بناء الرسائل الإعلامية

ما هي العناصر الأساسيّة لبناء الثقافة الإعلامية الرقمية؟

  • بناء الرسائل الإعلامية
    بناء الرسائل الإعلامية

من المهمِّ جدًّاً أن يمتلك الفرد مهارة بناء الرسائل الإعلاميّة، وأن تكون هذه المهارة مبنيّة على هدفٍ مُعيّن يُريدُ من خلالها الفرد إيصال رسالةٍ مُعيّنة هادفة، مع الأخذ بعين الاعتبار القدرة الذهنيّة للفرد المُتلقّي لرسالته، وكيفيّة تفهّمه للمواضيع المطروحة، من خلال تفهّمه العميق لوجهات نظر الآخرين، ومدى تأثير طرح القِيَم عليهم من خلال الوسائل الإعلاميّة. هذا ويقَع على عاتق الإنسان المُثقّف إعلاميّاً تزويد المجتمع بأكبر قدرٍ من المعلومات الصحيحة، أو الحقائق الواضحة، إذ من مهامه تثقيف الأفراد، ونشر الأخبار والمعلومات الصادقة التي تنساب إلى عقولهم بالطريقة البنّاءة والهادفة. وهكذا، من مهام الثقافة الإعلاميّة مُخاطبة عقول الناس لا غرائزهم.

إذ يُعتبَرُ الإعلام أيضاً شريكاً حقيقيّاً في تكوينِ الأدوات الفكريّة، والقِيَم الفاعلة في إطار الثقافة وانتشارها، ونشر المعرفة، وهو مساهمٌ  فعّال في التقدّم الحضاري، ومواكبة التطوّر؛ وتبعاً لأهميّة الثقافة الإعلاميّة، التي ترصدُ بدورها النشاطات الثقافيّة المُتنوّعة والمختلفة وتقوم بنقلها من الفاعل إلى المُتلقّي عن طريق الوسائط الإعلاميّة المعروفة عبر وسائلها المُتعدّدة، فإن مهمّتها الأساسيّة هي مُخاطبة الناس، ونقل الحقائق لها أكانت اجتماعيّة، أم فنيّة، أم سياسيّة، أم تكنولوجيّة، أي مهما كانت طبيعة هذه الحقائق.

كما إنّ الإعلام وسيلة لنشر الأخبار والمعلومات بكافّة أنواعها، والتي تعني كافّة البشر. لذلك، على الإنسان المواكِب لمهارات العصر أن يعيَ تماماً الوسيلة الإعلاميّة التي يريد أن يستعملها لإيصال الرسائل التي يريد توجيهها مهما اختلفت أنواعها، أكانت تسويقيّة، أم لنشر معلوماتٍ تخدمُ البيئة، أم الصحّة، أمْ أيّ قطاع يهتمّ به الأفراد. من هنا، تنوَّعت الخدمات التي يُقدُّمها الإعلام، لا سيما وأنّ دُوَل العالم تعتمد بشكلٍ كبير على وسائل الإعلام المختلفة للتعبير عن مواقفها السياسيّة تجاه الغير، أو لنشر السياسة التي تريد أن تطبّقها في البلاد. لذلك، على الفريق المُختصّ أن يختارَ الوسيلةَ الأفضل لإيصال الرسالة السياسيّة، ولا سيّما ما تتضمنّه هذه الرسالة من القضايا العالميّة والمحليّة على حدٍّ سواء.

عِلماً أننّا اليوم لم نعد اليوم نُنافس محليّاً فحسب؛ لقد اختلفت معايير المنافسة بشكلٍ كبير، وأصبحنا ننافس على الصعيد المحلّي، والإقليمي، والعالمي، لأنّ العولمة جعلت من الكوكب كلّه قريةً كونيّةً صغيرة، إذ أصبحت الخطّة التنافسيّة لدى الشركات والمؤسّسات خطّة مُعقّدة وصعبة، وهذا ما فرض عليها اعتماد الوسيلة الإعلاميّة الأفضل للوصول إلى الهدف المرجوّ ويعود اعتمادها في ذلك إلى انتشار وسائل الإعلام بشكلٍ كبير، واتّساع دائرة المُتابعين، مع اعتماد الوسيلة الإعلاميّة الأفضل لها، ما يعود عليها بالنفع الكبير في الترويج لمُنتجاتها.

