فلسطين - حصاد الثقافة 2021: المثقفون في صلب المواجهة
يستخدم الاحتلال شتى أنواع المضايقات لمحاصرة الفلسطينيين في حياتهم اليومية، فكيف أثرت هذه التحديات في الفنانين والمثقفين؟ وكيف واكب هؤلاء المتغيرات التي عصفت بفلسطين هذا العام؟
كان العام 2021 حافلاً بالنسبة إلى الفلسطينيين، وحمل الكثير من المتغيرات التي أثرت في المشهد السياسي والأمني والإنساني في غزة والضفة والقدس وكل الأراضي المحتلة. وقد أدت الثقافة، وما زالت، دوراً مهماً في رسم هذا المشهد، إذ يستمرّ مسرحيون ومخرجون وموسيقيون، رغم الصعوبات والتحديات التي يفرضها الاحتلال، بإنتاج أعمال تنقل الرواية الفلسطينية المرتبطة بيومياته وتاريخه وثقافته ونضالاته المستمرة.
وتتقاطع الحياة الثقافية مع النضالات اليومية للفنانين والمثقفين في وجه الاحتلال. وقد جاء العام 2021 مثقلاً بتحديات الأعوام السابقة المتعلقة بتمويل المسرحيات والأفلام والمشاريع والوضع الأمني والاقتصادي إضافة إلى جائحة "كورونا"، وصولاً إلى معركة "سيف القدس" والتصدي المتواصل للاحتلال. فكيف عايش هؤلاء كل هذه الأحداث؟ وكيف كان دورهم؟ الميادين الثقافية حاورتهم وهذه كانت إجاباتهم.
يعقوب أبو عرفة: نشاط مستمر في ظل ضبابية المشهد
يطلعنا الفنان المسرحي والموسيقي يعقوب أبو عرفة على الوضع هذه السنة، قائلاً: "هناك تراجع كبير على المستوى الثقافة. هذا العام كان سيئاً جداً بفعل "كورونا"، وكذلك بسبب الواقع السياسي والهجمات الاستيطانية، وتحديداً على مدينة القدس والضفة الغربية".
أبو عرفة هو عضو لجنة أهالي حي الشيخ جراح. وُلد في العام 1962، وترعرع في هذا الحي، وهو من الناشطين ضد عمليات تهويد القدس والاستيلاء على بيوت المقدسيين وممتلكاتهم.
ما يؤرقه والكثير من المقدسيين هو ضباببة المستقبل، في حين يشكل الوضع الاقتصادي تحدياً كبيراً لهم. يقول أبو عرفة: "الضرائب تزداد، والأسعار ترتفع جداً. هناك ضغوطات قانونية للانتقام الجماعي، من خلال هدم البيوت وتهجير الناس".
ويضيف: "الإسرائيليون ينتقمون بشكل جماعيّ من كلّ حارة أو منطقة أو قرية تتصدى للاحتلال، وتتزايد وتيرة التصعيد يوماً عن يوم. النشاط الشعبي ما زال قوياً، ولكن ما يجعل الوضع سيئاً جداً هو تطبيع بعض الدول العربية الذي كان له تأثير سلبي في معنويات الشعب الفلسطيني".
سناء موسى: "خوف الطغاة من الأغنيات"
ولا توفّر المضايقات الفنانين، إذ تقول الفنانة الفلسطينية سناء موسى إنَّ "الاحتلال يحارب الفنانين، ويقوم بالتحريض عليهم،ويتم توقيفهم ومضايقتهم وتعقيد أمور سفرهم وغيرها من الأساليب، حتى إن بعض الفنانين تمّت عملياً مطاردتهم وملاحقتهم من مكان إلى مكان، وهو ليس جديداً".
