ما لا تعرفونه عن فيروز
كأنه جزء من سحرها، فإن جوانب كثيرة من شخصية السيدة فيروز ما زالت مجهولة لمحبيها، لكن نجوماً وفنانين يكشفون للميادين نت عن فيروز الإنسانة. فماذا قالوا؟
على بعد شهر من الاحتفال بعيد ميلادها الـ86، تتجلى السيدة الوقورة والفنّانة اللبنانية والعربية والعالمية فيروز قامة خالدة. فيروز أكبر من أيّ لقب. تشكّل رمزاً فنياً ووطنياً بنتاجها الغنائي الهائل والإبداعي، وبرصيدها شعبياً وجماهيرياً ونخبوياً.
حنجرتها تدّخر صوت الضمير الجمعيّ. هي الأيقونة التي دأبت على اجتراح أدائها الفردانيّ في بساطة المركَّب. أوتارها الصوتية جنّحت البلاغة. مع العظيمين الأخوين الرحباني، تبدّى ثالوث استثنائيّ في عمق تَوازٍ متكافئٍ يظلّل عاصي ومنصور وفيروز. لا يمكن لظرف في التاريخ تفكيك هذا الثالوث أو بعثرته، انطلاقاً من مسَلَّمَة تَجاذب الأقطاب. تجربتها مع نجلها الفنان زياد الرحباني شكّلت علامة تحوّل في سياق مسيرة غنية. من بيئتهم المحلّية، نهَلَ الرحبانيون، عاكسين في فنّهم قضايا الإنسان. مَسّوا الجرحَ المفتوح في الوجدان العربي.
صوت فيروز من فئة "الميتزو سوبرانو" (Mezzo-soprano). أداؤها وجوهر ما أدّته شكّلا تيّاراً ومدرسة جديدة في الغناء العربي. أما زياد الرحباني، فدفعها إلى تجديد حضورها عبر بروق موسيقية إبداعية، محوّلاً إياها في كلمات الأغاني إلى امرأة من لحم ودم.
بموازاة هذه الأسطورة الحيّة التي تربّعت على عرشها الفنّي، وفي داخل فيروز التي لا تكفّ عن إدهاشنا، سواء في قديمها مع الأخوين الرحباني الذي لا يعتق، بل يتعتَّق طبيعياً، أو في جديدها مع زياد، ثمة وجه آخر حقيقي أيضاً لفيروز الإنسان، وهذا ما لا يعرفه معظم الناس عنها.
ولأننا لا نبعد كثيراً عن موعد الاحتفال بعيد ميلاد "جارة القمر"، التقت الميادين الثقافية نجوماً وفنانين عملوا معها، فتحدّثوا عن جوانب في شخصيتها ما زالت مجهولة لدى فئة واسعة من الجمهور. صلاح تيزاني المعروف بـ"أبو سليم الطبل"، وإيلي شويري، وسمير شمص، وزينب زهر الدين، ومنير الخولي، صرّحوا لنا بما لمسوه من وجه فيروز الإنسانيّ، وفي شخصيتها وسماتها وسجيّتها خلال تعاملهم معها، إضافةً إلى بعض الطرائف التي حدثت مع بعضهم في احتكاكهم بفيروز، وتقييمهم لتجاربهم معها عبر شهادات نوثّقها للتاريخ، فماذا قالوا عنها؟
سمير شمص للميادين الثقافية: فيروز كانت تلاعبني في الاستراحات كما يفعل الأطفال
يقول الفنّان سمير شمص للميادين الثقافية إنه صوّر فيلمين مع السيدة فيروز هما "بنت الحارس" و"سفر برلك". وأضاف: "كان لقائي بفيروز شخصياً من خلال التصوير. لم أكن أعلم أنّ هذه القامة الفنّية تحمل في صدرها قلب طفلة، إذ كانت تلاعبني في الاستراحات كما يفعل الأطفال. لعبت معي أثناء التصوير لعبة "الكلّة". لم أصدق ما يحصل معي حينها. هذه "الفيروز" دخلت قلبي من أول لقاء لخفّة دمّها وتصرّفاتها التي لم أكن أتوقّعها من تلك الإنسانة التي لطالما سحرني صوتها ورقّة تعاملها. حتى اليوم، ما زلت أقتصّ بعض المشاهد معها وأنشرها في صفحات التواصل الاجتماعي مفتخراً بعملي معها".
وعن افتتاح فيلم "سفر برلك" وتأثيره في مسيرته الفنّية، أخبرنا سمير شمص أنّ المنتج المصري الراحل رمسيس نجيب كان من بين الحضور. "لفت نظرَه مشهد لي أسال فيه فيروز عن القمح الذي كانت تصادره الدولة التركية وتمنعه عن الأهالي. سأل عنّي رمسيس، وطلب مقابلتي، وكان أن أخذني إلى مصر لأبدأ على يديه أول فيلم مصري، متقاسماً البطولة مع ميرفت أمين وصلاح ذو الفقار. كان لفيلم "سفر برلك" ومشهدي اللافت مع السيدة فيروز بداية تحقيق حلمي بالعمل في السينما المصرية".
