الوجه القاتِم للتهجير
ينتاب المُهجّر خوف من المجهول، فهو إذ يلجأ إلى بلد آخر غير موطنه إنما يسعى إلى إيجاد حياة أفضل توفّر في حال العراقيين – كما هي الحال لدى السوريين وغيرهم – الأمن والاستقرار، وهما حقان أساسيان يُعتبران لدى الكثير من الشعوب من الأمور المُسلّم بها. أضف إلى ذلك قلق المُهجّر من مدى تقبّل المجتمع المُضيف له، فيخشى الرفض أو الإهانة، كما يأمل بأن ينصهر في المجتمع كي لا تعود فجوة الاختلافات كبيرة.
ما هو الوطن وما هي قيمته؟ قد يصعب على البعض الإجابة عن هذا السؤال، في حين ستتباين الأجوبة عند آخرين. قد يعرف المرء قيمة الوطن عند لقائه بمهجّرين أجبروا على ترك بلادهم واللجوء إلى بلدان أخرى. هذا في الواقع ما حصل معي إثر لقاءاتي المُتكرّرة مع فتية عراقيين مُهجّرين، وسماعي لمُعاناتهم، بعد أن لجأوا إلى الأردن منذ أعوام عدّة هرباً من يد الإرهاب.
إستكملت - من دون وعي - رحلة اكتشاف معاني الوطن المدفونة ليس فقط في داخلي، بل في داخل كل إنسان ولِد وتربّى في بقعة من بقاع الأرض، وأكل من خيرات أرضها، وجنى عرق جبينه فيها، وكانت له بمثابة حضن الأمّ الذي مهما جال أو عاش في مكان آخر على وجه الأرض تبقى هي الحضن الحنون الذي لا يلقى الراحة إلا فيه.
فقد ذهبت في وقت سابق لوداع إحدى الطالبات العراقيات في المجموعة التي كنت أدرسها اللغة الإنكليزية، حيث كانت قد أخبرتني بأن كافة العائلات التي كانت تعيش معاً في نفس المكان في عمّان سيتم تهجيرها إلى أستراليا ، بعد أن كانت الحكومة الأسترالية سبّاقة في استقبال حوالى إثني عشر ألف مُهجّر، في وقت كان ينتظر هؤلاء العراقيون رداً من الأمم المتحدة حول ترحيلهم إلى إحدى الدول الأوروبية.
ليس علينا أن نكون مُهجّرين لتصوّر الوضع النفسي لشخصٍ أُجبِرَ على ترك وطنه قهراً، فهو في غالب الأحيان قبل أن يصبح لاجئاً مغترباً، يكون نازحاً حطّ به الترحال في مدينة أو بلدٍ آخر، حيث تتملّك المُهجّر مشاعر مريرة حول كونه مرغماً على العيش في عالم قد لا يشبه موطنه الأصلي قط، وعلى تعلّم لغة وأساليب تعبيرية وعادات وثقافة جديدة. وقد تشعره هذه العوامل مجتمعة بأن هويته في زوال.
لا تقتصر الحال على ذلك، بل ينتاب المُهجّر خوف من المجهول، فهو إذ يلجأ إلى بلد آخر غير موطنه إنما يسعى إلى إيجاد حياة أفضل توفّر في حال العراقيين – كما هي الحال لدى السوريين وغيرهم – الأمن والاستقرار، وهما حقان أساسيان يُعتبران لدى الكثير من الشعوب من الأمور المُسلّم بها. أضف إلى ذلك قلق المُهجّر من مدى تقبّل المجتمع المُضيف له، فيخشى الرفض أو الإهانة، كما يأمل بأن ينصهر في المجتمع كي لا تعود فجوة الاختلافات كبيرة.
فمفهوم الوطن سيختلف بين أولئك الأشخاص الذين اعتادوا العيش والتنعّم بكافة المنافع الوطنية وعلى رأسها الأمان وأولئك الذين تعرّضوا للقمع والظلم وحُرِموا حقّ المعيشة فيه.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]