فعلها الروس... وبوتين يعلق: نحن الأوائل
"نحن روسيا، وروسيا دائماً في الطليعة"... عبارة لمواطنة تزدهي تيهاً وفخراً، بعد تصريح الرئيس فلاديمير بقوله "نحن أول من صوّر فيلماً كاملاً على متن سفينة فضائية وهنا أيضاً كنّا الأوائل".. فكيف سبق الروس الغرب مرة أخرى إلى سمت الفضاء؟
فعلها الروس فسجلوا إنجازاً فضائياً سينمائياً غير مسبوق في حمأة تبدلات عالمية منتظرة.
وبعد أكثر من 60 عاماً من فوز الاتحاد السوفياتي على الولايات المتحدة بإطلاق أول قمر اصطناعي في تاريخ البشرية، بدأ سباق فضائي جديد بين الجبّارين، ومرة أخرى تتفوق روسيا بإعلانها تنفيذ فيلم بعنوان "التحدي" (The Challange) في محطة الفضاء الدولية.
كان الميادين نت نشر تقريراً في آذار/ مارس الماضي حول الرائد الروسي "يوري غاغارين"، وهو أول شخص ينطلق في رحلة إلى الفضاء الخارجي في تاريخ البشرية، على متن مركبة الفضاء السوفياتية "فوستوك1"، في 12 نيسان/ أبريل 1961.
وفي الحقيقة، لقد كانت فترة الستينات من القرن الماضي مسرحاً لتنافسٍ متلاحق بين الاتحاد السوفياتي و دول الغرب.
وبينما دخلت الكلبة "لايكا" التي أطلقها الروس سباق الفضاء فكانت أول مخلوق ثديي يسافر إلى المجرات، انتهى عقد هذه المرحلة بإرسال الأميركيين نيل آرمسترونغ أول إنسان يهبط على سطح القمر في 20 تموز/ يوليو1969.
ولكن التفوّق الروسي استمر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي 10 تموز/ يوليو 2018 تمكنّت مؤسسة "روس كوسموس" الفضائية الروسية من كسر الرقم القياسي في عالم الفضاء من خلال إرسال شاحنة "بروغريس إم إس9"، التي تمكنّت من الوصول عبر خطة فائقة السرعة إلى المحطة الفضائية الدولية بدورتين فقط.
لأول مرة: صور ومعلومات .... هل كُشف لغز مقتل أول رائد فضاء؟
كل هذا تأتّى في ظل شعور غربي بتفوق روسي واضح في عالم الفضاء، وقد أوردت صحيفة "دير ستاندرت" النمساوية عام 2018 أن "الولايات المتحدة تراوح مكانها في هذا مجال التكنولوجيا الفضائية، فالمركبات الأميركية في نهاية خدمتها، تطلق وعلى متنها أجهزة كمبيوتر قديمة وغير قوية، في حين تزوّد مركبات "سويوز" الروسية بتكنولوجيا قابلة للتحديث باستمرار".
الروس مجدداً... نحن السبّاقون!
"نحن أول من صوّر فيلماً كاملاً على متن سفينة فضائية وهنا أيضاً كنّا الأوائل"، تأكيد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر شهر نيسان/ أبريل الماضي على أهمية الإنجاز، مع التشديد على "استمرار وتصميم روسيا لإحراز المزيد من الإنجازات في مجال الفضاء".
ولا يمكن فصل هذا الحدث "السينمائي الفضائي الروسي" عن التغيّرات والتبدلات العالمية المتلاحقة وتكوُّن تحالفات جديدة،خاصة بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
فدول الغرب أوغلت في فرض العقوبات على روسيا إلى حدود "التسطّح" بحيث بلغت 12000 عقوبة،منها ما تشظى شذراً ليطال الأدباء والعلماء والفن والرياضة في روسيا، وصولاً إلى الأشجار والحيوانات، مروراً بالخشية من سقوط محطة الفضاء الدولية من جرّاء الاجراءات الأميركية التي كانت "خبط عشواء"!
هكذا "أغاظ" بوتين الغرب بعد 12000 عقوبة طالت حتى الأطفال والشجر والقطط...
ورغم كل ذلك، سبق الرواد والممثلون الروس مشروع فيلم أميركي في مدار الأرض من بطولة توم كروز، ولا يُعرف حتى الساعة جدوله الزمني.
وتصدر فيلم "التحدي" الذي انتظره الكثير من المتابعين في العالم، خصوصاً عشاق الفضاء، شباك التذاكر في روسيا ورابطة الدول المستقلة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بحسب بوابة توزيع الأفلام الروسية، وكان له أصداء واسعة بين المتابعين.
وحصد الفيلم 426 مليون روبل نهاية الأسبوع الماضي، بحسب البيانات المسجلة في الفترة الممتدة من بداية عرضه بتاريخ 20 إلى 23 أبريل/ نيسان الجاري.
