كاشفاً الكثير ... ممدوح حمادة للميادين نت: الجمهور أرقى مما ينسب إليه والنقص فينا
كتب سيناريو "ضيعة ضايعة" و"الخربة" وغيرهما. إنه د. ممدوح حمادة الذي حلّ ضيفاً على الميادين الثقافية، كاشفاً عن الكثير ومنها تلك التي تتعلق بجوانب من شخصيته التي تتخطى كتابة السيناريو بأشواط. فماذا قال؟
على عكس ما قد يتوقعه البعض، يقول إن "حالي مع السيناريو حال الذين يزوّجونه إبنة عمه التي لا يحبها، ومع القصة والرواية حال العاشق مع حبيبته". هذا الكلام صدر عن القاص الدكتور ممدوح حمادة، كاتب سيناريو "ضيعة ضايعة" و"الخربة" و"الواق واق" فضلاً عن لوحات للمسلسل السوري الشهير "بقعة ضوء". لماذا لا يرى حمادة نفسه كاتب سيناريو رغم النجاح الباهر الذي حققه؟
في حوار حصري مع الصفحة الثقافية في الميادين نت، تحدث حمادة عن الكثير من النقاط التي تجعلنا نحيط أكثر بجوانب شخصيته التي تتجاوز كتابة السيناريو بأشواط. وهنا نص الحوار الذي أجرته معه رولا عبد الله الأحمد.
قلّة قليلة من عشّاق قلم د. ممدوح حمادة، تعرف أنّ لهُ ريشة رسام كاريكاتور من طراز رفيع، يستخدمها في مواضع أخرى لرسم القصة القصيرة بمشهدية متفرّدة تَفرّد إبداعه في كتابة السيناريو. هذا السيناريو الذي حقّق له شهرةً وجمهوراً واسعاً من المحبّين على امتداد العالم العربي، حتى صارت حكايا "ضيعة ضايعة " وأبجدياتها الساخرة على ألسنة الناس "مضرب مثل"، وتحوّلت "الخربة" وشخوصها إلى مثال يختصر حكاية وطن. وتكثر الأمثلة التي تشهد عليها "بقعة ضوء". لكنّ الغريب في الأمر أنّ د .حمادة وعلى الرغم من كلّ هذا الحبّ وتلك الشهرة التي حقّقتها له نصوصه الدرامية، إلا أنه لا يحبّ أن يعرّف نفسه ككاتب سيناريو! لماذا؟
يقول حمادة للميادين نت بمُنتهى الشفافية: "أقولها بصراحة أنني أكتب السيناريو، لأن السيناريو يُعتَبر مصدر دخلي الوحيد، وليس أمامي خيارات أن أكتب السيناريو أو لا أكتب ! وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن أرضخ تحت ضغط الحاجة المادية، كأن أقدّم عملاً لا يمثّلني، ولكن على سبيل المثال، إن حدثت معجزة ما، وأصبح عندي ثروة فإنني على ثقة بأنني سأتوقّف عن كتابة السيناريو، وإن فعلت فإنني سأكتب السيناريو فقط للسينما ،وبمزاجٍ عال".
السيناريو مصدر دخلي الوحيد وليس أمامي خيارات
المضحك المبكي. الأدب الساخر. الكوميديا السوداء، وتسميات كثيرة حمّالة أوجه، تلك التي جالت في خاطري تتجاذب أسئلتي، حين قرّرت لقاء أديب وقاص كَالدكتور ممدوح حمادة، ندر من يكتب في حقلهِ بمثل هذه القيمة العالية التي تحترم ذهنية المتلقّي على اختلاف مشاربه، هذا الأدب الذي يشهد له الكثيرون من مختلف الشرائح بأنه من أرقى أشكال الإبداع الحسّي الإنساني الذي يُلامس وَجع الناس ويُعالجه بابتسامةٍ تتدرّج على الشفاه كألوان الطيف، يومها خطر لي أن أسأله عن السرّ الذي جذبه إلى اختيار الكتابة في هذا العالم الساخر من دون سواه؟ وما الذي دفعه إليه؟هل هي التجربة؟ الحياة؟ القراءة؟ أم تشيخوف الذي يجاهر حمادة في حبّه له أينما حلّ، ولماذا؟
يجيب حمادة "لا أستطيع القول إن هناك ما جذبني أو من جذبني إلى ذلك، أعتقد أنني وعيت على هذه الدنيا أسبح في هذا التيار، الإنسان يولد مع جنوح إلى هذا العالم الذي تتحدّثين عنه، ثم تأتي العوامل الأخرى التي ذكرتِ قسماً منها لتشدّه إلى اللّجة بمقدار تفاعله معها، فإما أن يصبح في بوتقته أو يبقى على أطرافه".
