"والله ما عرفتك يمّا".. قصة مسعف لم يعرف والدته الشهيدة

"ملأت المستشفى صراخاً وأنا أقول "والله ما عرفتك يما" وسط استغراب الأطباء الذين تساءلوا "كيف لم تتعرّف إليها وهي أمك؟، ليردّ "أمي تعيش في مخيم المغازي والاستهداف كان لمخيم البريج لذلك لم يخطر ببالي أن تكون الشهيدة أمي التي جهّزت لي صباحاً كأس الشاي.

0:00
  • "والله ما عرفتك يما".. قصة مسعف لم يعرف والدته الشهيدة

"والله ما عرفتك يما".. كلمات انفجر بها المسعف المتطوّع عزيز البرديني (28 عاماً)، في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة، بعد أن اكتشف أنه يحمل جثمان والدته سميرة، التي ارتقت في قصف على المدينة.

المسعف البرديني المتطوّع في جمعية الهلال الأحمر، لا يزال تحت تأثير الصدمة حيال الفاجعة التي حلّت عليه، خاصة أنه لم يخطر بباله بأن السيدة التي استشهدت وقام بحملها إلى المستشفى هي أمه، الأمر الذي اكتشفه متأخّراً.

يقول البرديني، من مخيم المغازي، "أمس كانت عندي مهمة إنقاذ، وصدف أن كنت على رأس عملي في نقطة تابعة لمخيم البريج، فتلقّينا إشارة بأن هناك استهدافاً لمخيم المغازي للاجئين، وتوجّهنا إلى مكان الاستهداف بسرعة فائقة لإنفاذ ما يمكن إنقاذه وهذا ما يتطلّبه عملنا في هذه الظروف".

ويضيف: كانت سيارتي هي أول سيارة، ومجرد أن وصلنا المكان وجدت جثة لشهيدة بالإضافة إلى 3 إصابات بينها طفل (12 عاماً) وكانت إصابته خطيرة جداً، ما جعلني أتعامل مع حالة الطفل كأولوية، خاصة أن السيدة كانت قد فارقت الحياة، كل هذا وأنا لا أدري أن أمي هي الشهيدة.

كنت أنتظر أن يأتي أحد للتعرّف إلى الجثة!

ويكمل "حين وصلت مستشفى شهداء الأقصى سلّمت الطفل للأطباء في العناية المركزّة وعدت لأخذ الجثة لأضعها في ثلاجات الموتى، وكلّ هذا وأنا لا أعلم هويتها بعد، عند ثلاجة الموتى كنت أنتظر أن يأتي أحد للتعرّف إلى جثة السيدة، وحينما لم يأت أحد كشفت عن وجهها وصرت أقول "كم تشبه أمي سأقيّدها على أنها مجهولة الهوية وأنا أكاد لا أصدّق أنها أمي وبعد دقائق تأمّلت وجهها جيداً وصرخت بل وانهرت من البكاء حين تيقّنت نفسي أنها أمي".

"لم أصدّق أنها أمي خرجت من مكان الثلاجات وعدت إليها فإذا بها هي فعلاً أمي، ورغم هذا كنت لا أزال تحت تأثير الصدمة، وكنت أتمنى لو أن أحداً يأتي ليتعرّف إليها بحيث لا تكون هي أمي، وكنت لآخر لحظة أتمنى أن يأتي أحد ليتعرّف إليها وألا تكون أمي"، يقول باكياً.

جهّزت لي كأس الشاي

ويتابع "ملأت المستشفى صراخاً وأنا أقول والله ما عرفتك يما" بأعلى صوتي وسط استغراب الأطباء الذين تساءلوا "كيف لم تتعرّف إليها وهي أمك؟، ليرد "أمي تعيش في مخيم المغازي والاستهداف كان لمخيم البريج لذلك لم يخطر ببالي أن تكون الشهيدة أمي التي جهّزت لي صباحاً كأس الشاي قبل أن أذهب للعمل".

يشار إلى أن السيدة برديني (64 عاماً) قضت بسبب إصابتها بشظية أصابت العين فتسبّبت في نزيف داخلي في الدماغ وعليه فارقت الحياة، وذلك حين استهدفت الطائرات الإسرائيلية سيارة مدنية في مخيم المغازي ما أدى لاستشهاد 3 مواطنين وجرح العشرات.

يمّا انتبه على نفسك!

ويوضح البرديني "كانت أمي بعيدة 150 متراً عن الاستهداف، لذلك لم يكن يخطر ببالي ولو للحظة أنها أمي حتى حين ذهبت إلى المقبرة لدفنها كنت التفتت يميناً ويساراً لعل أحداً يأتي ليقول هي أمي وليست أمك".

ويختتم "لا أزال غير مصدّق فأنا كنت أتوقّع أن استشهد كون عملي تكمن فيه مخاطرة كبيرة وليست أمي التي كانت يومياً تودّعني في الصباح وتقول لي "انتبه على نفسك جيداً".

اقرأ أيضاً: الاحتلال يكثّف عدوانه بحق المسعفين في لبنان.. وعدد الشهداء يرتفع إلى 178

وما حال البرديني إلا حال مئات بل آلاف المواطنين في قطاع غزة، والذين لا يعرفون مصير أبنائهم، حيث يوجد أكثر من عشرة آلاف مفقود تحت ركام المنازل وفي الطرقات.