العرس الفلسطيني و"العقد الاجتماعي"
شكل العرس الفلسطيني تجسيداً للهوية الفلسطينية وتطورها.
عاداتنا الشرقية في المناسبات، وتحديداً الأعراس، تحتل مساحة مهمة من حياتنا اليومية بحيث أنها في التفاصيل تحمل من المعاني والرسائل للمجتمع ولأهل العروسين ما يجعلها أشبه بعقد اجتماعي، يؤسس لعهد جديد تترابط فيه ليس فقط الزوج والزوجة، بقدر ما تترابط فيه وتتحد عائلتا العروسين.
ونظراً لأهمية العرس في المجتمع الفلسطيني، ونتيجة طبيعية لما مرت به فلسطين من احتلالات وأمم حكمت المنطقة، فقد تطور العقد الاجتماعي للعرس معطياً إياه مساحة وزخماً في حياة الفلسطيني. وذلك إضافة الى التنوع في الاهازيج والزغاريد وعدد الايام والليالي وما يصاحبها من عادات واجبة على العريس والعروس.
تعالوا لنتتبع بعض هذه العادات وأهمها الاهازيج والزغاريد وهي خير ما يقودنا وينقلنا ضمن مراحل العرس وتفاصيله.
بالهنا يا ام الهنا يا هنية
التوت عيني على الشلبية
التوت عيني على العريس بالاول
صاحب الوجه السموح المدور
قالتلو يا عريس يا ابن الكرامي
عيرني سيفك ليوم الكوان
سيفي محلوف عليه ما بعيرو
سيفي ماصل من بلاد اليماني
بالهنا يا ام الهنا يا هنية
شيعوا لولاد عمو يجولو
بالخيول المبرقعة يغنولوا
عددوا المهرة وشدوا عليها
تييجي محمد ويركب عليها
عددوا المهرة وهاتو الشبرية
زفولي محمد لباب العلية
عددوا المهرة وهاتوا البارودي
زفولي محمد لباب العمود
لعب الوضع السياسي في فلسطين دوراً مهماً في عملية تحول أو تغير مفاهيم العرس الفلسطيني، وبما ان المجتمع الفلسطيني منذ العام 1948 يقبع تحت الاحتلال، الأمر الذي ضبط ومأسس لتغيير جغرافي ومكاني أدى الى عملية تطور سريعة وتحويل القرى والبلدات الفلسطينية الى بلدات وقرى ذات طبيعة سكانية كبيرة.
لكن السياسات الاسرائيلية حالت دون تطور البلدات الى مدن، بهدف السيطرة عليها. هذا الوضع السياسي القائم حتى اليوم أدى الى ادخال مفاهيم جديدة والغاء مفاهيم قديمة حول العرس الفلسطيني.
يعتبر المجتمع الفلسطيني بالاغلب مجتمع صغير، ومع كل التطورات السريعة نتيجة للاحتلال وما يرافقه من سياسات تحاول تدجين المجتمع وتالياً رادت فعل الفلسطينيين لتعزيز علاقاتهم الاجتماعية، اقتصرت في العادة أغلب الاعراس على ابناء القرية او البلدة الواحدة وبالتالي أدى هذا الأمر الى بناء عادات جديدة تتناسب وظروف كل مجتمع محلي قروي من القرى الفلسطينية. ناهيك ان مظاهر الاعراس الفلسطينية باتت تقتصر على أهل العروس والعريس ولو حافظت على نمط العرس التقليدي خصوصاً خلال الانتفاضة الثانية وما صاحبها من اغلاقات للطرق ومنع للتجوال.
رغم الوضع السياسي في فلسطين وكل محاولات الاحتلال الغاء وطمس الهوية الفلسطينية، الا أن الفلسطيني ما زال يقارع بكل السبل والوسائل المتاحة لديه، ومن أهم المظاهر الاجتماعية التي يسعى من خلالها الفلسطيني الى تعزيز وجوده وصموده، هي الاعراس الفلسطينية التي تعتبر مناسبة مهمة كما اسلفنا لابراز الهوية الفلسطينية.
وتتنوع مظاهر ابراز الهوية الفلسطينية حيث ترفع الاعلام الفلسطينية وتتزين النساء بالثوب الفلسطيني المطرز والذي يختلف من منطقة لمنطقة بخيوطه ونقشاته وتطريزه، بالاضافة الى التغني ببطولات شعبنا وتضحايته في الاغاني والاهازيج والمووايل، حيث يتم ذكر الشهداء والأسرى وبطولاتهم.
كل هذا يحدث بشكل لا ارادي راسماً لوحة عفوية جميلة تعبر عن الشعب الفلسطيني وتطلعاته نحو الحرية.
في المحصلة، شكل العرس الفلسطيني بكافة تفاصيله تجسيداً حقيقياً للهوية الفلسطينية وتطورها وصقلها عبر التاريخ. حيث يعبر عن المورث الحضاري والثقافي والشعبي الفلسطيني وطبيعة علاقته بالمحيط وبمن حاول أن يغزوهم ويحتلهم ويلغي وجودهم. يضاف اليه أن العرس هو تجسيد لحياة الانسان الفلسطيني وعلاقته بالأرض والزراعة والدين والقيم والعادات، مما يدفعنا للقول إن العرس الفلسطيني هو ثوثيق حقيقي لتطور العقد الاجتماعي للفلسطيني وكتاب يشرح ويفصل كينونة وجوده أمام العالم.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]