بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس

يضم "حيّ المهاترة" في طرابلس باقة من المنازل المرموقة منها "قصر عدرة" و"قصر النملي".. تعالوا لنتعرف إلى تاريخهما وهويتهما المعمارية.

  • بيت عدرة من الخارج
    بيت عدرة من الخارج

من التلّ المُطلّ على طرابلس، مكشوفاً على البحر في آفاقه البعيدة، والذي يُعرَف بتل أبي سمراء، اتّخذت أهمّ عائلات المدينة مكاناً للإقامة لحُسن المنظر، قبل انتشار الأبنية الحديثة الفارِعة فباتت تحجب البحر عن الناظِر.

أبرز الأحياء ما يُعرَف بـ "حيّ المهاترة" الذي يضمّ باقةً من المنازل الجميلة والمرموقة، ومنهما بيتان شهيران لدى الطرابلسيين، يُسمّونهما "قصر عدرة" و"قصر النملي". 

تتَّسم هذه الأبنية بمواصفات جودة البناء، والزخارف المُنَمَّقة، وأسلوب العمارة الذي يمزج الهندستين العثمانية بالإيطالية مع الحفاظ على الروح المحلية، كشبابيك "الفيتراي" المتوأمة والملَّونة، ووظيفتها الاستغناء عن الشُرفات في حُقبةٍ لم يكن الظهور المُعْلَن مرغوباً من المجتمع.

قصر عدرة

  • بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس
    بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس
  • بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس
    بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس
  • بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس
    بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس
  • بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس
    بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس
  • بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس
    بيوت تراثية تحاكي القصور وتختزن ذاكرة طرابلس

أنشأ القصر الشيخ جميل عدرة، الوجه المُحبَّب على قلوب الطرابلسيين، وقام المبنى على ثلاث طبقات، وتوزَّعت كل طبقة على شقيق، حيث كانت فروع العائلة الواحدة تتعايش في المبنى عينه، مُحافظة على الروابط العائلية. 

وتؤكِّد شذا، إبنة الشيخ جميل، المُتخصِّصة في التاريخ الحضاري، أن البناء قام فوق طبقة من الأبنية الأقدم أوائل القرن العشرين، وتذكر أن الحياة العائلية قامت داخل المبنى في مختلف طبقاته، وكان الأهل يتشاركون جوانب مختلفة من الحياة مع احتفاظ كل بيت بخصوصيّته التي تختلف عن الآخر بالاهتمامات والتوجّه.

وركَّز الشيخ جميل على الاهتمام الثقافي والتربوي والإرشادي، وعمل مُعلِّماً بين 1920 و1931 في مدارس محلية، وأسَّس مع آخرين المدرسة الشهيرة التي نافست الإرساليات الوافِدة، وعُرِفَت ب "دار التربية والتعليم الإسلامية" التي خرَّجت رعيلاً من المُتعلِّمين والمُثقَّفين على العلوم الحديثة.

أما شقيقه بشير فقد انصبَّ اهتمامه على الفنون التي طبَّق منها في منزله، ومن هنا جاء الاختلاف بين بيتٍ وبيت، وطبقةٍ وطبقة.

وتولّى بشير بنفسه تزيين جُدران منزله، وسقفه بالألوان، والخطوط الجميلة الأقرب إلى الطابع الإيطالي، بحسب شذا عدرة، التي لفتت إلى أن هذا الطابع وفد إلى لبنان من بعد الاتفاقيات التي عقدها الأمير فخر الدين مع توسكانة في القرن السابع عشر، وجلبت الاتفاقية تأثير النمط الهندسي الإيطالي في العمارة المحلية، الظاهِر على أبنيةٍ كثيرةٍ أخرى.

المنزل بسيط في توزّعه واتّساعه، فمن الباب، فسحة طويلة تنقسم إلى مدخل هو غرفة جلوس واسعة نسبياً مُقارنة مع غُرَف المداخل الحديثة، وردهة (صالون) الاستقبال يفصلها جدار وباب واسع، ويُشكّل الامتداد الذي يزيد على 12 متراً موزِّعاً للغُرَف، يميناً، غُرَف النوم، ويساراً غُرَف المطبخ، والسفرة، والحمَّامات، أما السقف فمُرْتِفع زهاء 4 أمتار. 

تكاد جُدران الإسمنت تنعدم في فسحة المدخل، لتحلّ محلّها أبواب، ونوافذ على ارتفاعاتٍ عالية، مُزْدانة بالألوان البرَّاقة، والخطوط المُتناسِقة. أما ردهة الاستقبال فتمتاز بواجهة ثلاثية الأضلاع، وكلها نوافذ مُنْفَتِحة على الخارج، لكنها معزولة بالزجاج المُلوَّن، والمُحجَّر غير الشفَّاف. 

