بيروت

"قومي من تحت الرَدم، كزهرة لوز في نيسان"، قال لها نزار قباني قبل أكثر من 40 عاماً.. من هي بيروت التي تحيي اليوم ذكرى انفجار مرفئها؟

  • بيروت
    بيروت

يا سِتَّ الدُنيا يا بيروت
قومي من تحتِ الرَدمِ
كزهرةِ لَوزٍ في نيسانْ
قومي من حُزنِكِ إنّ الثَورةَ
تولَدُ من رَحِم الأحزانْ
قومي إكراماً للإنسانْ

هذا مقطع من قصيدة "يا سِتّ الدُنيا يا بَيروت" للشاعر الدمشقي نزار قبّاني (1923 - 1998) ضمّنها حبه الكبير لهذه المدينة الغالية على قلبه، وقلوب الكثير من الشعراء القدامى والمعاصرين، وهي الخارجة آنذاك من الحرب الأهلية والعدوان الإسرائيلي مُدمّرة البنيان لكنها ثابتة الأركان. 

بيروت التي تطوي في 4 آب/أغسطس عاماً على نكبتها الناجمة عن الانفجار المروّع الذي أتى على مرفئها، وعلى قسم كبير من عمرانها موقعاً المئات من سكانها ما بين شهيد وجريح، تغرّضت عبر تاريخها الطويل 
للتدمير نتيجة الأحداث أو الزلازل، وكانت في كل مرّة تنهض من ركامها كالعنقاء تنهض من رمادها.

وبيروت من أقدم المدن على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وبالتالي من أقدم مدن العالم. بناها الكنعانيون وجعلوها مملكة كغيرها من ممالكهم كأرواد وجُبَيل وصيدون وصور. وعُرفت باسم "بيريت". وقد انقسم المؤرّخون في تفسير معنى الاسم الذي يتفقون على أنه كلمة كنعانية - آرامية.

فريق ذهب إلى أن "بيريت" تعني البئر، جمع آبار، وذلك لكثرة الينابيع والسواقي فيها. وفريق قال إن معناها هو "الصنوبر" لوقوع المدينة قرب غابات الصنوبر، الباقي منها "حُرج بيروت" أو "حُرش العيد" كما يسمّيه البيارتة.

وأقدم ذكر لها ورد في ألواح تل العمرانية التي وجدت في مصر وتحوي المراسلات بين ملوك جُبيل والفرعون أخناتون (القرن الرابع عشر ق.م.)، وورد الاسم في بعض النقوش المصرية بلفظ "بي أور".

وسمّاها  الفينيقيون "بيريت" أو "بيرووه" نسبة إلى الإلهة "بيريت". وعُرفت باسم "بيروتوس" في اللغة اليونانية القديمة.

وكان لبيروت ألقاب متعددة منها "المدينة الإلهية" عند الفينيقيين، و"بيروت الأبيّة والمجيدة" لعنادها في مواجهة مملكة صيدون.

وعند الرومان "مُستوطنة بيريتوس السعيدة" وكذلك "أُمّ الشرائع" لأنها ضمّت أكبر معهد للحقوق في الإمبراطورية الرومانية. وأطلق عليها العُثمانيون لقب "الدُرّة الثمينة".

تغنّى ببيروت الكثير من الشعراء عبر  العصور وأقدم نص شعري وصل إلينا أبيات من القرن الخامس قبل الميلاد للشاعر نَنُّوس اليوناني يقول فيها:
 

يا بيروت،
أنت أرومة الحياة، مُرضِعة المُدن،
مفخرة الأمراء،
أولى المُدن المنظورة،
الأخت التوأم للزمن،
المعاصرة للكون،
كُرسيُّ هِرمِس،
أرض العدالة،مدينة الشرائع،
عُرزال البهجة،ومعبد كل حُب.،
نجمة بلاد لبنان

ونختم بمقطع آخر من قصيدة نزار قباني في سِتّ الحُسن بيروت، مردّدين معه بكل الأسى في ذكرى انفجار مرفئها:

قومي من أجل الحُبِّ ومن أجل الشعراء
قومي من أجل الخير ومن أجل الفقراء
الحُبُّ بريدكِ يا أحلى الملكات
ها أنتِ دفعتِ ضريبَةَ حُسنكِ
متلَ جميع الحسناوات
ودفعتِ الجِزيةَ عن كل الكلمات

في 4 آب/أغسطس 2020 دوى الانفجار وغطى الغبار شوارع بيروت، تفجرت شحنة نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت وتغير شكل المدينة منذ ذلك الوقت، شهداء وجرحى ودمار.. تصاحب ذلك مع أسوأ أزمة اقتصادية سياسية عاشها لبنان.