النزوح من خلال معرض "زوارق الموت" في متحف "نابو"
مع نهاية العام 2022، شهد العالم نزوح 108.4ملايين شخص، وتتصدّر القائمة 3 دول هي سوريا (6.8 ملايين)، وأوكرانيا (5.7 ملايين)، وأفغانستان (5.7 ملايين).
يقيم متحف "نابو" اللبناني معرضاً بعنوان "زواق الموت والمقابر العائمة"، يوثِّق تاريخ النزوح البشري، ويعرض ملف النزوح والهجرة في العصور المختلفة، لكنّه يركّز، في جانب منه، على "تداعيات النزوح كظاهرة من ظواهر الحروب المتفاقمة في العقود القليلة الماضية".
وبالنسبة للبنان، تفيد لوحة تعريفية بالمعرض، وخلفياته، أنّ الكارثة الأولى للنازحين في زوارق الموت كانت حين غرق نحو 30 مهاجراً لبنانياً من قرية قبعيت بعكار في بحر أندونيسيا عام 2013، وكانوا في طريقهم إلى الشواطئ الأسترالية.
ومع نهاية العام 2022، شهد العالم نزوح 108.4 ملايين شخص، وتتصدّر قائمة النزوح 3 دول هي سوريا (6.8 ملايين)، وأوكرانيا (5.7 ملايين)، وأفغانستان (5.7 ملايين).
وقرّرت بعض الحكومات الغربية غزو ليبيا في العام 2011، واستمرت أفريقيا غارقة في الفقر، ما تسبّب في ازدياد النزوح من أفريقيا عبر شواطئ ليبيا.
وأوقفت حكومات الاتحاد الأوروبي عملية إنقاذ اللاجئين من مياه المتوسط، عندما اتخذ القرار بإجهاض العملية المسمّاة Mare Nostrum، وهكذا غرق في المتوسط منذ بداية العام 2014 ولغاية آب/أغسطس 2023 نحو 36.096 شخصاً، وغرق هذا العام نحو 1.848 لاجئاً في المتوسط.
ويعرّج النص على قضية فلسطين، منذ إطلاق وعد بلفور، حيث يقول مندوبو بعض الدول الغربية ومندوبو الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان إنّ على لبنان واجب وأصول الاهتمام بالنازحين، سواء من فلسطين أو سوريا، لكنّهم أصدروا وعد بلفور، وبذلوا المستحيل لإنشاء "إسرائيل"، وهكذا أصبح الفلسطينيون لاجئين، كما تسبّبوا منذ الحرب العالمية الأولى وحتى يومنا هذا بقتل وتشريد الملايين.
تفاقم الأزمة
تفاقمت قضية النزوح في العقد الأخير في لبنان، رغم أنها لم تغب سابقاً، وقد انتعشت الحركة منذ سبعينيات القرن الماضي، واندرجت في إطار المتاجرة بالبشر عبر النزوح، وتأمين خطوط هجرة للفارين من بلادهم لأسباب شتى، واستخدمت فيها معابر حدودية مفتوحة لأسباب تاريخية-سياسية، وتأسّست لها شركات خاصة ساهمت خلال الحرب الأهلية اللبنانية بتأمين المقاتلين الأجانب لمختلف القوى المتصارعة.
وعبر الخطوط التي فتحت للتجارة بالنازحين، نشطت حركة نزوح فعّلتها عملية النزوح السوري، من دون أن تقتصر على سوريين، فانتشرت الأخبار عن توقيف زوارق مُهَرّّبة لمئات الأشخاص، وفُقِد العشرات في البحر.
لوحات النزوح عبر التاريخ
في المعرض، تستعرض لوحات مصوّرة، شروحاً توضيحية، وجداول زمنية للنزوح البشري، في عودة إلى المليوني سنة خلت ومنها إلى الـ 100 سنة، عندما بدأت الهجرة من أفريقيا، حيث انتقل هومو إيريكتوس نحو الشمال ليصل نَسْلهم فيما بعد إلى جنوب شرق آسيا، وبذلك: "نحن جميعاً أفارقة".
