بنعزيز للميادين نت: السينما المغربية تعاني قلّة الإبداع
محمد بنعزيز ناقِد سينمائي مغربي شاب، نشر ثلاثة كتب نقدية هي "تشريح الفيلم المغربي" 2013 و"سينما العالم في المهرجانات المغربية" 2014 و"كيف تعلّمت السينما" 2018. أخرج ثلاثة أفلام قصيرة: قلب مكسور 2010، ملح الحب، 2012 حلم هامبرغر 2013. يُعِد أطروحة دكتوراه في السرديات. حلّ بنعزيز ضيفاً على الصفحة الثقافية في الميادين نت، وهنا نصّ الحوار الذي أجراه معه ميلــود لقاح.
هناك مَن يصنّف السينما المغربية إلى قسمين: سينما القنوات التلفزية الوطنية، وسينما تُعرض في القاعات السينمائية لا يعبأ بـها - اليوم - إلا المهتّمون بالفن السينمائي. ما رأيك في هذا التقسيم، وما مواصفات كل قسم؟
يعرض التلفزيون أفلاماً سينمائية نظيفة من دون عنف أو مشاهد جنسية. بينما تعرض القاعات أفلاماً يعتبرها التلفزيون غير ملائمة لذوق جمهوره. الجديد منذ 2017 أن هذا التقسيم صار يشمل القاعات السينمائية أيضاً. فهي تعرض أفلاماً كوميدية من دون عنف أو مشاهد جنس وتجلب جمهوراً كبيراً. كمثال أفلام "لحنش" لإدريس المريني. و"الحاجات" لمحمّد أشاوور. "المليار" لرائد المفتاحي. و"كورصة" لعبد الله فركوس. هذه أفلام حقّقت أرقاماً وستُعرض لاحقاً في التلفزيون. والسبب في ذلك أن المخرجين رفعوا تحديَ إرجاع الجمهور للقاعات. وحصان طروادة هو الكوميديا. سينما السوق ضرورية لخلق رواج تجاري وتسلية الشعب. وسينما المؤلّف ضرورية للمشاركة في المهرجانات. أرى تكاملاً لا تناقضاً بين الخطّين.
في السبعينيات والثمانينيات كانت علاقة الجمهور المغربي بالسينما المغربية مميّزة، وكان المشاهِد يتفاعل كثيراً بما يشاهده من أفلام مرتبطة بواقعه مثلاً فيلم "حلاق درب الفقراء" لمحمّد الركاب و"الأيام الأيام" لأحمد المعنوني وغيرهما. اليوم نرى أن تلك العلاقة فترت، إن لم نقل انعدمت، وأصبح الاهتمام مقصوراً على النقّاد والمثقّفين وأهل الفن عموماً. ما الذي تغيّر؟
حصل انهيار من أربعين مليون تذكرة مُباعة في 1980 إلى أقل من مليوني تذكرة في 2017. السبب؟ في ثلاثة عقود تغيّر نمط الفرجة السائد. ظهرت آلاف القنوات وملايين الهواتف للمشاهدة الفردية. لم ينخفض الطلب على فن يسمح للشعب برؤية نفسه في الشاشة. بالعكس الطلب زاد. وبما أن منصّات المشاهدة تعدّدت فقد قلّ زوار القاعات السينمائية. حين يقدّم المخرجون فيلماً قوياً يأتي الشعب للقاعات.
في الوقت الذي يستضيف فيه المغرب مهرجانات سينمائية عالمية نستشعر أن هناك أزمة في السينما المغربية، وفجوة بينها وبين الجمهور. ما سبب هذه المفارقة؟
سببها قلّة الإبداع. عادة يشتكي المُتفرّج المغربي من ضعف القصة لأنه لا يجد لها مغزى. والدليل على صحة ذلك أنه في كل مرة يضجر فيها المشاهد المغربي، يستشهد بالأفلام الإيرانية التي تحكي بتركيز ورشاقة... وتقدّم درساً: أسرد حكاية بأقل ما يمكن من التفلسف. حين ستصوّر الحكاية المُتماسكة سيتضاعف الأثر. سيجعلها مدير التصوير أوضح بضوئه. سيجعلها الممثّل أعمق لأنه سيفهمها. وسيجعلها الإخراج أجمل.
