"تنبأ" بمصير "التايتانيك".. مورغان روبرتسون: هل قتلته روايته؟

كتب روايته قبل غرق سفينة "تايتانيك"، ويقال إنه "تنبأ" بمصيرها، ثم مات مسموماً.. هل قتلت رواية مورغان روبرتسون صاحبها؟

  • مورغان روبرتسون و
    مورغان روبرتسون و"التيتانك": هل قتلت الرواية صاحبها؟

رغم مرور زمن طويل على غرق السفينة العملاقة "تايتانيك" عام 1912، يبقى الحادث الذي اختلط بُعده الفجائعي بذلك الرومانسي - خصوصاً مع الفيلم الذي كتبه وأخرجه الأميركي جيمس كاميرون عام 1997 ولعب بطولته كيت وينسليت وليوناردو دي كابريو - يبقى ملهماً للمبدعين ومثيراً لفضول الجمهور.              

هكذا يغدو طبيعياً أن تثير فضولك رواية الكاتب الأميركي مورغان روبرتسون "حطام سفينة التيتان أو العبث"، والتي تدور أحداثها حول سفينة تشابه "التايتانيك" في حجمها وسرعتها وعدد ركابها فضلاً عن إسمها، وتبحر عبر المحيط الأطلسي، لتصطدم بعدها في ليلة باردة من ليالي نيسان/أبريل بجبل جليدي على بُعد 400 كلم من جزيرة نيوفاوندلاند، فتغرق ولا ينجو من الركاب إلا عدد قليل بسبب عدم وجود قوارب نجاة كافية.

لكنك ستسأل نفسك عن مدى الإبداع في الموضوع في ظل كل هذا التطابق مع الرواية الأصلية، وعن سبب إصرار الكاتب على كل تلك "الأمانة" و"التوثيق" في نقل الحدث التاريخي طالما هو يكتب نصاً سردياَ يتيح له مساحة غير محدودة لإعمال الخيال.

صدرت الرواية قبل 14 عاماً من غرق سفينة "التيتانيك" 

لكن هذا السؤال لن يعود منطقياً عندما تعرف أن رواية مورغان روبرتسون صدرت عام 1898، فيما غرقت السفينة "تايتانيك" في العام 1912، أي أن صدور الرواية سبق غرق السفينة بــ 14 عاماً. فهل كانت نبوءة أم مجرد رواية خطّها كاتب ملهم؟

مهما كنت تميل إلى حُسن الظنّ، فإن قراءة السطور أعلاه ستدفعك دفعاً إلى خيار ثالث هو التفكير في نظرية المؤامرة وفي كون الحادث مدبّراً، وأن الكاتب إن لم يكن ضالعاً بالاشتراك مع آخرين في تدبير ذلك الحادث، فهو في أحسن الأحوال مستفيد من الاطّلاع على المخطّط والاستفادة منه في عمل روائي حقّق له نجاحاً باهراً لم يكن يحلم بمثله.

وتعزّز هذه القناعة ظروف ملابسات موت مورغان الغامضة حيث توفي بالسم في غرفته في أحد فنادق نيوجيرسي بعد غرق "التايتانيك" الحقيقية بثلاثة أعوام فقط، وكان لا يتجاوز 53 عاماً من عمره، ما دفع البعض إلى الحديث عن تعرّضه للقتل لإسهامه في فضح المخطّط، واعتبار آخرين أنه مات منتحراً بفعل ندمه الشديد وللتخلّص من عذابه النفسي.

ليس جبل الجليد.. إنه النظام الاقتصادي الجديد!