بين أعوام 40 ألف إلى 20 ألف سنة مضت، وصل نحو 30 ألف إنسان من أفريقيا إلى أوروبا، فاستبدلوا السكان النيندرتال-أشباه البشر البدائيين.
وبين أعوام 20 ألف إلى 10 آلاف، عبر إلى القارة الأميركية نحو 10 آلاف إنسان عبر جسر بيرينغ، وهو ممر طبيعي متجمّد يربط سيبيريا بآسيا، وألاسكا بالطرف الشمالي-الغربي من القارة الأميركية.
من 10 آلاف إلى 5 آلاف، بعد انتهاء العصر الجليدي، هاجر الآلاف من المناطق القليلة الخصوبة، إلى أودية الأنهار الخصبة، ولا سيما النيل في أفريقيا، وإلى نهري دجلة والفرات في بلاد ما بين النهرين، والسند في جنوب آسيا. شكّلت هذه الهجرات نقلة نوعية من المرحلة البدائية إلى المرحلة الزراعية، وأدّت إلى نشوء الحضارات الأولى في العالم.
بين 5 آلاف وواحد ق.م. طوّر الفينيقيون تكنولوجيات بحرية، وبين السنة الأولى ميلادية والـ 500 ميلادية، شهدت طريق الحرير في عهد عائلة "هان" مرور نحو 100 ألف شخص على مرّ القرون، فشكّلت صلة وصل بين آسيا وأوروبا.
بين سنة 500 وألف ميلادية، انتقل نحو 100 ألف لومباردي إلى إيطاليا، بينما انتقل عشرات الآلاف من السلافيين إلى شرق أوروبا، واستولى نحو 30 ألف مغولي مسلم على شبه الجزيرة الإيبيرية، واستكشف الآلاف من الفايكينغ أوروبا، وأميركا الشمالية.
بين الألف والألف وخمسمئة ميلادية، وخلال رحلاته الأربع بين الأعوام 1492 و1502، فتح كريستوف كولومبوس الطريق للأوروبيين لاستكشاف أميركا، وشهدت الغزوات المغولية هجرات ضخمة أسست إمبراطورية المغول بين الصين وشرق أوروبا، ونُقِل الملايين من الأفارقة قسراً للمتاجرة بهم عبر المحيط الهندي.
بين 1500 و1889م سمحت المعاهدة التي عقدت بين إسبانيا وبريطانيا للأخيرة بتسليم 4800 أفريقي سنوياً، إلى المستعمرات وعلى مدى ثلاثين عاماً.
وبين 1845 و1852م دفعت "مجاعة البطاطس" إلى هجرة ما يقارب مليون أيرلندي، إلى الولايات المتحدة الأميركية. وفي العام 1849، انتقل 300 ألف شخص إلى كاليفورنيا بحثاً عن الذهب، وفي ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدأت "الهجرة الكبرى من أوروبا إلى الأميركيّتين، ما أدى إلى هجرة نحو 50 مليون شخص إليها مع حلول العقد الأول من القرن العشرين.
ويستعرض المعرض تواريخ حديثة، فمن 1900 حتى 1920، هاجر عدد كبير من الأرمن إلى لبنان، وأرسلت الهجرة الإيطالية 9 ملايين إيطالي إلى الولايات المتحدة والأرجنتين والبرازيل، ودفعت الثورة الروسية أكثر من مليوني روسي إلى المغادرة.
خلال الحرب العالمية الثانية، استضافت دول الشرق الأوسط آلاف اللاجئين، وازدادت هجرة اليهود إلى فلسطين مما تسبّب بنزوح مئات آلاف الفلسطينيين، واستقر أكثر من 30 ألف لاجئ في صحراء شبه جزيرة سيناء في مصر.
1952-1972، تدفّق اليهود إلى فلسطين، كذلك حصلت هجرات بسبب حروب حول الكرة الأرضية، ومنها 1990- 2000م أدت حرب الخليج إلى نزوح 400 ألف فلسطيني من الكويت ودول الخليج.
يخلص المعرض إلى أنه مع نهاية عام 2022، يُقدّر عدد الذين نزحوا قسراً في العالم بـ 108.4 ملايين شخص، و5.2 ملايين شخص منهم يحتاجون لحماية دولية.