ولقد تطوَّرت الوسائل الإعلاميّة نتيجة التطوّرات الحاصلة في العالم، لا سيّما التكنولوجيّة منها، وأصبحت وسائل الإعلام تحتوي على العديد من البرامج المختلفة التي تساهم بدورٍ إيجابي أو سلبي في عملية تثقيف الجمهور بحسب طبيعة اعتمادها من قِبَل المعنييّن، فضلاً عن أنّها تلعب دوراً أساسيّاً في عمليّة توجيه الجمهور في العديد من الأمور الصحيّة، والتكنولوجيّة، والبيئيّة، وغيرها. وهذا بدوره ساهم في إلغاء كافة  الحدود الزمنيّة والمكانيّة من خلال الوسائل الإعلاميّة الرقميّة، إذ تمكّن العالم من الانصهار في بوتقةٍ واحدة، تعيش فيها المجتمعات في نمطٍ موحَّدٍ لتتجسَّد في العولمة الثقافيّة في أبعد معانيها وأصعب أشكالها، لا سيّما أنّه، مع هذه العولمة، سقطت الخصوصيّات المحليّة والاختلافات الجوهريّة بين الشعوب التي نتجت منها العولمة الثّقافيّة ووسائل الاتصال الرقميّة، وهي ظاهرة مُتعدِّدة الأبعاد. فهي سياسيّة، وأيديولوجيّة، واقتصاديّة، وثقافيّة؛ وبما أنّنا في عصر عولمة الأشياء كالسلع، والخدمات، والأموال، والمعلومات، يمكننا عولمة الأشياء المُجرَّدة كالأفكار، والأعراف، والممارسات السلوكيّة، والأنماط الثقافيّة.

وعليه، لقد أثّرت هذه الظاهرة على الاتصالات بين الشعوب، لأنّها تشمل ثورتين، تمثّلت الأولى في وسائل النقل والمواصلات. أمّا الثانية، فتمثّلت في تكنولوجيا المعلومات والاتصال. حقّقت تكنولوجيا الإعلام والاتصال التغيير الأكبر في العالم؛ فلم يعد للحواجز المكانيّة أيّ وجود بين أطراف العالم، وأصبحت المعلومات مُتاحة لكلِّ فردٍ في العالم بفضل الثورة الرقميّة. من المعروف أنّ العولمة الثقافيّة ترتبط بشكلٍ مباشر بوسائل الإعلام، فنجد أنّ انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي قد أحدث تغييراً جوهرياً في البنى الأساسيّة للفكر الإنساني. فهذه المواقع تؤدّي دوراً كبيراً في التأثير على سلوكيّات الشباب، وتوجّهاتهم، وأفكارهم، وأدخلت بعض التعديلات على طُرُق حياتهم، وكيفيّة تعاطيهم مع محيطهم الاجتماعي. من هنا، تزداد أهميّة المهارات الرقميّة التي من السهل جدّاً استثمارها بالطُرق المُثلى لإيصال الرسالة التي نريدها، لأنّ الآليّات العولميّة أدَّت إلى خلق نوعٍ من الخبرات المُتقاربة أو المُشتركة بين أفراد المجتمعات المختلفين.

والجميع يعلم بأنّ وسائل الإعلام تعتبر عبر العصور محوراً أساسيّاً تجاه القضايا الاجتماعيّة والثقافيّة، إذ تتميَّز بسرعتها في نشر المعلومات؛ ومع تطوّر طرائق الاتصال وظهور وسائل الإعلام الرقمية، أصبحت مهارات الثقافة الإعلاميّة من الأساسيّات التي على الأفراد امتلاكها.

كما أنّ الوسيلة الإعلاميّة تغيَّرت وتغيَّرت معها الأهداف والغايات. فالوسائل الإعلاميّة اليوم تحمل في طيَّاتها قِيَماً ثقافيّة واجتماعيّة لتعبُرَ بها الفضاءات المفتوحة؛ وبما أنّ القِيَم الثقافيّة والاجتماعيّة هي مصدر قوّة وتميّز لأيّ شعبٍ من الشعوب في إثبات وجوده من ناحية البناء الوظيفي والاجتماعي، أصبح من الضروري جدّاً الاهتمام بتنمية هذه الثقافة لدى الجيل الحالي وأجيال المستقبل، لا سيّما أنّ القِيَم التي يمتلكها الأفراد هي المؤشّر على المستوى الحضاري لأيّ مجتمع. لا سيما وأنّ الإعلام الجديد يسعى بكافّة وسائله الاتصالية إلى تزويد الجمهور بالمعارف والمعلومات، سواءً كانت مُستحدثة أم قديمة.  لقد جعلت هذه الوسائل الرقميّة من العالم قريةً صغيرة عبر شاشاتٍ ذكيّة تزوّده بالمعلومات تارةً وتغيّر من أفكاره وسلوكه تارةً أخرى. ولقد تعدَّدت وسائل الإعلام الجديد وتنوَّعت نتيجة التطوّرات التكنولوجية التي عرفتها البشرية، وترافق ذلك مع بروز وسائل جديدة للإعلام والاتصالات، نذكر أهمّها:

وظيفة تفاعلية: لقد أثّرت تكنولوجيا الإعلام والاتصال الجديدة بشكلٍ كبير في عملية الاتصال وظهور مفاهيم جديدة كتكنولوجيا الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، وأصبحت قريبة جدّاً من الجمهور من حيث الاستعمال والتحكّم في تقنياتها المُتطوّرة، والدور الكبير الذي تؤدّيه في تحقيق رغبات هذا الجمهور، مُغيّرةً مفهوم التواصل بين المُرسِل والمُتلقّي. فقد كان الإعلام التقليدي الوحيد المخوَّل بإرسال الرسائل إلى الجمهور، بينما أعطى الإعلام الحديث للمستقبل فرصة الرد، والمشاركة، والتفاعُل مع المرسِل.

