صناعة الزجاج تصارع ظروف الأزمة في لبنان
يدمج المصنع آليتين مختلفتين لتصنيع الزجاج، وأوعيته، فبعض الصناعات يستحيل معها الاستغناء عن الأسلوب اليدوي مهما تطورت الآلة، مثل بعض أصناف الزجاج كالأباريق، وبلورات الفوانيس وغيرها.
أقفلت مصانع الزجاج، بشقّيها الحديث والتقليدي، بعد أن عصفت بها تداعيات رفع الدعم عن الوقود، خصوصاً مادة المازوت، وفي ظلّ تفاقم أزمة التيار الكهربائي.
وانطفأت أفران تذويب الزجاج العاملة على المازوت، ولم يعد صالح حمّود، صاحب مصنع للزجاج في مدينة البداوي بطرابلس شمال لبنان، يقوى على تأمين الوقود بسبب الارتفاع الهائل في تكاليفه، وعمّ الظلام المصنع الكبير، فلم يعد حمود، وفنيّوه، وعماله قادرين على الحركة في أروقة المصنع.
وليست هي المرة الأولى التي يتوقّف العمل فيها في المصنع، فقد سبق أن تعرّض لانتكاسات متعدّدة خصوصاً في ظروف التوترات الأمنية، أدت إلى توقف العمل، وشلّ طاقة وطنيّة صناعيّة لفترات طويلة، ألحقت بها الخسائر الكبيرة، لكن حاجة السوق للزجاج بأوعيته المختلفة كانت حافزاً لإعادة الانطلاق.
حمود للميادين نت: المازوت كالأكسجين
يفيد حمود "الميادين نت" أن العمل توقف منذ أن انقطع المازوت لأكثر من سنة خلت"، مضيفاً ردّاً على سؤال عن تأثير فقدان المازوت، "كأنك تسأل عن أهمية الاوكسيجين للانسان، فقد بات ثمنه مرتفعاً جداً بما لم يعد متلائماً مع مردوده، والتيار الكهربائي مفقود".
ووصف واقع حاله بالقول: "في أول سنة ونصف من عمر الازمة الحالية، كان الشغل جيداً جداً، لكن بعد رفع الدعم عم المحروقات، توقف كل شيء. كأن الأكسيجين انقطع عنّا".
وفي بلد دائم التأزم كلبنان، يمكن اعتبار توقف مركز عمل ناشط خسارةً كبيرة، لأن الرائج هو توقّف الأعمال، لا نشاطها، وبذلك يخسر البلد فرصة عمل ناجحة.
وفي مصنع قبيطري للزجاج في المحلة عينها، توقّف العمل أيضاً، ولجأ أصحاب المصنع إلى المرجعيات الاقتصادية بحثاً عن إمكانية حلّ يعيد إطلاق العمل، فعقدوا اجتماعاً في غرفة التجارة والصناعة، واستمع رئيسها توفيق دبوسي لشكواهم، فأجرى اتصالات سريعة استهدفت سبل توفير المحروقات الضرورية لإعادة تشغيل المصنع، وكيفية تدارك تداعيات اضطراب النشرة الأسبوعية الرسمية للمحروقات.
وعلّق دبوسي إن "صناعة الزجاج تتميّز بأنها الوحيدة في لبنان من طرابلس الكبرى، وتمتاز بمهنية عالية تستدعي الوقوف إلى جانبها، ودعمها كعمل انساني، واجتماعي، واقتصادي وطني، وبالتالي إزالة العوائق التي تواجهها في ظل تحديّات ومنافسات لا قدرة لها على مواجهتها".
في استعادة لمجريات الحركة في مصنع حمود، كانت الناقلات لا تتوقف عن تصدير الأوعية من المصنع، وأخرى لتفريغ فضلات الزجاج التي تشكل العمود الفقري كمادة أولية للصناعة. لكن المصنع اليوم مقفل، والحركة متوقفة فيه بالتمام، ومعلموه وفنيوه عاطلون عن العمل، ما يفاقم الأزمة الاجتماعية لعشرات العائلات.