أرضية المنزل بلاط موزاييك مُزَرْكَش تقليدي يكاد يكون مُنقرِضاً أمام صناعة البلاط الجديدة.

انتقل آل عدرة من "حيّ المهاترة" إلى أحد الأحياء الحديثة أوائل الخمسينات، بعدما بلغت المدينة من الحداثة مراحل مُتقدِّمة، عِلماً أنه سكنت "حيّ المهاترة" أبرز العائلات الطرابلسية العريقة كالذوق، والمقدّم، وكرامي، وكبَّارة، وميقاتي، وفتَّال، وزيادة، ومنلا وسواهم.

بعد خروج آل عدرة من "المهاترة"، استثمروا بنايتهم بتأجير سكان آخرين وفدوا من المناطق المجاورة، وبعد أن أصبح البيت غير مستوفٍ لشروط الحياة العصرية، وقد طاله الكثير من التآكل، والتشقّق، تركه المُستأجرون مع محافظتهم عليه، يرتادونه في المناسبات، ويقضون كل شهر رمضان فيه لِما يستذكرونه من حياةٍ جميلةٍ وهادئةٍ أمضوها فيه لسنواتٍ طويلة.

قصر النملي

  • قرميد قصر النملي المُزَخْرَف
    قرميد قصر النملي المُزَخْرَف
  • سقف قصر النملي
    سقف قصر النملي
  • مدخل القصر
    مدخل القصر
  • أرضية أرابيسك مُستجِدَّة
    أرضية أرابيسك مُستجِدَّة
  • فيتراي مزدوج في النملي
    فيتراي مزدوج في النملي
  • زخارِف في زاوية سقف النملي
    زخارِف في زاوية سقف النملي

ليس بعيداً من "قصر عدرة"، يقع "قصر النملي" في أعلى طلعة الرفاعية، ويعود بناؤه إلى نهاية القرن التاسع عشر. المعلومات عنه ضئيلة. في الداخل، مُزدان بزخارِف تزيِّن سقف الطابق الثاني، على الطراز اللبناني المُتأثِّر بالعمارة الأوروبية، فالقناطر الثلاثية تُجسِّد العمارة الإيطالية التي أتت من فينيسيا، أما قرميده فمُستورَد من مدينة مرسيليا الفرنسية الشهيرة بصناعة القرميد. 

في حين أن توزيعه الداخلي عُثماني حيث تتوسَّط المنزل قاعة مركزية تنفتح على يسارها ويمينها غُرَف النوم المُتعدِّدة.

يعتقد أحد مُستخدمي المنزل - القصر، أن هذه المنطقة سكنتها غالبيّة مسيحية منذ زمنٍ ليس ببعيدٍ، والدليل أن شبابيكها، وشُرفاتها مفتوحة للطُرُقات، بينما المدينة الإسلامية اعتمدت طريقة مختلفة في البناء. 

كما أنه تظهر رسومات في سقف القصر، تدلّ على أنه ليس مبنى إسلامياً، منها رسوم عناقيد العنب، أو إكليل من الزهر، محمولة على يد ملائكة.

القصر بُنيَ على ثلاث مراحل، من ثلاث طبقات، جرت عليه إضافة، وكان مُنفصلاً عن الطريق العام. لكن الطريق العام الآخر الذي يمرّ لجهته الخلفية لم يكن موجوداً سابقاً. 

تُعرَف المنطقة بأنها "عقبة النملي"، لكن لا يوجد أحد هنا يحمل هذا الإسم. يقول مالكه الحالي من آل مقداد السوري، إن "البناء كان بملكيّة شخص من آل بيضون، ونحن اشتريناه منهم منذ نحو 27 سنة والغاية أن ننشىء منطقة استثمارية على طريقة سوق جبيل التُراثي، وكنت أنوي تفريغها من السكان، وأحوّلها إلى سوقٍ حِرَفيةٍ، لكن الأحداث والتطوّرات عرقلت المشروع، كذلك غياب التشجيع من قِبَل البلدية".

انتقلت ملكيّة القصر بعد ذلك إلى شُراة جُدُد بعد وقوع المالك بخسارةٍ كبيرة، وجرت عليه عمليات ترميم وتصليح كجلي الأرض، وإزالة المُتكسِّر من بلاط الرخام، مع المحافظة على طابعه التُراثي.