والغريب أن د. حمادة يحبّ أن يُعرّف نفسه كقاص، أكثر من كونه كاتب سيناريو! مع أنه الحقل الواسع الذي عرفه فيه الجمهور من مختلف الشرائح! الأمر الذي دفعنا لاستيضاح السبب؟ وما الذي قدّمه الأدب أو القصة القصيرة التي يُفضّلها، لهذا السيناريو الشيّق الذي يكتبه على "مَضَض"؟ وهل هما اتجاهان مختلفان يتجاذبان قلمه؟ وأيّهما الأكثر جذباً؟
"أنا أكتب القصة والشعر قبل أن أكتب السيناريو بفترةٍ طويلة، ولديّ مجموعات قصصية عدّة وأعمال أدبية أخرى"، موضحاً أن "تعريفي ككاتب سيناريو يضعني في إطار يقتصر على جزءٍ منّي، ويغفل بقيّتي التي ربما تكون بالنسبة لي الأهم، في بلاد العالم الأخرى، وأقصد تحديداً تلك التي تعتبر الدراما بأنواعها صناعة فيها كاتب السيناريو يعتبر مهنة مثل غيرها من المهن، وفي معظم الأحيان تقدّم له الفكرة، فيقوم هو بصوغها ضمن حبكة، وفي أحيان كثيرة في مرحلة ما بعد كتابة الحبكة يقدّم السيناريو إلى مختصّ في "التطريف" فيقوم بخلق مواقف تحتوي على الطرفة بالمقدار الذي يحتمله نوع العمل ومختصّ آخر يُدقّق عملية "الأكشن"، وبهذا الشكل فإننا نشعر أن السيناريو يشبه أي منتج صناعي يساهم فيه عدّة مختصّين حتى يصل إلينا بشكله الحالي. أما عندنا فالأمر مختلف، لأن السيناريو يشبه غالباً العمل الأدبي الذي يعود بمُجمله لشخصٍ واحدٍ هو المؤلّف، وبالتالي فهو يتقاطع مع القصة والرواية بشكلٍ كبيرٍ ولا يختلف عنهما سوى بتقنية الكتابة التي تفرضها الدراما، وأقصد المونتاج المنظّم الذي على الكاتب تقديم عمله فيه ومن هنا يمكن القول إنّ القصّة تقدّم خدمة كبيرة للسيناريو لأن كاتب السيناريو عندنا يؤلّف ولا يتوقّف عمله على الصياغة".
ويُضيف حمادة "أما حال علاقتي بالسيناريو والقصة فأقولها بصراحة أنني أكتب السيناريو لأن السيناريو يُعتبر مصدر دخلي الوحيد وليس أمامي خيارات أن أكتب السيناريو أو لا أكتب، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن أرضخ تحت ضغط الحاجة المادية أن أقدّم عملاً لا يمثّلني، ولكن على سبيل المثال إن حدثت معجزة ما وأصبح عندي ثروة فإنني على ثقة بأنني سأتوقف عن كتابة السيناريو، وإن فعلت فإنني سأكتب السيناريو فقط للسينما وبمزاجٍ عالٍ فقط، وبدلاً من هدر الساعات الطويلة وحرق الأعصاب وتحمّل الضغوط التي تسبق إنجاز السيناريو، وتعقب العرض كنت سأتفرّغ لكتابة الرواية والقصة، فلديّ روايتان أقرأ وأجهّز لهما منذ زمنٍ طويلٍ واعتقد أنهما في حال كُتِبَ لهما الظهور ستكونان عملين مهمين في مجال الرواية، ولكنني أقولها بغصّة في الحلق أنهما ستموتان حتماً لأنهما تحتاجان إلى تفرّغ كامل، وهذا مستحيل من دون وجود مصدر دخل يضمن تأمين حد أدنى من متطلّبات الحياة، خاصة في ظلّ عدم غزارة عملي في السيناريو".