  • رسم متخيل لسفينة
    رسم متخيل لسفينة "التيتانك" أثناء غرقها

بعد قراءتك الرواية التي صدرت مؤخّراً بالعربية عن "دار حواديت للنشر والتوزيع" في القاهرة بترجمة جينا الملا، قد تعمد بلا تردّد إلى مقاطعة هذه المعلومات مع سردية متداولة حول الحادث، تشير إلى تدبير غرق "التايتانيك" للقضاء على ثلاثة رجال أعمال من أغنى أغنياء العالم عارضوا بشدّة إنشاء بنك مركزي أميركي (البنك الاحتياطي الفيدرالي)، وهم جاكوب أستور الرابع وبنيامين غوغنهايم وايزيدور شتراوس، في مقابل إلغاء مالك السفينة (وأحد عرّابي إنشاء البنك الاحتياطي الفيدرالي بعد سنة واحدة من غرقها!) ج. ب. مورغان  الملقّب بـ "نابليون وول ستريت" مشاركته في الرحلة المشؤومة في اللحظة الأخيرة، مفضّلاً البقاء في منتجع "إيكس ليه باين" الفرنسي للاستمتاع بجلسات التدليك الصباحية!

مهلاً.. لم يكن هذا كل شيء!

  • غلاف رواية مورغان روبرتسون الصادرة بترجمة عربية مؤخراً
    غلاف رواية مورغان روبرتسون الصادرة بترجمة عربية مؤخراً

هل استغرقت في الرواية إلى حد انتقالك من الشكّ إلى اليقين؟ حسناً، ثمة تفاصيل إضافية يهملها البعض عمداً أو سهواً، لكنها قد تكون على شيء من الأهمية ومن الواجب إطلاعك عليها: الإسم الحقيقي لرواية مورغان هو "العبث" وقد تم تعديله ليصبح "حطام السفينة تيتان أو العبث" في الطبعة التي صدرت بعد غرق السفينة الحقيقية (وإن كانت السفينة في رواية "العبث" تحمل إسم "تيتان" في الأصل).

قراءة هذا العمل ونهاية صاحبه يخلق مزيداً من الأسئلة في موضوع مفتوح أصلاً على الأسئلة والشكوك، وفي عالم صار أكثر تعقيداً وغموضاَ وتوحّشاً في القرنين الأخيرين.

أما التفاصيل المتعلقة بحمولة السفينة وحجمها واتساعها فقد تم تعديلها أيضاً في النسخة اللاحقة، للانتقال بها من التشابه إلى التطابق، وحكاية قتل مورغان أو انتحاره تقابلها حكاية أخرى عن موته بجرعة زائدة من محلول مخصّص لعلاج مرض الصرع الذي كان يعاني منه.                                                                          

فهل تنسف هذه التفاصيل البسيطة السردية الأولى تماماً؟ ربما لا تفعل، لكنها تخلق مزيداً من الأسئلة في موضوع مفتوح أصلاً على الأسئلة والشكوك، وفي عالم صار أكثر تعقيداً وغموضاَ وتوحّشاً في القرنين الأخيرين.

لمحة عن أحداث الرواية وكاتبها

  • غلاف رواية
    غلاف رواية  "حطام سفينة التيتان أو العبث"

تدور الرواية حول جون رولاند وهو ضابط في البحرية الأميركية تم فصله من الخدمة العسكرية بعد إدمانه على الكحول والتشوّه الذي لحق بسمعته، والذي يعمل كمساعد على السفينة "تيتان"، ثم بعد غرقها في ليلة من ليالي نيسان/أبريل  إثر اصطدامها بجبل جليدي، ينجو رولاند وينجح في إنقاذ فتاة صغيرة تتّهمه والدتها لاحقاً بخطفها فيتم القبض عليه.

تعزّز نظرية المؤامرة ظروف ملابسات موت مورغان الغامضة، حيث توفي بالسم بعد غرق "التيتانيك" بثلاثة أعوام فقط.

لكن القاضي يتعاطف معه ويوبّخ الوالدة لتآمرها على منقذ إبنتها. وبعدها يشق رولاند طريقه من صياد مجهول وبلا مأوى إلى وظيفة مكتبية، ثم بعد عامين من اجتيازه امتحان الخدمة المدنية ينتقل إلى منصب حكومي مريح، قبل أن يتلقّى في الختام رسالة من الأمّ تهنئه فيها وتناشده زيارتها وابنتها.

أما مورغان أندرو روبرتسون فهو روائي وقاص أميركي ولد في 30 أيلول/سبتمبر 1961، ورحل في 24 آذار/مارس 1915، اشتهر بقصصه عن البحر نتيجة عمله في البحر لعامين مع والده الذي كان قبطان سفينة.