معالم رومانية.. تاريخ في الشرق
في طول لبنان وعرضه ينتشر العديد من المعالم الرومانية، ما يؤشِر إلى تاريخ المنطقة على امتداد حُقَب طويلة.. تعالوا لنتعرف إلى بعض هذه المعالم.
من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن الشرق البقاعي إلى غرب سلسلة جبال لبنان الغربية، ينتشر العديد من المعالم الرومانية، يؤشِر إلى تاريخ المنطقة على امتداد حُقَب طويلة لمئات السنين، في ظلال امتداد الإمبراطورية الرومانية التي جعلت البحر الأبيض المتوسِّط بُحيرة رومانية.
يجمع بين هذه المعالِم طابعها البُنياني، وأعمدتها، وفخامة بُنيانها، وزخارِفها، ومنحوتاتها، منها ما أُصيب بأضرارٍ بالغة، ومنها ما يزال مُحافِظاً على طابعه، حامِلاً مُميِّزات تلك العمارة الضخمة.
من أبرز هذه المعالِم المعابِد التي لا يمكن الانطلاق بها إلا من آثار بعلبك في البقاع، وقلعتها التي تُعْتَبَر الأهمّ ليس على مستوى لبنان فحسب، وإنما على صعيدٍ عالمي.
البقاع
المَعْلَم البعلبكي هو مجمع مُكوَّن من ثلاثة صروح رئيسية هي معبد "جوبيتير"، ومعبد أصغر حجماً نُسِبَ إلى "باخوس"، ومعبد مُستدير نُسِبَ إلى "الزهرة". أكبر المعابد هو "جوبيتير"، تشتهر منه الأعمدة الستة الضخمة التي ما زالت ماثِلة للعيان والتي يبلغ ارتفاعها 22 متراً، وقد استغرق بناؤه أكثر من ثلاثة قرون، وتعاقب عليه عدَّة أباطرة.
وهيكل "باخوس" بُنيَ بمُحاذاة الهيكل الكبير، في القرن الثاني بعد الميلاد، ويُعْتَبر من أفضل الهياكل الرومانية نقوشاً، وزخارِف.
ثم يأتي هيكل "الزهرة" عند الجنوب الشرقي من القلعة، وهو صغير مُستدير، وفريد بهندسته وتصاميمه في كل أرجاء الإمبراطورية الرومانية وبُنيَ في القرن الثالث.
وفي البقاع، معبدا نيحا، الكبير منهما بُنيَ قرب نهر نيحا في القرنين الثاني والثالث، تتقدَّم مدخله أعمدة كورنثيّة، وفيه الكثير من المعالِم الأثرية الهامَّة، ويُقْسَم قسمين، الصحن الذي احتشد المؤمنون به، وقُدْس الأقداس، واللافِت الاتجاه المُتعامِد للمعبدين، أي كل منهما باتجاه.
وفي تمنين الفوقا، في البقاع أيضاً، موضِع يُعرَف ب"عين الحبش"، أو "عين الجبّ"، تسميتان تُطلقان على معبدٍ روماني خُصِّص تكريماً لإلهة المياه المُتَدَفِّقة التي نُقِشَت صورتها على نُصُبٍ حَجَري.
ووسط الفرزل، بقايا معبد روماني، تظهر أساساته، وتنتشر حوله بقايا حجارة مُزَخْرَفة. بُنيَ المعبد على الطريقة الكورنثيّة، وكُرِّس لعبادة الإله "أبولون".
فقصر نبا الذي يعود إلى العصر الروماني، ويقع في أعالي بلدة قصر نبا، بُنيَ على دكَّة ما تزال ظاهرة، ويتَّصف بمواصفات المعابد الرومانية الأخرى. وعلى بُعد كيلومتر ونصف الكيلومتر تقع "وادي الحبيس" المؤلَّفة من عددٍ من المغاوِر تُطلّ على بقايا مقالِع رومانية منحوتة حوَّلها القُدماء مدينة خيالية محفورة في الصخور.