ثم يشرح حمادة باختصار قائلاً إن "حالي مع السيناريو حال الذين يزوّجونه إبنة عمه التي لا يحبها ومع القصة والرواية حال العاشق مع حبيبته التي تقف دونها جحافل تمنع الوصول إليها، هكذا ببساطة".
التراجيديا والسخرية
تعترف الأغلبية الساحقة من تلك التي تتابع نتاجنا الأدبي والثقافي العربي، إننا شعوب أكثر ميلاً إلى إعادة إنتاج أدب "تراجيدي" يُحاكي تلك التراجيديا التي نحياها في بلادنا على مرّ ومرير تاريخها. فهل توافق على هذا التوصيف؟ وما سرّ هذا الميل إلى إعادة اجترار الألم عبر الكتابة؟ ولِمَ هم قلّة أولئك الذين يكتبون بجدارة في هذا الصنف الأدبي الساخِر في عالمنا العربي؟
"هذا كلام صحيح نسبياً وينطبق على بعض المناطق، مثلاً في سوريا، مئة بالمئة وعلى سبيل المثال أروي حادثة جرت معي حين عرض مسلسل "عيلة ست نجوم". ففي نقاش مع صديق قال لي: "هذه ليست كوميديا، ثم ذكر لي إسم عمل آخر وتابع. هذا العمل كوميديا حقيقية. فلقد بكيت وأنا أشاهد الحلقة أكثر من ثلاث مرات"، فهو يقيس قوّة الكوميديا بعدد مرات البكاء عند عرضها؟، ومن هنا فإن جمهورنا يميل إلى الكوميديا السوداء، والسبب الأساس في ذلك باعتقادي هو ما تحتويه هذه الكوميديا عادة من نقد. فهي في أحيان كثيرة تقول ما يريد سماعه ويخشى قوله، أما في الدول التي فيها انفتاح سياسي وصحافة متنوّعة وأحزاب مختلفة وغير ذلك فإن الكوميديا السوداء غير منتشرة، وربما لو أراد كاتب هناك أن يقدّم كوميديا سوداء، فربما يفشل لأنه غير مضطر لذلك، وسيكون لديه الكثير من الافتعال، لذلك فإنه سيقدّم كوميديا مفتوحة متحرّرة من الإسقاطات والكلام الذي يُقال أنه بين السطور. أما ندرة الكتّاب في هذا المجال فهذا أمر طبيعي وهم معدودون في جميع أنحاء العالم وليس عندنا فقط، وذلك لما يتطلّبه هذا النوع من الأدب من توافر ميزات إضافية في الكاتب. وبالطبع هناك تجارب يمكن التوقّف عندها ولا تحضرني الأسماء الآن".
ما لا يطلبه ..المنتجون!