تستذكر موسى أبياتاً من إحدى قصائد محمود درويش، يقول فيها: "وخوف الطغاة من الأغنيات، وخوف الغزاة من الذكريات"، لتشير إلى "أنَّ الثقافة سلاح مهم جداً للمقاومة، وهي تخيف المحتل إلى درجة تدفعه إلى تلك المضايقات". وتضيف: "رأينا الكثير من الفنانين الذين كان فنهم فعالاً جداً ورئيسياً في التثقيف والتوعية ورفع معنويات الناس، وخصوصاً خلال معركة سيف القدس".
وتشير صاحبة "صوتك يا شعبي" إلى أنه: "لاحظنا أيضاً شيئاً مختلفاً، وهو دور الفلسطينيين في الشتات، في أوروبا وأميركا، والتظاهرات العالمية، وهو ما يميز هذه المرحلة عن المراحل الأخرى. عملياً، هذه المساهمات والنشاطات، وخصوصاً عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، كان لها دور مهم، وكنا نتعامل مع بعض كجسم واحد فيه تناغم وتناسق، وكان هناك تنسيق، وهو شيء ما زلنا نتعلمه".
أما الاحتلال، فهو "يحاول أن يدعم مشاريع تطبيعية على المستوى الثقافي، ما يعدّ أخطر من إبرام اتفاقيات التطبيع، لأنه يعكس ما تفكر فيه الشعوب وتؤمن به، وليس الحكومات. لذا، يجب الحذر من هذه الخطط ومواجهتها بالتوعية والحديث عن القضية الفلسطينية وشرح عدالة هذه القضية".
إيمان عون: الثقافة حامية لوجودنا وهويتنا
تعبّر الممثلة والمخرجة ومديرة مسرح عشتار إيمان عون عن المضايقات التي تعرض لها المثقفون والفنانون، قائلة: "الاحتلال يتتبع مجموعات من الفنانين، ويغلق أماكن فنية، ويحاول أن يمنع عروضاً. زملاؤنا مثلاً تم التحقيق معهم واعتقالهم من بيوتهم. الأعمال الموجهة إلى الأطفال، والتي لا تحمل أي بعد سياسي، تم إيقافها أيضاً بذرائع مختلفة. مثلاً، الطلاب الذين تسجلوا في دورات، ويجب أن يتنقلوا من مدينة الى مدينة أخرى في الضفة، لا يستطيعون الوصول لأن الحواجز تمنعهم من ذلك. نحن مثلاً لا نستطيع الدخول إلى غزة، ولا نستطيع أن نزور الطلاب أو نلتقي زملاءنا الذين يدربون فيها".
كيف يواجه الفلسطينيون هذه التحديات؟ تجيب عون: "نواجهها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. نحن ندرب من خلال سكايب أو فيسبوك أو الهواتف، لكننا جسدياً لا نستطيع التواجد في كل مكان، ونحاول التحايل على العراقيل للوصول إلى الجمهور".
وتشدد عون على دور الثقافة في المجتمع الفلسطيني، قائلة: "على مستوى الأحداث، نواكب الوضع العام دائماً، ولكننا في الوقت نفسه نطرح تساؤلات جديدة، ونشجع الشباب على أن يتحلوا بالأمل، وندرب ونحاول أن نصل إلى جمهورنا في أماكن منعزلة أو أقل حظاً، حيث لا يستطيعون أن يشاهدوا أعمالاً فنية".
وعن دورهم خلال التصدي لإعتداءات الاحتلال في حي الشيخ جراح، تقول: "هناك دائماً محاولة للتواصل الاجتماعي مع أهل المكان. في النهاية، المسارح الموجودة في المنطقة ليست بعيدة عن الشيخ جراح، وهي تتكامل مع الحياة الفلسطينية النابضة".
أسست عون مسرح عشتار في العام 1991، وهو يتضمن برنامج "مسرح المنبر" الذي يتيح للجمهور أن يكون مشاركاً فعالاً في المسرح، وليس متلقياً فحسب، وجوهره هو صنع التغيير، وهو مسرح مجتمعي هدفه الوصول إلى الناس في أماكن تواجدهم.
