كيف حوّلت ناديا أبو غطاس أوراق الزيتون الفلسطيني إلى مجوهرات؟
نادراً ما يكشف مبدع متفرّد في مجاله عن ماهية طريقة عمله، وهكذا هي الفنانة الفلسطينية ناديا أبو غطاس التي طوّعت ورق الشجر وصاغته حلىً ذهبية وفضيّة لا مثيل لها، تؤكد من خلالها عبر الميادين نت تمسّك الشعب الفلسطيني بشجر الزيتون رغم العدوان الإسرائيلي.
لا حدود لإبداع الإنسان، قد يسعى المرء لبلوغ السمت، فيلاقي ثمرة ما تعب لأجله بمشيئة الله عز وجلّ.
وقد ينحو هذا الإبداع مناحيّ متميّزة بفعل ومضة لمعت في لحظات تجلٍ وتلقٍ، تفضي إلى تميّز على مستوى الوطن لا بل العالم.
الميادين نت تواصَل مع ناديا أبو غطاس الماجدة الفلسطينية من بيت جالا، وهي بلدة في الضفة الغربية وتقع إلى الشمال الغربي من مدينة بيت لحم، وهي آلت على نفسها أن تكون مميّزة، كمثيلاتها الفلسطينيات المناضلات في شتى المجالات، الحياتية والاجتماعية والعملية.
بالذهب والفضة، وعلى طريقتها المتفرّدة، وثقّت أبو غطاس ارتباط أهل فلسطين بزيتونهم، بأشجارهم التاريخية الوارفة والباسقة، بجذورهم الضاربة المتجذرة في الأرض.
وشجرة الزيتون الفلسطينية هي أكثر الأشجار المباركة ومن أجمل ما تنبته الأرض منذ 6000 عام، وقد وردت أيضاً في القرآن الكريم، وطبعاً تُمثّل الشعب الفلسطيني، لجهة أنها الأكثر اهتماماً وغرساً.
ودمّر الاحتلال واقتلع 2 مليون شجرة زيتون فلسطينية، وذلك أثناء عمليات فتح الطرق الالتفافية، وعمليات بناء الجدار العازل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوسعة الطرق وبناء المستوطنات والمعسكرات في الأراضي الفلسطينية.
أبو غطاس: عليّ فعل شيء من هذا الشجر المعدم
تقول الفنانة الفلسطينية ناديا أبو غطاس للميادين نت "أنا من مدينة بيت جالا ومحافظة بيت لحم، وأراضي المحافظة تشتهر بشجر الزيتون الروماني وعمره آلاف السنين، لكن 60% من هذة الاشجار أعدمت لبناء الجدار والمستوطنات، وأقول "أُعدمت" لأن شجر الزيتون لا يموت إلا بتدخّلٍ بشري، على يد الاحتلال بهدف شطب تاريخنا ووجودنا".
ومن هنا بدأت الفكرة عام 2005، من منطلق أنه يجب عليّ فعل شيء من هذا الشجر المعدم، فصرت أجلب منه الأوراق وأصبّ عليها الفضة لتوصيل رسالة للعالم بما تتعرّض له هذة الشجرة المباركة المهمة للفلسطينين.
في فرادة ما تقوم به أبو غطاس تجسّد الفنانة من خلال مجوهراتها البديعة نسف الرواية الإسرائيلية التي تقول إنهم تسلّموا فلسطين وهي صحراء قاحلة لا شجر ولا بناء فيها، وإنهم قاموا بتعميرها وزراعتها.
مجوهرات بنكهة الزيتون.. من قلبٍ و روح
ما أجمل أن تُطوِّق وتزيّن جُيود نساء بلادي من المحيط إلى الخليج، مجوهرات بنكهة الزيتون الفلسطيني لإنها مصنَّعة من ورق الزيتون، وبالفعل "عندما تلبس السيدات قلادة منه يكون لها رمز ذو قيمة عالية بمعناها"، كما توضح أبو غطاس.
وبالفعل، ففي جولة على ما عرضته وقدّمته، نقع أولاً على فرادة وجديد ما تقدّمه، الذي يعتبر سابقة، كما أن القطع المصنّعة، بدت وكأنها مسكوبة من قلب وروح لا من يدٍ فقط..
قطعٌ ترفل بالجمال، اسألوا عن زهرة الزيتون (أو الأكاسيا) التي أمست "حلَقاً" ذهبياً يتدلى من الأذن، تخيّلوا ورقة الزيتون بخطوطها الدقيقة وتضاريسها المهيبة وقد طوّقت عنقاً، أو زنداً أو معصماً.
أقول لأهل غزة: "النصر قريب"
ولا تنسى الفنانة المخضرمة المتجذّرة في أرضها، أن توجّه رسالتها عبر الميادين نت لأهل غزة "كي يواصلوا الصمود، والله يقويهم وانشا لله النصر قريب".