صلاح تيزاني للميادين الثقافية: قلبها يشبه قلب الطفل!
الفنان والنجم الشعبي صلاح تيزاني المعروف بـ"أبو سليم الطبل" شارك فيروز في فيلمَي "سفر برلك" و"بنت الحارس"، ومسرحيتَي "أيام فخر الدين" و"ناس من ورق" للأخوين الرحباني. يقول عن فيروز في تصريح للميادين الثقافية: "الله قد خلقها وكسر القالب" (مثل شعبي)، مؤكّداً "أنها لن تعوَّض في التاريخ. كل مئة سنة أو مئتَي سنة تكون لدينا قامات برفعة ومكانة فيروز وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب على سبيل المثال".
"فيروز سراج مشعّ ملأ الكون بالأغاني الرقيقة التي تدخل القلب بلا استئذان"، على حدّ تعبير صلاح تيزاني.
يخبرنا "أبو سليم" أنّه في مسرحية "ناس من ورق" كانت للممثل فرصة المجيء إلى غرفته في الكواليس قبل الوقت المحدّد لإتمام الماكياج أو المراجعة، وكانت فيروز تأتي قبل ساعتين، فكان يصبّحها أو يمسّيها، فتناديه وتسرد له نكتة، فيبادلها هو الآخر بنكتة ويضحكان. ويقول لنا "أبو سليم" إنّ قلب فيروز يشبه قلب الطفل، وإنها رغم عظمتها بسيطة، ولم تغير الشهرة من تواضعها.
"كانت تظهر للناس فرحها وحب الآخرين والحياة، لكن لديها العديد من الأشياء الخاصة التي لا تحملها الجبال في الحسرة! إنسانة لا يجود الزمان بمثلها، وكم أتمنّى أن ألتقيها مجدداً بعد مرور الزمن، لأطبعَ قبلةً على جبينها، ولأقبّلَ وجنتَيها، لأنها فنانة خالدة فريدة وإنسانة شامخة"، كما يبوح صلاح تيزاني للميادين الثقافية.
زينب زهر الدين للميادين الثقافية: سرعة البديهة وخفّة الظل وَرثَهما زياد عن فيروز
الفنانة زينب زهر الدين التي غنّت في الكَورَس مع فرقة فيروز 16 سنة، وشاركت في حفلات معها من خلال الكَورَس في لبنان (بيت الدين) والولايات المتحدة وكندا والدول العربية وسويسرا وفرنسا وسواها، وسجّلت في الاستديو أيضاً عبر اشتغالها وعملها مع الفنان زياد الرحباني، نجل فيروز، قالت للميادين الثقافية إنّ الله يحبّها لأنه أتاح لها فرصة التعرّف إلى فيروز وزياد والعمل معهما.
تعتبر زينب أنّ هذا أهمّ وأجمل شيء في حياتها، وتضيف بائحةً: "العمل مع فيروز متعة رفيعة". عن الجانب الإنسانيّ، تكشف زينب عن مدى إنسانية فيروز، وتؤكّد لنا أنّ "جارة القمر" متواضعة وخجولة جداً وتحترم الناس: "فيروز تخاف علينا، وتقول لنا: تدثَّروا جيداً بما يقي من البرد وحافظوا على أصواتكم". "تمتاز فيروز بسرعة البديهة وخفّة الظل، وقد وَرثَ عنها زياد هذا الجانب لديها، وهذا ما لا يعرفه الناس"، كما تخبرنا زينب.
وعن علاقة فيروز بالموسيقيين والجانب العمليّ، تطلعنا زينب على أنّ فيروز من الصعب جداً أن تعطي ملاحظة فنية، وإذا أعطت ملاحظةً لأحد، فبأسلوب مفعم بالتهذيب واللياقة.
"كلّما اعتلت خشبة المسرح، اقشعرّ بدني ودَمعت عيناي. قبيل ظهورها أمام الجمهور في الحفلات، تَعمّ هالتها الرهيبة التي نشعر بها في أرجاء المكان ممهورةً بكاريزما عالية استثنائية، وأمامها، تصبح الرهبة كبيرة، وهو إحساس جارف حلو وغريب". هكذا تفضي إلينا زينب بما يموج في وجدانها وإدراكها.
منير الخولي للميادين الثقافية: لمست تواضع فيروز ورأيتها تنكّت مطلقةً ابتسامتها الطبيعية
من جهته، صرّح صاحب أسطوانة "تنّين الطرب" الفنان منير الخولي للميادين الثقافية، قائلاً إنه كعازف غيتار تشرَّف بالعزف مع السيدة فيروز في حفلات عدّة، في مركز دبي التجاري العالمي في العام 1997، وفي الجامعة الأميركية في دبي في العام 2001، وفي بيت الدين في لبنان 3 مرّات، وفي فرنسا Pleyel في العام 2002.