لك مؤاخذات عن الفيلم المغربي الذي "شَرَّحْتَه" في كتابك "تشريح الفيلم المغربي". ما هي هذه المؤاخذات؟
نتج من التشريح تأكيد أنه بالإضافة إلى ضعف تشويق القصة وجاذبيتها هناك نقاط ضعف كثيرة في الفيلم المغربي منها، أولاً: كثرة الأحلام والتخيّلات، مثلاً تقترب الكاميرا من وجه ممثل نائم في لقطة كبيرة ثم تدخل في الإطار أحداث كثيفة وضجيج فجرح فموت فصرخة فاستيقاظ وخوف.الشخصية تحلم.
ثانياً: الإفراط في الفلاش باك.
ثالثاً: كثرة مشاهد المجاذيب والمجانين: مشاهد تجري حول أضرحة الصّلحاء. أو تجري في المدن ويظهر فيها مجانين يقولون الحقيقة. إنه عالم الجنون والسرية واللا عقل. ما سبب اللجوء إلى هذه المشاهد؟ إن ما يعجز المخرج عن تفسيره يدفع به إلى عالم اللا منطق ليعفي نفسه من عبء التفسير. وقد يزعم حداثي ملفّق أن ذلك عبارة عن عودة إلى النبع للتزوّد بطاقة روحية. الحداثة هي قطع حبل السرّة للتوجّه للمستقبل.
رابعاً: مشهد الممثل في الزنزانة من باب اقتصاد تكاليف الإنتاج، للتخلّص من ضجيج الحياة اليومية وقوانين الإضاءة، وصعوبات تحريك الكاميرا، يختار المخرج غرفة بلا نوافذ ويحشر ممثليه في زاوية، يضع الكاميرا أمامهم ويبدأ في تصويرهم... هذا ليس سجناً، إنه ضريح أو منزل أو مقهى مفبرك... يصوّر برؤية إخراجية فقيرة. في كل هذه الحالات يتم الاحتيال على قانون التعاقب الزمني بالحلم والتذكّر، ويتم الاحتيال على حيوية الفضاء الاجتماعي باختيار أماكن تصوير مغلقة لا تنبض بالحياة. هكذا يشرح كتابي الفيلم لأن النقد ليس مجرّد قول انطباعي بل يجب أن يدلّل على أحكامه.
هناك جيل من المخرجين المغاربة الجُدُد اختار العمل خارج البلاد. ولم يتعرَّفهم الجمهور المغربي إلا بعد تتويجهم بجوائز دولية مثل المخرج نبيل عيوش. هل أصبح الواقع الفني في المغرب عاجزاً عن تكوين مخرجين بارزين وإنتاج سينما ناجحة؟
في المغرب إن لم يعترف بك الخارج فنياً لن يعترف بك الداخل. لذلك من الجيّد أن يبدأ فيلمك رحلته من مهرجان أجنبي. حتى لو كان فيلمك قوياً وليس فيها خروج عن التابوهات لاستفزاز وسائل الإعلام لن يحصل على الاعتراف. وهذا الاعتراف سيجلب لك إمكانيات وتمويل للتصوير. المخرجون الذين يأتون من الخارج يحصلون على فرصة أفضل. زمّار الحيّ لا يُطرِب.
كيف ترى مستقبل السينما المغربية؟
سيكون مستقبل السينما المغربية أفضل. فهي الآن قدّمت أكثر من 340 فيلماً. وخطوط التمويل متوافرة. أنتج المغرب 23 فيلماً طويلاً و96 قصيراً في 2017 وينتظر أن يفرز الكمُّ الكيف. والدولة المغربية مقتنعة بأهمية الفن لتقديم صورة مغربية للمشاهد. هذا رهان مستقبلي خطر. حالياً تترجم القنواتُ المغربية المسلسلات التركية للعامية المغربية لكي لا يشاهد المتفرّج المغربي قنوات شرقية ذات حمولة دينية زائدة. وكل بلد يهمل هذا البُعد المحلي والوطني للإنتاج السمعي البصري سيترك فراغاً يملأه الغير.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]