الشمال
من أقاصي الشمال حتى جنوبه تنتشر عدَّة معابِد رومانية، أوّلها "الحصين" الواقع غرب بلدة أكروم قريباً من الحدود اللبنانية-السورية، على تلَّةٍ خضراء ترتفع حوالى 70 متراً عن البلدة، لتُشكِّل موقعاً يُشرِف على بحيرة حمص من الجهة الشمالية الشرقية، وعلى وادٍ يُعرَف بوادي السبع غرباً، وعلى باقي قرى جبل أكروم شمالاً، وفيه قلاع، وحصون، وهياكل تعود إلى الحُقبات اليونانية والرومانية، أشهرها معبد من قسمين: الأول من الجهة الشمالية، ويضمّ غرفة التقادُم للآلهة، أو المذابح، وينتهي غرباً ب "تشيلا"، أو "قُدْس الأقداس"، وفيه مدخل يتكوَّن من قنطرةٍ حجارتها ضخمة، ترتفع حوالى ثلاثة أمتار، وما تزال قائمة إلى الآن.
السفيرة
على مُنْحَدر جبلٍ يعلو بلدة "السفيرة"، أقاصي الضنية، وعلى ارتفاعاتٍ تتراوح بين1100 و1350 متراً، تنتشر بقايا مجموعة أبنية رومانية لمعابد وحصون تُكمِل واحدتها دور الأخرى، وتُرجِع الأبحاث التاريخية فترة بنائها إلى مرحلة حُكم عائلة سفيروس الرومانية، أي بين القرنين الثاني والثالث للميلاد.
وفي المُستندات الرسمية في وزارة الثقافة، يُعْتَبَر مُجمَّع السفيرة الديني من أوسع المُجمَّعات الدينية في لبنان، فهو يتألَّف من ست بُنى رئيسية.
اسْتُخْدِمَت هذه المواقع والحصون للتواصُل بالنار مع مواقع أخرى مُتقابِلة لكن بعيدة، وبشيفرات مُحدَّدة من أجل تواصُل القوات والوحدات التابعة للسلطات الرومانية.
قصر الناووس
معبدان رومانيان يقعان طرف بلدة عين عكرين فوق كوسبا الكورانية، يُناهِز ارتفاع الموقع الستماية متر عن سطح البحر، ويُطلُّ على مسافاتٍ بعيدةٍ بثلاثة اتجاهات.
أحدهما كان مُكْتَمِل البناء، وأُصيب بأضرار تقادُم زمنية، والثاني إما مُدَمَّر، أو غير مُكْتَمِل البناء. يدرج الأب لامانس الموقع في كتابه "تسريح الأبصار"، تالياً بعد بعلبك من حيث الضخامة والأهميّة.
بزيزا
ليس بعيداً من قصر الناووس، تقع بلدة بزيزا جنوباً، وفيها جُملة من الآثار أبرزها موقع يُعرَف بــ "سيِّدة العواميد"، وفيه بقايا معبد روماني، تظهر في واجهته الأساسية أربعة أعمدة مُتباسِقة، يُناهِز داخله العشرين متراً مربّعاً، جداره الشرقي مُستدير، ويُرجَّح أنه مذبح المعبد، وفيه فتحات كالشبابيك، وتنتشر فيه بقايا أثرية من أجرانٍ وحجارةٍ محفورةٍ، ملساء مُتداعية من جُدرانه.
يعود بناؤه إلى القرن الأول المسيحي، وتحوَّل إلى كنيسةٍ في القرن الرابع أو الخامس الميلادي، واللافِت أن مذبحه كما مذبح بعلبك، يتَّجه شرقاً علامة على تبعيّته لكرسي القدِّيس بطرس في روما.
صور
تحتوي مدينة صور أقصى الجنوب اللبناني، على مُنشآت مختلفة الانتماء، ومنها الرومانية، من ضمنها قناة مُعلَّقة للمياه، وقوس النصر، وميدان سباق عربات الخيل الذي يُعْتَبر أكبر ميدانٍ في العالم، وفيها الشارع الروماني، والسوق القديم، والبناء المُثمَّن الأضلاع، وسوى ذلك من مُنشآتٍ مُتفَرِّقة.
كما يوجد العديد من المواقع الأثرية الرومانية كالمسارح والمدارج والمدافن المُتناثِرة، كما في جبيل والبترون، وصيدا ومناطق أخرى، إلا أن المُلاحَظ أن المعابد الكُبرى كانت في الداخل، وعلى المُرتفعات.