الصالح للميادين نت: سعيت لــ "ثقافة التنوير" فوجدت نفسي وحيداً

 نضال الصالح، رئيس اتحاد الكتاب العرب في سوريا، حلّ ضيفاً على الصفحة الثقافية في الميادين نت، وهنا نصّ الحوار الذي أجراه معه أوس أبوعطا حول تأثير الأزمة السورية على صناعة الكتاب، ووضعية الكتّاب الشباب وكل ما يتصل بمهمات الإتحاد وإنجازاته والصعوبات التي يواجهها. 

 نضال الصالح، رئيس اتحاد الكتاب العرب في سوريا، حلّ ضيفاً على الصفحة الثقافية في الميادين نت، وهنا نصّ الحوار الذي أجراه معه أوس أبوعطا حول تأثير الأزمة السورية على صناعة الكتاب، ووضعية الكتّاب الشباب وكل ما يتصل بمهمات الإتحاد وإنجازاته والصعوبات التي يواجهها. 

إذا أردنا أن نقدّم كشف حساب عن فترة تولّيك الحالية لرئاسة الاتحاد في فترة حاسِمة من تاريخ سوريا الحديث، ما أبرز ما يُمكن قوله؟

كشف حساب! أحتاج إلى عشرات، بل مئات الصفحات، ليكون الكشف كما يليق بإسمه، ولا سيما أنني منذ اليوم الأول لتشرّفي برئاسة الاتحاد، وجدت نفسي أمام استحقاقات كبرى تتطلّب جهوداً استثنائية ومؤسّساتية ولا يمكن لفردٍ وحده، مهما أوتيَ من أسبابِ المهارةِ، تحويلها من كونها استحقاقاً لتصير واقعاً.

أول تلك الاستحقاقات استعادة مقعد الاتحاد في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب. أعني بعد تجميد عضويّته فيه وطرد رئيس الاتحاد السابق من اجتماع القاهرة، واستطعت، خلال أقل من شهرٍ من بداية مهمّتي، تحقيق ذلك، أعني استعادة مقعد الاتحاد، ومن ثمّ حيازة منصب مساعد الأمين العام للاتحاد العام، ومن ثم حضور الاتحاد بقوّة في اجتماعات المكتب الدائم، وتمثيله في مختلف اللجان، وتقدير الاتحادات والروابط والأسر والأندية الأدبية العربية لاتحاد سوريا.

أما ثاني تلك الاستحقاقات، فكان شعار "ثقافة التنوير" الذي طرحت، وسعيت، بكل ما أوتيت من قوّة، إلى ترجمته، ولكنه ارتطم بإرادات مُعوّقة له عن قصد كثيراً، وعن غير قصد قليلاً. أعني بالأول، أي عن قصد، أنّ معظم المعنيين بمساعدتي لينتقل من كونه مشروعاً إلى كونه واقعاً تركني وحيداً في الساحة، واكتفى بإلقاء اللّوم عليّ من دون أن يُكلّف نفسه أيّ جهدٍ في العمل عليه، أو من أجل جعله واقعاً لا شعاراً. وأعني بالثاني توهّم كثير من الكتّاب أن العمل الثقافي فعل فردي يمكن أن ينجزه شخص وحده، وليس عملاً يجب أن تنهض به مؤسّسة يُعاضِد بعضها بعضاً من أجل هذا المشروع أو ذاك.

 

طبقاً لأقوالكم ثمّة كُتُب في مستودع اتحاد الكتّاب العرب تتجاوز قيمتها مئتي مليون ليرة سورية مُتراكمة في هذه المستودعات، فما هي القرارات التي اتّخذتموها كي لا يتكرّر نفس الخطأ؟ وهل هذه القرارات أعلت مصلحة الاتحاد على مصلحة الكاتِب السوري المُنهَك اقتصادياً بفعل الحرب؟

