامة.  

وكل مرحلة من مراحل الصراع ضد العدو لها عند الشعراء محطات باتت على كل شفة ولسان.

من هؤلاء على سبيل المثال نزار قباني الذي خص فلسطين وكفاح الشعب الفلسطيني بقصائد كثيرة، منها عند بدء الكفاح المسلح منذ ستينيات القرن الماضي قوله من قصيدةّ غنتها أم كلثوم:

أصبحَ عندي الآنَ بُندُقِيّهْ
إلى فلسطينَ خذوني معكم
إلى القباب الخُضر والحجارة البُنّيهْ
عشرونَ تماماً وأنا 
أبحثُ عن أرضٍ وعن هويّهْ
...إلى فِلسطينَ خذوني معكم
يا أيها الرجالْ
أريدُ أن أعيشَ أو أموتَ كالرجالْ
إلى فِلسطينَ طريقٌ واحدٌ
يَمُرُّ من فوهةِ بُندِقيّهْ

وعن فلسطين يقول محمود درويش:

على هذه الأرضِ ما يَستحقُّ الحياة
على هذه الأرض سيّدةُ الأرضِ
أُمُّ البداياتِ 
أُمُّ النهاياتِ
كانت تُسمّى فِلسطين
صارت تُسمّى فِلسطين
فِلسطينُ سَيّدتي أستحِقُّ
لأنكِ سَيّدتي أستحِقُّ الحياة.

اعتداءات إسرائيلية متكررة على الفلسطينيين في القدس المحتلة ومحاولة تهجيرهم من منازلهم، استدعت انتفاضة فلسطينية عمت الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتبعها عدوان إسرائيلي على غزة تجابهه المقاومة بالصواريخ التي تشل كيان الاحتلال.