التصنيع: تقنيتان
يدمج المصنع آليتين مختلفتين لتصنيع الزجاج، وأوعيته، فبعض الصناعات يستحيل معها الاستغناء عن الأسلوب التقليدي اليدوي مهما تطورت الآلة، مثل بعض أصناف الزجاج كالأباريق، وبلورات الفوانيس، وقطع زينة مختلفة.
عند بداية تشغيل الفرن، يستغرق العمل يومين أو 3 لإنهاء تعبئته بالزجاج، أما المعلمون فهم متخصّصون، خصوصاً منهم معلمو النفخ، ولكن يمكن أن يشتغل على القطعة الحديثة أي شخص”.
التقنية الحديثة
في التقنية الحديثة، فرن مخصّص لتذويب الزجاج، يتولى فني استخراج كتلة من الزجاج المذوّب بعصا طويلة تبعده عن حرارة الفرن القاسية، ويضعها في قالب أول، مكوّن من درفتين، يطبقهما على الكتلة، ويقطع منها ما يراه زائداً وباقياً أعلى إطار القالب، وبعد معالجة قصيرة بالنفخ الآلي، ينقل الكتلة إلى قالب ثان، ويضغطها بآلة ضغط هوائيّ خاصة تعمل على التيار الكهربائي، لكي تعطي الشكل النهائي للقطعة المطلوب تصنيعها، أركيلة كانت، أم قنينة، أم مرطبانا، أم أي مستوعب آخر.
في أقل من دقيقة، تكون الكتلة قد تحولت إلى الشكل المطلوب، وتراجعت حرارتها، فتصلبت، ويعرف الفني متى يفتح القالب لاستخراجها بملقط يقبض عليها بتؤدة من أطرافها، ويقدمها لفني ثالث يتناولها بملقط طويل، ويضعها في فرن التبريد الذي تمر فيه من حالة دافئة، وبالتدريج إلى حالة أقل دفئاً حتى الخروج من الجهة التالية، باردة، قاسية، وعلى شكلها النهائي.
لكل صنف من الأوعية قالبه الخاص، ويستغرق إنجاز القطعة ما بين 3-4 ساعات من التبريد المتدرّج في فرن مخصص لذلك، لتخرج من الجهة المقابلة للتوضيب، فالتسويق.
التقنية التقليدية
في جانب آخر من المصنع، قسم مخصص لتصنيع القطع التقليدية كالأباريق، وله فرنه الخاص، وبطريقة معقّدة، وعلى خطواتٍ ومراحل، يتم إنجاز القطعة، باستخدام تقنيات خبرة طويلة يتقنها قلة من المعلمين، تبدأ بتنصيع جسم الوعاء إذا كان ابريقاً، ثم يضيف إليه قبضة جانبية نصف دائرية، ثم فتحة الاستسقاء، بمهارة قلّ نظيرها، وتقنية بارعة يستحق صاحبها وصفه بالخبير.
في الفترة التي يستغرقها تصنيع ابريق واحد،يكون الفنيون العاملون على المعدات الحديثة قد أنجزوا 4 أو 5 قطع من الصنف الذي يعملون على تصنيعه.
المشكلة في عدم وجود عمّال
يتحدث حمود عن تأسيس المصنع سنة 1975، على يد الوالد محمد، وفي بداياته، كان العمل يقوم على النفخ، ومنذ2012، أدخل تقنيات جديدة.
عن توافر تقنيي نفخ، ذكر أن "هناك عدد محدد من العمال في لبنان، ينتقلون بين مصنعنا، ومصنعين آخرين في أنحاء مختلفة، وهم قلائل. المشكلة مع اللبنانيين أنهم لا يحبون تعلم هذه الحرف القيمة، بينما هم مستعدون لأي عمل في الخارج”.
تأثرت صناعة الزجاج بصناعة الأوعية المعتمدة على البلاستيك، ورغم كل ما يقال عن احتمالات أضرار البلاستيك، لكن غالبية الناس تفضّله نظراً للفرق بالثمن، ولأن البلاستيك لا يتعرّض للتكسر.
منذ أن تعرّض الزجاج للمضاربة بالبلاستيك، بدأت تتراجع الأباريق، خصوصاً منها الملونة، فعملية التلوين الفنية تزيد من ثمنه، مما يقلل قدرته على المنافسة، ولذلك، تقتصر صناعة الابريق على الزجاج السادة غير الملون.