أجل جئت إلى رئاسة الاتحاد وفوجئت بذلك الكمّ الكبير من إصدارات الاتحاد على مدار عقود، والذي تبلغ قيمته الدفترية نحو مليوني ليرة سورية، وفوجئت أكثر أنه ما من عملية جرد له في ما مضى من الوقت، أي طوال أربعين سنة، وكان أول ما فعلته هو أتمتة محتويات مستودع الكتب، والبحث عن آليات تسويق لذلك الكمّ بغير وسيلة تحفظ للاتحاد المال الذي تم دفعه لطباعة تلك الإصدارات.
وبسبب من تلك المفاجأة رأيت أنني سأضيف جريمة، أجل جريمة، جديدة إلى ما سبقها فيما لو تابع الاتحاد النشر على النحو المعمول به وحده سابقاً، ولذلك حرصت على تحويل المخطوطات الواردة إلى الاتحاد إلى قرّاء لا تعنيهم العلاقات الشخصية، كما حرصت على ألا يتبنّى الاتحاد أيّ مخطوط إذا لم يكن يحمل بذور تسويقه بنفسه، وأعني بذلك قدرته على أن يهرع القرّاء إليه بدلاً من أن ندفع به إلى رفوف المستودع، فنزيد الركام على ركام. 
إنني أتفهّم أن الحرب على سوريا سلبت الكاتب السوري قدرته على نشر أعماله خارج المؤسّسات الرسمية، ولكن ما لا يمكن تفهّمه أو التسليم به أن يكون هذا سبباً لتبنّي كلّ ما يدفع به الكتّاب إلى الاتحاد. 
وعلى أية حال أرى أنه من الضرورة التنبيه إلى أنني لست مَن يقرّر نشر هذا المخطوط أو رفضه، بل قراؤه، ولي أن أقول بصوتٍ عالٍ إنني لم أسمح لنفسي بالتوسّط لأيّ مخطوط لدى أيّ قارئ، كما لم أسمح لنفسي بالطلب إلى أيّ قارئ برفض أيّ مخطوط. كما أرى أنه من الضرورة أن يعرف الجميع أنني منذ اليوم الأول لرئاستي للاتحاد اتّخذت قراراً بألا أنشر أي كتاب لي ضمن إصدارات الاتحاد، وهذا ما التزمت به في ما مضى من الوقت، وسأبقى مُلتزماً به ما دمت رئيساً للاتحاد.

كيف يمكن لاتحاد الكتّاب مدّ يد العون للمواهب السورية الشابة؟ وهل من الممكن أن يتم إصدار صحيفة تُعنى بها؟

منذ تشرّفت برئاسة الاتحاد دفعت بقوّة نحو أن يكون للاتحاد دوره الفاعِل في التمكين للأصوات الإبداعية الجديدة من أن تجهر بنفسها، ورعيت بنفسي غير مهرجان للأدباء الشباب، ووعدت بجمع ما يليق من نتاجهم وإصداره في كتاب، ولكن.... وأكتفي بهذه الـ"لكن" لأن في فمي ماء، وليس من اللائق بالاتحاد أن يقال كل ما يُعرف.

أما أنه هل من الممكن أن يصدر الاتحاد صحيفة تُعنى بالمواهب الأدبية الشابة، فاسمح لي أن أوضح ما يأتي: في الشهر الأول من رئاستي للاتحاد كلّفت إحدى الزميلات بإعداد صفحة من صفحات "الأسبوع الأدبي" تُعنى بأدب الشباب، وعملت هذه الزميلة لأشهرٍ فقط، ثم لم نعد نراها في الاتحاد لأسباب عرفتها في ما بعد، منها أنه ليس مسموحاً لي، ممن لم يرق لهم أن أكون رئيساً للاتحاد، أن أدفع بمسيرة الاتحاد إلى الأمام، بل تعويق كل مشروع يمكن أن يطوّر أداء الاتحاد بهذه الإرادة أو تلك، وأستطيع أن أستعيد معك، هنا والآن، الحملة التي قادها أحدهم بالتزامُن مع الحملة التي شنّتها قناة "العربية" السعودية عندما طرحت شعار "ثقافة التنوير"!