ما صنعته أنامل ناديا أبو غطاس، تخطى حدود فلسطين الجغرافية، فهي بفضل فكرتها المميزة وذوقها المرهف ومتانة ما تنجزه، شاركت في معارض ولقاءات فنية عربية، وشاركت فلسطينيي الشتات زيتون بلادهم،"عليك ألّا تنسى أن كل قطعة فريدة من نوعها، فلكل ورقة زيتون رغم تشابهها، بصمَتها وجمالها، كما أن الورق نفسه مختلف الملمس والحجم".
ولمن يود التعرّف إلى المبدعة الفلسطينية يمكنه موافاتها إلى معرضٍ قريب في مهرجان فلسطيني يقام في قطر من 18 إلى 27 نيسان/أبريل المقبل.
ولشجر البلوط أيضاً مكانة في مشروع ناديا، وهي أرادت تكريم الشجرة التي ذكرت في الإنجيل المقدّس أكثر من مرة، وترمز عند الفلسطينيين تحديداً إلى الحكمة، كما اشتغلت على زهر "الأكاسيا" وسنبلة القمح، وقامت بتجارب كثيرة على أوراق الورد والزعرور وهذه كلّها أشجار فلسطينية.
وفي موقف لافت، بخلاف عددٍ كبير من الفنانين، تكشف أبو غطاس ماهية عملها وتفاصيله فتقول: "بعد قطف الورق من الشجر أعلّقه على عمود شمع ( وأكوّن شجرة صغيرة ) وأصبّ فوق الورق الجفصين وأضعه في الفرن على درجة حرارة 750 لمدة لا تقل عن 12 ساعة، ما يعني أنني أحرق الورق، فيمسي الجفصين فارغاً، عندها أصب الفضة أو الذهب داخله، فتأخذ مكان ورق الشجرة.
بعد ذلك يصار إلى قص الورق وتنظيفه وتصنيعه، مع حرصٍ على بقاء كل ورقة كالورقة الأصلية، وطبعاً يدخل في العملية وزن الورق الطبيعي وكمية الفضة أو الذهب"، وتردف قائلةً "ما يجعل القطعة مميزة هو أن لكل قطعة رونقها الخاص، وهي لا تشبه غيرها، ومقتني القطعة يأخذها ممهورة بعيارها الحقيقي.
توضح أبو غطاس آلية عملها: "عملية التصنيع بسيطة جداً، فأنا أختار الأوراق بعناية من الشجر وأصبّ عليها الفضة، وبعدها نطوّر الأنسب لكلّ منها، إن كان حلقاً أو خاتماً أو إسوارة إو قلادة وأعمل على تنفيذها، وفي كلٍ منها قصة فلسطينية مقدّسة".
الشموخ واحد.. ففي فلسطين فقط تجد البشر والحجر والنبات والشجر يقاوم المحتل، لكن شموخ شجر الزيتون في وجه المحتل هو صمود إلى جانب الفلسطيني ليثبت للعالم أجمع أن فلسطين عربية ولا أحد سيشارك الفلسطينيين أرضهم حتى آخر قطرة دم.
استديو "الزيتونة" في الميادين
وفي الختام نذكّر أن أول خطاب ألقاه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أمام الأمم المتحدة في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1974، حمل جملةً هامة في خاتمته الشهيرة وهي: "جئتكم بغصن الزيتون في يدي، وببندقية الثائر في يدي، فلا تُسقطوا الغصن الأخضر من يدي".
كما قرّر المؤتمر العام لـ "اليونسكو" في دورته الأربعين عام 2019، اعتبار يوم 26 من تشرين الثاني/نوفمبر من كلّ عام "يوماً عالمياً للزيتون"، وقد تمّ تكريم فلسطين في ذلك اليوم، عبر زراعة شجرة زيتونة واحدة فقط في مبنى "مجلس الزيتون الدولي"، وكانت تلك الشجرة فلسطينية.
وعلى مدى العقود والسنين، تجسّد "شجرة الزيتون المباركة العلم والنور وفلسطين والقدس"، وضمن استديوهات قناة الميادين هناك "استديو الزيتونة"، الذي أُعلن عنه في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهو يضم زيتونة بجذعين منفرجين إلى الأعلى، وكأني بها ترفع علامة النصر القادم يوماً ما بإذن الله بفعل صمود وتضحيات المناضلين.. لا محالة.
نطلق على الاستوديو الجديد الصغير، اسم استوديو الزيتونة..
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) October 10, 2022
شجرةٌ مباركة.. ترمز إلى العلم والنور، وإلى #فلسطين و #القدس..
كلمة سرنا التأسيسية الأولى،، رافقتنا وهي باقية...إنها كلمتنا الجامعة.. يا ربّ...#يوم_الميادين#العشرية_المتجددة #غدنا_يبدأ_اليوم pic.twitter.com/CC5aGlyW3C