إلياس إيزولي يجسّد الطفولة السوريّة المُنكسِرة
تعلّم إيزولي الفن بنفسه منذ صغره، وأقام أول معرض فني إفرادي له وهو في الــ 17 في "المركز الثقافي الروسي" في دمشق، وضبط إيقاعات عمله بالتجربة والخبرة والإطّلاع والتفاعُل مع الفن الآخر، ونمت لديه جرّاء ذلك إمكانية التحكّم باللون، والسيطرة على الموضوعات.
في معرضه الفردي بعنوان "سبع سنوات"، يُقدّم الفنان السوري إلياس إيزولي مجموعة من الأطفال المُنكسرين، المحنيي الظهر تعبيراً عن واقع الأطفال الناشِئة السوريين، ومُعاناتهم في ظلّ الأحداث التي تشهدها سوريا منذ نحو سبع سنوات.
تعتري اللوحات مسحة من الحزن، يُضيف إلى حزنها حال الفراغ والوجوم الظاهرة في عيون الأطفال، وفي تعاطيهم مع أشيائهم الحميمية بشيء من البُعد الذي يخفي القلق، والريبة من مجهول يكاد يكون معروفاً أنه مجهول كل حرب، ومعلوم بنتائج كل الحروب.
يستضيف غاليري "أيام" في بيروت المعرض، وفيه 12 لوحة من الحجم المتوسّط، ألوان مُتراوِحة بين الساكِت، والبرّاق بشفافية، وبانطباعية تعبيرية واضِحة، ومباشرة، لعب الفنان في بعضها لعبة استكمال لوحة للمشهد بلوحة ثانية كما في المشهد المُتصدّر للصالة، حيث تتأمّل فتاة طابتها، وهي مُلتصِقة بكرسيّها كأنها في الأسْر، ترنو إلى لعبتها، ولا تستطيع نيلها، أو لا تريد ذلك، لتشي بأن حياتها ليست على ما يُرام، ولعبتها ليست بمُتناولها بسبب غموض ما يجري حولها.
لوحات
لوحات إيزولي شاءها بلا عنوان، وإلى لوحتيّ الطفلة والطابة، لوحة دهشة أول سلسلة المعرض، يتغطّى وجه الطفل فيها بما يُشبه الحروق الزرقاء، لكنها ليست حروقاً، وهي تفصل بين عقله وجسده، وقُربها لوحة بوجهين، واحد للدهشة كما جاره، والثانية بوجه ملتف بحبال الصمت والتسكيت القسري، والأسْر بالقوّة.
ثم البنت التي تُعاين ركبتها التي تأذّت في اللعب، فخدشت، ولا تجرؤ على التحرّك، كأنها هي أيضاً في أسْر غير مرئي، يُكبّلها من داخلها لكن الأصفاد غير ظاهرة. ثم لوحة لعبة الحصان التي يقودها الطفل.
ثم لوحتان لوجه واحد، يسودهما التساؤل، والغُربة، بتشكيل لوني مُتماهٍ مع اللوحات السابقة لجهة توزيع الألوان وخدمتها بشفافية، وتغيير أدوار، بما يُشبه التكرار في التنوّع.
لوحتان أخريان متجاورتان تُعبّران عن تمسّك الطفل بلعبته التي يمكن أن تفلت منه، وتضيع في متاهة الحروب. إنه عالمه الكبير، المُعبّر عنه في لعبه، في عالم صغير، هو عالم الحروب الكبيرة.
لوحات إيزولي يُعبّر بها عن نفسه، وعن تجربته الطفولية، يستخدم فيها ما اختزنت ذاكرته من أشياء طفولية كالطابة وشختورة الورق ولعبة القماش، ويستدرجها للراهِن من التطوّرات، ليبني منها مُعاناة الطفل انطلاقاً من شعوره الخاص.
لوحات تعبير عن شعور كل إنسان، ففيها طفولة عامة، تتركّز أساساً في عُمر السبع سنوات، وتتردّد في كل الأشخاص والنفوس. الألعاب، والأشياء مُتكرّرة في الزمان الماضي والحاضر، كلما عاينها المُشاهِد، عادت إليه طفولته، وشعوره البريء، الواسع الآفاق بوسع حلمه ومخيّلته.
احترافيّة إيزولي في ضبْط الأشكال والألوان التي تُعبّر عن مُبتغاه، واضحة في اللوحات، يُقدّمها وفقاً لمنظورها الآني، في الموقع الزماني والمكاني التي تقوم فيه، وتتنوّع المشاهد، وحركاتها، لكن الجامِع بينها الانكسار، والقلق، والحزن الذي يكسر رتابته اختيار ألوان تخفّف من وطأة الأسى على المُشاهِد.
تعلّم إيزولي الفن بنفسه منذ صغره، وأقام أول معرض فني إفرادي له وهو في الــ 17 في "المركز الثقافي الروسي" في دمشق، وضبط إيقاعات عمله بالتجربة والخبرة والإطّلاع والتفاعُل مع الفن الآخر، ونمت لديه جرّاء ذلك إمكانية التحكّم باللون، والسيطرة على الموضوعات. وبذلك يُلاحَظ أن ألوانه تتوزّع بدقّة في أقسام اللوحة، خالِقة حجماً وُبعداً مُتناسبين للوحة.
إيزولي من مواليد دمشق عام 1976، وعرض أعماله بشكل مُنتظِم منذ العام 1993، بينما شارك في معارض فردية لدى غاليري "أيام"، إن في بيروت أم في دبي، بين أعوام 2010 و2016.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]