نلت "جائزة القدس العربية" عام 2017، ماذا عنت لك؟

قبل "جائزة القدس" حصلت على ما يزيد على عشرين جائزة أدبية في سوريا، وعلى ثلاث على المستوى العربي في القصة والرواية والنقد. غير أن جائزة القدس كان لها وقعها الخاص لديّ، لأنها جاءت من أعلى مؤسّسة ثقافية عربية هي الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، ولأنها تحمل إسم المدينة الرهان، كما أرى، على حد بين مرحلتين في تاريخ العرب الحديث: ما قبل القدس "صفقة القرن"، وما بعدها.

بين الكرامة العربية التي لمّا تزل تُعاند إرادة قوى الشرّ، والكرامة العربية المهدورة على مذبح تلك الإرادة. لقد كانت الجائزة بلسَماً لروحي في زحمةِ حزنٍ رجيمٍ بسببِ ما يعصف بسوريا منذ ما يزيد على سبع سنوات. فقد أكّدت لي أنّ أمّتنا المطعونة من غير جانب لمّا تزل بخير، لأنها تقدّم الثقافي على السياسي، ولأنها لا تأبه لهذا النظام السياسي أو ذاك من الأنظمة التي اختارت الوقوف إلى جانب الإرهاب والتكفير والظلام ضد سوريا، ذلك أنّ منحها لسوريّ يعني الكثير، ومُفعم بغير إشارة إلى أنّ الأدباء والكتّاب العرب، على الرغم من أكذوبة "الربيع العربي"، وعلى الرغم من بعضهم الذي اختار التأمْرك والتأسْرل وسواهما، ينحازون إلى الحق والحقيقة، أي إلى ما يعني الجَدارة بالجائزة.

ما هو دور الاتحاد في مقاومة التطبيع؟

نحن في اتحاد الكتّاب العرب في سوريا ضدّ التطبيع جُملة وتفصيلاً، ولدينا إرادة قويّة في مقاومته مهما يكن الشكل الذي يتقنّع به، وإلى الآن، وسنبقى، حَمَلَة مشعل مواجهته، إيماناً منا بأنّ الثقافة مكوّن مركزيّ في أية مواجهة مع أعداء الحق والخير والجمال.

ما هو تقييمك لأداء الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب؟ وما هي مواطن الخَلَل في أدائه؟ 

في إجابتي عن سؤالك الأول أشرت إلى نجاحي في استعادة مقعد اتحادنا في المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، وأجد من الواجب عليّ، قبل أن أمضي إلى الإجابة عن هذا السؤال، تقديم وافِر الشكر للاتحادات الأدبية العربية التي كان لها موقف إيجابي وفاعِل في استعادة هذا المقعد، وأن أخصّ بالشكر الشاعر الأستاذ حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام الذي ينظر إلى سوريا وأدبائها بكثير من التقدير، ويحرص على القفز على الخلافات السياسية العربية، ليكون للكلمة دورها في استعادة أضعف الإيمان من الروح العربية التي توحّد العرب وتلمّ شملهم.

أما عن تقييمي لأداء الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، فأستطيع القول إنّ السنوات التي مضت من عُمر هذه الدورة من مسيرة الاتحاد كانت مُتخَمة بغير عصفٍ وعسفٍ في الواقع العربي، وتمكّن الاتحاد العام من تجاوز ذلك العصف والعسف بفضل وعي الأمين العام بضرورة الكلمة الموحّدة للأدباء والكتّاب العرب في مواجهة ما يتهدّد الأمّة العربية منذ سنوات، وفي مواجهة الإرهاب والتكفير اللذين لا تكفي مواجهتهما عسكرياً للخلاص منهما، بل تتطلّب هذه المواجهة إرادة ثقافية عربية واحدة، ولا يمكن لهذه الإرادة أن تكون إذا لم يكن الاتحاد العام فاعِلاً أساسياً في هذه المواجهة.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]