وأضاف الخولي: "أكثر من أيّ شيء آخر، لمست تواضع السيدة فيروز في تعاملها مع كل الموسيقيين والعاملين في الفرقة. تواضعها حقيقي. تمشي فيروز بيننا كأنها مجرّد شخص من الفرقة، وليس انطلاقاً من أنها أكبر من الحدث نفسه! كما أنّ "روح النكتة" لديها حاضرة، وهي حقيقية جداً. ذات مرّة، التقينا صدفة في المصعد. كان ذلك في إحدى حفلات دبي، وكان زياد الرحباني في الحفلة. كنت في المصعد مع السيدة فيروز وريما الرحباني وزياد، إضافة إلى موسيقي آخر. عرفتني السيدة فيروز من مظهري، وقالت لي: "إنتَ اللّي بتضلّ عند زياد بالاستديو، مش هيك؟".. فأجبتها: "نعم صحيح، ونصادفك في استديو زياد حين تكونين موجودة، فابتسمت لي ابتسامة طبيعية جداً".
وتابع حديثه: "رأيت السيدة فيروز وهي تنكّت مطلقةً ابتسامتها الطبيعية. إنّ روح النكتة موجودة في عائلتهم كلّها"، وأردف قائلاً: "ذات مرّة، تجرّأت وكتبت مقالة باللغة الإنكليزية عن مقطوعات زياد الحديثة لفيروز والعمق الموجود فيها، وحاولت أن أفهم وأستفهم لماذا يتمسّك البعض بالقديم ولا يتقبّل الجديد، وحلّلت ذلك تحليلاً موسيقياً، ولا أعرف إلى أيّ مدى أفلحت في هذه التجربة".
وفي تقييمه لتجربته مع فيروز باستثنائيتها وفرادتها، أعرب منير الخولي عن سروره قائلاً: "كانت التجربة مع فيروز مغامرة شيّقة جداً. لمرّات وحيدة في حياتي، رأيت الأعجوبة التي تحدث على المسرح حين تغنّي فيروز: تجاوب الجمهور مخيف، فعندما يبدأ الجمهور بالتصفيق بعد محطّة موسيقية معيّنة، وخصوصاً بعد آخر الحفل، لا يوجد إنسان عاديّ بإمكانه تحمّل هذه "الصدمة": بين صوت الجمهور والطريقة التي يملأ بها الصالة والهيبة، تشعر كأنك في طائرة حربية بسرعة الضوء! إنها من الاختبارات التي تفرض امتحاناً لشجاعة المرء وقوّة قلبه".
وعن نشوة جمهور فيروز العارمة، أفادنا منير الخولي بأنه في مرّات عدّة كان، قبل اعتلاء الخشبة، بين الجمهور قبل الحفلة، ثمّ بعدها، وسمع حماسة الناس وتشوّقاً عظيماً لديهم. "الجمهور يستقتل لسماع السيدة ومشاهدتها. وبعد الحفلة، فيما يخرج الجمهور من الصالة، أسمع تعليقات الخارجين لتوّهم من الصالة عن حفلة فيروز. التعليقات هذه تعكس شعورهم بالبهجة والانتشاء اللذين يرفعانهم إلى ما بعد العالم الدنيوي!".
إيلي شويري للميادين الثقافية: خفيفة الظل ومتواضعة وخيّرة
أما الفنّان إيلي شويري، فقال في تصريح للميادين الثقافية: "لا يعرف أحد فيروز بمقدار اسمها. اسمها يعرّف عنها أكثر مما تعرّف هي عن نفسها. إنسانة بهذا المقام الباسق لا يعود الإنسان العاديّ قادراً على سَبر غَوره. على المستويين الشخصي والإنساني، أقول إنها ظريفة جداً وخفيفة الظل ومتواضعة وخيّرة".
ويضيف: "فيروز قمّة، وقد وهبها الربّ نعمة أتمنّى أن يديم عزّها. شاء الزمان أن نولَد في أيامها، وكنّا إلى جانبها فنّياً في الصف الأوّل. من الصعب أن أعرف كنهَ هذا القدر الذي هو أكبر من الحقيقة. أطلب من الله أن يبقى لبنان كبيراً بفيروز. في مسرحية "هالة والملك"، أدّيت تمثيلاً دور والدها (والد "هالة"/ فيروز). إن شاء الله، ذلك المعنى الكبير في فنّها يطعّم لبنان بأرضه وبحره وسمائه ونجومه. في عيد مولدها، أدعو الله أن يطيل عمرها ويمدّها ويمدّ أولادها بالصحة ويبارك بيتها".
من جانبه، الفنان والممثّل فايق حميصي، الذي لم يشتغل مع فيروز، وإنما مع الأخوين رحباني، وكان من الأصدقاء المقرَّبين جداً لعاصي، فأخبرَ الميادين الثقافية من كندا بأنّ عاصي كان يقول أمامه إنه مشغوف بحنجرة فيروز. وأكّد حميصي الذي شارك في مسرحية "الربيع السابع" أنّ فيروز جاءت وحضرت المسرحية.