يروق للمنتجين للأعمال الدرامية و"الهزلية " في بلادنا، في معرض تبريرهم لرداءة ما يقدّمونه، رغم وضوح هدفهم الرئيسي في جني المال على حساب القيمة الفنية، مُستخّفين بعقل المتلقّي وفق مقولة من قبيل "الجمهور يريد هذا "، لكن نصوص ممدوح حمادة حقّقت معادلة عكسية كسرت كل مبرّراتهم حين قدّم "كثنائي" مع المخرج الليث حجو وفريقه، تلك الكوميديا النبيلة العالية المستوى، والتي لا تنتمي إلى عالم الهزل الرخيص، مُحقّقة معادلة، كانت لوقتٍ قصير، حالمة، وهي أنها حقّقت حضوراً راسخاً وانتشاراً واسعاً وإنتاجاً درامياً مُربحاً. ما السرّ؟ هل هو العمل الجماعي وروح الفريق؟ أم القِيَم النبيلة التي حملتها هذه النصوص ومُلامستها لهموم الناس المهمّشين والمنسيين في "ضيعة ضائعة" على امتداد جغرافيا البلاد؟
في هذا السياق يورد حمادة مثالاً طريفاً يضمّنه الإجابة على طريقته فيقول: "يُحكى أن صديقاً قرّر أن يطبخ في وليمة أعدّها لصديقه المسافر، أكلة كان يعرف أنه يحبّها، "مفرّكة كوسا"، ولفرط محبّته له، جهّز للرجل على الغداء بعد عودته من مُغتربه لفترةٍ طويلة "مفرّكة الكوسا" وعندما لاحظ المضيف أنّه لم يفرح لها ولم يقبل عليها قال له صديقه :"أنا حضّرتها لأنك تحبها" فقال الضيف: كنت أحبّ (مفرّكة الكوسا) يا صديقي لأنني لم أكن أعرف اللحم!".
هذه مأساة جمهورنا مع الكوميديا، يأكل "مفرّكة الكوسا" لأنه لا يوجد كفتة ومن المعيب أن نبرّر وضاعة منتجنا بمستوى الجمهور، أي تحميل المسؤولية له. الجمهور "مش عايز كدا". أنت لا تمتلك أفضل من هذا والجمهور مُبتلٍ بك كفنان وكمنتج، ولا أعتقد أن مطالب المنتجين من قبيل التوفير رغم أنها غير مشروعة عملياً، كون الأعمال الكوميدية هي الأعمال الأكثر توزيعاً ولفترات طويلة، فنحن لا نزال نشاهد أعمالاً كوميدية من الستينيات، ولا أعتقد أن الناحية المادية التي يجنح إليها المنتجون هذه مبرّر لانحطاط المستوى. فالكوميديا لا تحتاج إلى البذخ، أما النجاح الذي تم تحقيقه في الأعمال التي ذكرتها فهو نابع عن الصدق الذي رافق صناعة هذه الأعمال. ولا شك أن التكامل فيها له فضل كبير في نجاحها، والتجربة والتعلّم منها لهما دور كبير أيضاً، إضافة إلى الأمور التي ذكرتها، وهي ما تحمله من القِيَم ومدى قُربها من الجمهور، وأهم ما اكتشفته من خلال تجربتي هو أن الجمهور حين يُعجبه عمل ما يقف مدافعاً عنه ويتصدّى لكل محاولة للإساءة إليه. أشعر بهذا حين ألتقي بالناس الذين أحبّوا هذا العمل أو ذاك. إنهم يمنحونني من الحب والحماية فوق ما أتصوّره بكثير. الجمهور ليس "ملطشة" نحمّله مسؤولية سوء منتجنا، الجمهور أرقى بكثير وأذكى بكثير مما يُنسَب إليه والنقص فينا، لأننا لا نجد اللغة التي توصلنا إليه، وهذه مسؤوليتنا ككتّاب وصُنّاع فن لأننا نحن الذين نرسل الرسالة ونحن الذين يجب أن نختار مُفرداتها، فإن كنا عاجزين عن اختيار المفردات اللازمة يُفَضّل ألا نثقل على الجمهور بها".
إذاً، برأيك، إلى أي مدى يحتاج الإنتاج الدرامي إلى تناغم حسّي عالي المستوى بين الكاتب والمخرج؟ أم أن هناك عناصر أخرى يجب أن تتوافر لإنتاج عمل قيّم، كالذي أثمر من بين يديكم؟ وكيف يمكن للدراما أن تتحوّل إلى صناعة حقيقية راقية؟
"أولاً وقبل كل شيء عليّ أنا ككاتب تقديم مادة اعتبرها مُقنِعة للآخرين لكي يتبنّوها، وبعد ذلك يأتي دور التناغم مع المخرج الذي يتبنّى بصدقٍ هذا العمل أو يأخذه "كباب رزق" لا أكثر، وأنا تعرّضت للحالين، حصل هذا التناغم مع هشام شربتجي في مجموعة الأعمال التي قدّمناها معاً، ويحصل الآن مع الليث حجو، وطبعاً هذا ضروري جداً، وأنا لي تجربة في هذا الموضوع. فقد واجهت التجارب مع مخرجين لم يكن هناك أي تناغم معهم وهم جميعاً أرفض العمل معهم رفضاً قاطعاً الآن. ولكي نقدّم أعمالاً قيّمة لا بد للجميع من أن يحترم العمل الذي يشارك بصنعه. الاحترام هنا يشمل جميع الجوانب من تقديم الميزانيات المناسبة، إلى الاهتمام بنوعيّة المادة المقدّمة نصّاً وإخراجاً وأداء كل من موقعه".