تدريبات في الفضاء وأسماء من "العيار الثقيل"
وأرسلت روسيا ممثّلة ومخرجاً إلى المدار في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 في مهمّة استمرت 12 يوماً، لتصوير فيلم "التحدي" الذي يروي قصة طبيبة جراحة تبعث على عجل إلى محطة الفضاء الدولية لمعالجة رائد فضاء مصاب.
وقالت الممثلة يوليا بيريسيلد في تسجيلٍ مصوّر لوكالة الفضاء الروسية روسكوسموس، إن "هذه الرحلة من دواعي سروري. الفضاء بنظري جذّاب وغير محدود".
رغم العقوبات القاسية... روسيا تتقدّم في الفضاء مقابل تراجع غربي
وفيما صاحبت الصور دائماً المهمات نحو الفضاء، بدءاً من الخطوات الأولى على القمر عام 1969 وصولاً إلى المنشورات على الشبكات الاجتماعية لرائد الفضاء الفرنسي توما بيسكيه، لم يتم تصوير أي فيلم روائي طويل في مدار الأرض من قبل.
وخضع المخرج السينمائي كليم شيبينكو والممثلة اللذان يخرجان إلى الفضاء للمرة الأولى لتدريبٍ متسارع، لتعليمهما طريقة تحمّل التسارع القوي خلال الإقلاع أو التحرك في انعدام الجاذبية.
وتابعت الكاميرا الممثلة البالغة 38 عاماً خلال تنقلها في المساحة الضيّقة داخل محطة الفضاء الدولية، وشعرها الأشقر يطوف في انعدام الجاذبية. وهي خضعت مع المخرج لتدريب مكثّف استمر 4 أشهر قبل إرسالهما إلى الفضاء.
القصة و ظروف انعدام الجاذبية
وقال كونستانتين إرنست مدير القناة، خلال مؤتمر صحافي لتقديم الفيلم "جميعنا نحب فيلم غرافيتي" الهوليوودي المتعلّق بالفضاء والذي طُرح عام 2013.
وأضاف "لكن فيلم "التحدّي"، الذي صوّرناه في ظروف واقعية من انعدام الجاذبية، يذهب أبعد اليوم من المؤثّرات الخاصة الرقمية" المستخدمة في الفيلم الأميركي.
وتعطي المشاهد المصورة في الكبسولة الفضائية الروسية، البالغة مساحتها 230 متراً مربّعاً في محطة الفضاء الدولية، ومشاركة 3 رواد فضاء روس محترفين موجودين على متن المحطة، طابعاً أصلياً للفيلم.
ويروي "التحدي" قصة مهمة مستحيلة لطبيبة جرّاحة، تُرسَل إلى محطة الفضاء الدولية لإنقاذ رائد فضاء تعرض لإصابة جرّاء حطام فضائي أثناء خروجه من المحطة.
وقد تولّى تشيبنكو التصوير بالكاميرا والاهتمام بالإضاءة والصوت، وسجّل 30 ساعة من المشاهد، استُخدمت منها 50 دقيقة في التوليفة النهائية للعمل.
والجدير بالذكر أن إنتاج الفيلم كلّف "أقل من مليار روبل" (حوالى 12 مليون دولار).
وفي مؤشرٍ على أهمية المشروع بالنسبة إلى موسكو، اختارت موسكو لإنتاج فيلم "التحدي" أسماءً من العيار الثقيل مثل: مدير "روسكوسموس" ونائب رئيس الوزراء السابق، ديمتري روغوزين، والرئيس النافذ لقناة "بيريفي كنال" التلفزيونية كونستانتين إرنست.
ومن بين طموحات "روسكوسموس" الأخرى، إنشاء محطّة فضاء روسية ومحطة روسية-صينية في المدار، أو حتى على القمر، بعد أن قررت موسكو صرف النظر عن المشاركة في مشروع قمري تقوده واشنطن.
وتقوم روسيا بعرضِ رحلات على سائحي الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية، في إطار برنامج موسع مع إقامة مطولة في المحطة تصل إلى شهرٍ واحد.
ردود فعل: نحن دائماً في الطليعة!
وفي موسكو، يتوافد اليوم كثيرون لمعاينة الكبسولة الفضائية "سويوز ام اس-18" التي أعادت إلى الأرض طاقم تصوير الفيلم وباتت معروضة في حديقة "غوركي" الشهيرة.
وقالت بولينا أندرييفا المتخصصة في التسويق "نحن فخورون بممثّلينا الروس"، مضيفة "لا أستطيع تخيّل كيف يمكن التحليق في الفضاء حيث كل شيء مجهول وغريب".
وأشارت تاتيانا كوليكوفا من ناحيتها، وهي موظفة في مصنع، إلى أنّه "من المثير جداً للاهتمام أن نشهد على طريقة تقدم شعبنا الذي أصبح أول من ينجز فيلماً في الفضاء"، وأضافت "نحن روسيا، وروسيا دائماً في الطليعة".