تتحدث عون عن حصاد العام، معتبرة أنه: "كان هناك انفراج محدود بعد انحسار الجائحة. المسارح والفنون حاولت أن تقف على رجليها من جديد، وتعمل بنشاط، وتحاول أن تحرك قاعدتها الشعبية".
لكن المشكلة الأساسية تكمن في تمويل المشاريع، لأن فلسطين لا تملك موارد مخصصة للثقافة، وهي "لا تستطيع أن تنتج أو تساعد الفنانين في إنتاجاتهم". وتقول عون في هذا الصدد: "نحن نعتمد على الدعم المادي الخارجي من الدول المانحة عادة، وهذا بحد ذاته سيف ذو حدين". وتدعو إلى دعم الثقافة: "على رأس المال الفلسطيني أن ينظر بمسؤولية كبيرة تجاه الثقافة المحلية، لأن الثقافة هي الحامية لأفكارنا السياسية والاجتماعية".
محمد بكري: وضع السينما الفلسطينية يزداد تأزماً
كذلك، يطلعنا المخرج والفنان محمد بكري على وضع المسرح هذه السنة، قائلاً: "المسرح شبه مغلق. ليس هناك مسرح غير مسرح الحكواتي الموجود في القدس العريية، ونشاطاته قليلة جداً، وهو يخضع لسيطرة الإسرائيليين. هناك مداهمات ومضايقات، والمسرح لا يعمل كما يجب بسبب الاحتلال، وبسبب صعوبة التنقل من مكان إلى آخر".
ويكمل: "في فلسطين الـ48، بسبب مسرحية عن سجين فلسطيني أمني، كان رد فعل وزارة الثقافة الاسرائيلية هو إيقاف التمويل".
بالنسبة إلى السينما، يقول بكري: "في السينما، لم تكن هناك غزارة في الإنتاج. وقد أُنجز فيلم "الغريب"، الذي يتكلم عن الاحتلال ومعاناة أهلنا في الجولان في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وسيمثل فلسطين في الأوسكار".
وصوّر بكري مؤخراً فيلماً عن الحرب السورية، و"هو شبه جاهز، لكن لم يعرض بعد للجمهور"، كما أنه في صدد اختيار سيناريو لفيلم جديد عن الوضع الفلسطيني.
وتعاني السينما تحديات تمويلية مشابهة لتلك التي يعانيها المسرح. وفي هذا السياق، يقول بكري: "مشكلة التمويل دائمة. ليس لدينا صندوق فلسطيني يرعى السينما، وليس هناك تمويل ودعم مادي. لذلك، أصبحت السينما كالقطاع الخاص، وباتت تعتمد على الإنجازات الشخصية".
كما يعاني فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948 من الرقابة والشروط التي يفرضها الاحتلال على إنتاجاتهم، بحسب بكري، ففيلم "جنين جنين" الذي صنعه منذ أكثر من 20 عاماً "ما زالوا يحاربونه إلى اليوم". في هذا الفيلم، وثّق بكري عملية اجتياح جيش الاحتلال لمخيم جنين شمال الضفة الغربية في العام 2002، خلال ما يُعرف بعملية "الجدار الواقي"، وصدر قرار بمنعه في كانون الثاني/يناير الماضي،كما غُرّم المخرج 70 ألف دولار، ليكون بمثابة "تعويض" لأحد جنود الاحتلال، لكن بكري استأنف الحكم.
في المحلة، يقول بكري إن: "وضع السينما الفلسطينية منذ السنوات السابقة وحتى هذه السنة يزداد تأزماً في ظل الاحتلال المستمر، والحكومة اليمينية المتطرفة ما زالت تسير على نهج الحكومة السابقة. باختصار، ما يصيب الإنسان الفلسطينيّ تحت الاحتلال يطال السينما الفلسطينية أيضاً".