دفاتر القصص
"دفتر الأباطرة"، "دفتر القرية" ودفاتر أخرى تتنظر الولادة. تحتضن مجموعة من القصص القصيرة التي تحمل كل منمنمات قلم ممدوح حمادة، ونادراً ما نجدها في المكتبات، على الرغم من أن الكثير من قصصها تحوّل إلى لوحات في "بقعة ضوء" وغيرها من أعمال درامية. هذه الدفاتر التي يحلم حمادة في أن يتفرّغ ويعكف على كتابتها من دون سواها من نتاجه. وأن يعرفه القارئ عبرها. يحكي "بحسرة" عن عدم قدرته على القيام بهذا الاعتكاف، ولماذا اختار تسميتها بالدفاتر؟ وعن ملامحها الأدبية الخاصة يقول:
"الدفاتر تحتوي ليس فقط على القصص، ستكون فيها لاحقاً أنواع أخرى، أما تسميتها بهذا الإسم فجاءت بعد الاتفاق مع دار النشر على إصدار المجموعات بشكلٍ دوري بمعدل مجموعة كل ستة أشهر، كونها جميعاً مكتوبة منذ زمن بعيد حيث أن كتابتها بدأت في عام 1982 وهي كلّها محفوظة في دفاتر ، ومن هنا وجدنا التسمية مخرجاً مناسباً ينقل واقعاً، وبنفس الوقت يسهّل توزيع الكتب. وهناك إصدارات ستُنشَر بمعزلٍ عن الدفاتر لأنه ليس لها علاقة بها".
إذاً هل يمكن لنا أن نستمزج النتاج الأدبي المقدّم على الساحة العربية اليوم؟ ولماذا كل هذا الاستسهال في إنتاج عمل "أدبي"؟ ما الذي
يحدث؟
"لست على درجة من الاطّلاع تؤهّلني لتقييم النتاج الأدبي، ولكن من خلال قراءاتي يمكنني الحديث عن ظواهر محدّدة، وهي الترويج لأعمال لا تستحق إضاعة الوقت في قراءتها لأسماء مُكرّسة في العالم الأدبي! يشعر الإنسان بعد قراءتها بالخيبة، في الوقت الذي بين يدي فيه الآن مخطوط لرواية أرسلها أحد الأدباء الشباب وهي روايته الأولى أفضل من الكثير من الروايات التي أتحدّث عنها، وأعتذر عن ذكر الأمثلة كون التقييم هو تقييم شخصي يعتمد على الانطباع لا على التحليل".