وظيفة نقل المعلومات: تسعى الوسائل الرقميّة إلى تثقيف الجمهور من خلال العمليات الاتصالية التي تنقل له من خلالها المعلومات، والأفكار، والمعارف بواسطة الرسوم البيانية والصوَر، والفيديوهات المصوَّرة، مُستثمرةً بذلك كافّة الوسائل المُتاحة لها والتي تخدم الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، إذ للتثقيف أثرٌ كبير في تشكيل الاتجاهات النفسية، والرأي العام؛ ولذلك، يُركِّز الإعلام الجديد كل اهتمامه في استثمار هذه الوسائل الرقمية على إعادة بناء القِيَم والثقافات بما يتّفقُ وحاجات المجتمع.

وظيفة التكوين والتدريب: استفادت المؤسّسات الرسمية والخاصة على حدٍّ سواء من هذه النقلة النوعية للإعلام الرقمي لأنّها سهّلت عليها الكثير في نقل المعلومات والأفكار عن طريق العالم الافتراضي من أجل رفع كفاءة الفرد أو العامل لديها، والهدف الأساس لهذه العملية هو نقل المعرفة للأفراد بالوسيلة التي تخدمُ الهدف الأساس للمنظّمات، وهو تنمية مهارة التفكير الناقد لدى الأفراد، وتدريبهم على خلق أفكارٍ جديدة، ووضع خططٍ مُسبقةٍ لحلّ المشاكل التي قد تطرأ في المستقبل.

إذاً ما هي العناصر الأساسيّة لبناء الثقافة الإعلامية الرقمية؟

الجمهور المُستهدف: إنّ دراسة اتجاهات الجمهور، وعاداته، وسلوكيّاته من الأساسيّات في بناء الرسالة التي نريد إرسالها، آخذين بعين الاعتبار الوقت المناسب للإرسال، مع تحديد الوسيلة الرقمية المناسبة لمضمون الرسالة في إيصال الفكرة بوضوحٍ تام إلى الجهة المُستهدَفة.

الرسالة: من الضروري جدّاً دراسة مضمون الرسالة، وتحديد الفكرة التي نريد طرحها والهدف منها، وتحديد عناصر المعرفة التي تخدم هذه الرسالة، أيّ بطريقةٍ تثير انتباه الجمهور المُستهدف من خلال طريقة عرض الموضوع من دون استعمال التهديد والتخويف أو كلامٍ غير لائق، بل بطريقة مُحفّزة تُحاكي وتُلامس مشاعر المُتلقّي لها، وتجذب انتباهه.

الوسيلة: اختيار الوسيلة التي نُريدُ من خلالها إيصال الرسالة أمرٌ في مُنتهى الأهمية. فمع تعدّد هذه الوسائل، وتعقّدها، وتطوّرها، يُعتبَر اختيار الوسيلة المناسبة الأساس في إيصال الفكرة بالمستوى المطلوب.

صدى الرسالة: يجب أن يكون هناك تبادلٌ بين التأثير والإجابة، لا سيّما أنّ هذه المنصّات الرقمية تقوم بعملية تحويل الأفكار المُجرَّدة إلى عملية بناءٍ ونشرٍ إلكتروني يكتسحُ الفضاء الرقمي عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

إنّ الثقافة هي إذن عبارة عن تفاعلاتٍ مشتركة بين أفراد المجتمع، وانعكاسٌ للقِيَم، والعادات، والتقاليد، وطريقةٌ للتعبير عن الأفكار التي من خلالها تظهر جودةُ الحياة في المجتمع. بما أنّنا نمتلك في مجتمعنا اليوم العديد من الوسائل الرقمية والتكنولوجيّة للتواصل، على التعليم العالي مساعدة الفرد من خلال مناهجه وبرامجه على امتلاك الوسيلة التي يُحقّق من خلالها هدفه المنشود؛  ولتحقيق ذلك بكفاءةٍ وفاعلية، لا بدَّ من إدخال التكنولوجيا على كافّة الاختصاصات في التعليم العالي ليتمّكن الفرد من مواكبة كافّة التطوّرات الحاصلة في المجتمع.