ريشة الكاريكاتور
يتحدّث ممدوح حمادة عن تجربته مع رسم الكاريكاتور التي سبقت أي نتاج أدبي خطّه في ما بعد. حيث كان رسم الكاريكاتور أول ثماره التي كان ينشرها في الصحف البيلاروسية أثناء دراسته هناك، ولكنه تركه إلى عالم القصة القصيرة والرواية، ثم التفت إلى دراسة الإخراج السينمائي في ما بعد، متوقّفاً عن الرسم، لأسباب يتحدّث عنها عبر تجربته مع الريشة التي لا يعرف الكثير من محبيه أن له أرشيفاً من الرسومات بملامح وألوان تشبه عالمه القصصي الساخر، وعن حصّة هذا الرسم من نتاجه اليوم يقول:
"الكاريكاتير كان هواية لديّ وبقي كذلك، مارسته وتطوّرت خبرتي فيه لأنني كنت أنشر رسومي في الصحف البيلاروسية أثناء فترة الدراسة، وكان قمّة نشاطي حين عملت في صحيفة أسبوعية ساخرة إسمها "القنفذ" وكان لديّ رسم أسبوعي فيها تقريباً، وأقمت العديد من المعارض وقتها ضمن نشاطات طلابية في بيلاروسيا وأوكرانيا وتشيكسلوفاكيا. بعد ذلك شاركت في مهرجانات دولية عدّة تجري بشكلٍ سنوي في دولٍ مختلفة وكان ذلك من الباب التجريبي أيضاً، ولكن في ما بعد توقّفت عن الرسم، إلا في بعض الأحيان، كون الكاريكاتير فناً صحفياً إذا لم يكن له منبراً فإنه لا توجد دوافع. الآن أنا أرسم بشكلٍ متقطّع وأنشر على صفحتي في الفيس بوك، يمكن القول إنني متوقّف عن الرسم الآن".
الصحافة والمنابر المُغلقة
"دال" الحرف الذي يسبق لقب حمادة الأكاديمي، أتى من حمله لشهادة الدكتوراه في الصحافة، لكنّه يذكر في إحدى لقاءاته الصحفية عن التجارب المريرة التي عاشها مع العمل الصحفي و"دالاته" ودلالاته ومتسلقاته الأمس واليوم، وعن المسافات التي باتت تفصل بينه وبين المنابر المغلقة في وجهه.
"بصراحة هناك أشياء غير مفهومة أنا الذي درست الصحافة ومارستها أثناء الدراسة حتى هذه اللحظة أعجز عن إيجاد فرصة، بينما مئات المارقين الذين لا علاقة لهم بالصحافة ولا بالكتابة يتصدّرون الشاشات وتتصدّر أسماؤهم الصحف، عملت مراسلاً غير متفرّغ أو ما يسمّونه بالعامية مراسلاً "على القطعة" وكان ذلك في الفترة الزمنية بين 1995 – 1997. وقد كنت أجتهد على مقالاتي في ذلك الوقت وكان معظمها في السياسة الدولية بحيث أنني شاهدت لاحقاً عدّة دراسات استخدمتها كمرجع وإشارة إليها في المراجع، ولكن الصحافي "على القطعة" يمضي حياته "جوعة.. شبعة" كما يقولون وتلك الفترة كانت كذلك فعلاً، ولهذا تركت العمل في هذا المجال وتقدّمت عدّة مرات إلى وسائل إعلام مختلفة إلا إنني لم ألق رداً. أحاول فعل ذلك عبر موقع أقمته على الإنترنت إسمه "الكورنيش" ولكن لم يتسن لي تفعيله بشكلٍ جيّد بعد".
طفل الجولان
الجولان مسقط رأسه الذي نزح منه في عُمر صغير، يحتل مساحة من ذاكرته وروحه وتترك لديه إحساساً دائماً بالغربة. سألناه عنه باقتضاب تحسّباً مسّ "الجرح بالملح" فأجاب: "إذا خرجت من مسقط رأسك عنوةً، فكل مكان أنت فيه غريب. هذا الشعور كان ينتابني عندما نزحنا عام 1967 وكنت في الصف الثاني الابتدائي، طبعاً في البداية كانت كل عواطفي موجّهة إلى هناك، ولكنها مع الزمن وبفعل ضغوط الحياة و تولّد شعور باليأس من عودة الجولان وموت الكثير من الأشخاص الذين نعرفهم، أصيبت هذه المشاعر ببعض "البلادة". كتبت عن الجولان قصة واحدة ولا أدري إن كنت سأكتب غيرها وحتى الآن ليست مُدرَجة ضمن سلسلة الدفاتر".
وهل تفكّر في الكتابة له ؟ عنه؟ عن سيرة ذاتية للذاكرة الأولى فيه؟ أو هل للجولان دفتر قادم؟
"بالتأكيد، هناك عدّة أفكار بانتظار فرصة للخروج إلى النور، لكن لا أدري هل ستتهيّأ هذه الفرصة أم لا، هذا ما أتركه للزمن".
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]