رنا زيادة.. امرأة من غزة "تُلهم" نساء العالم

فازت بجوائز فلسطينية وعالمية.. ماذا قدمت ابنة غزة رنا زيادة لتصبح من بين 60 امرأة مُلهِمة في العالم؟

  • رنا زيادة.. مُعلّمة من غزة تُلهم نساء العالم

حين شاركت أسرتها مَتْن رسالة تلقّتها عبر بريدها "تمّ اختيارك ضمن 60 امرأة مُلهِمة في العالم"، بدوا جميعهم فخورين، لكنها تفرَّست وجوههم.اعتلتها الدهشة والغرابة. هي أيضاً راودها نفس الشعور. فهذا النبأ يردِها من "مؤسَّسة المرأة العالمية الأميركية". "يقولون أيضاً إنهم يتابعونني بصمتٍ منذ زمن"، كيف ومتى؟. لكن بالنظر إلى الوراء 16 عاماً، تجلَّت الإجابة.

طيلة السنوات الماضية عملت رنا زيادة كمُعلِّمة لمادة الرياضيات للمرحلة الثانوية، ما مكَّنها من التعمّق في تفكير طالباتها والتعرّف على ما يشغلهن ويؤرقهن في هذا العُمر.

وتقول في حديثٍ خاصٍ لـ الميادين الثقافية إنه"في الوقت الذي يتّجه فيه العالم لأن يكون للفتيات دور فاعِل ومهم، وجدت أن ما يسيطر على ذِهن وجهد فتياتي التفكير في المادة العلمية واختيار التخصّص".

وأضافت بصوتٍ ثابتٍ قوي "أؤمِن أن المُعلّم لا يقتصر دوره على تقديم الدروس داخل الفصل فحسب، إنما هو موجِّه ومُرشِد، يترك أثره وقت الأزمات"، لذا قرَّرت الابتعاد قليلاً عن الأرقام والمُعادلات الحسابية.

منذ عامين شكَّلت زيادة فريقاً من طالبتها وأوكلت إليهن مهمّة تجميع أسماء الأطفال الذين يواجهون صعوبات اقتصادية وتعليمية، وبالفعل تمّ تجميع هؤلاء الأطفال للعمل معهم ضمن فريق يُطلِق على نفسه "نحن الأمل". هذا الفريق سيقدِّم الدعم النفسي واللعب للأطفال فترة الإجازة، ويُتيح لهم المُشاركة في فعاليات ومسابقات مُتعدِّدة، أما الجوائز فيها فليست حكراً على الفائز. الجميع سيحظى بهدية، ومع اقتراب العام الدراسي سيتلقّون حقائب مدرسية وأحذية جديدة، وكل ما يلزمهم كي لا يشعروا بأنهم أقلّ من زملائهم.

مع حلول جائِحة "كورونا" أُغلِقت المدارس وتابع الأطفال تعليمهم تقنياً عبر الصفوف الافتراضية، لكن في هذه الفترة الحَرِجة لن يتمكَّن جميع الأطفال من مُتابعة دروسهم بسبب عدم توافر الأجهزة اللوحية في منازلهم وكذلك الأنترنت والكهرباء.

وهنا علَّقت زيادة بالقول: "أنا كأمّ وضعتُ أطفالي مكانهم، تخيّلتهم يواجهون الصعوبات، لم أطق الأمر، وعرفت أنني لن أشعر بالرضا إن لم يحصل هؤلاء على التعليم"، هذه المرة أرادت زيادة أن تغيِّر الدرس لطالباتها.

  • رنا زيادة
    رنا زيادة

بدأن بالتّقصي والبحث عن الأطفال المُحتاجين، كل فتاة بحثت في دائرتها ضمن الأقارب والجيران، وأثناء ذلك كانت مُعلّمتهن تُعدّ على حسابها الشخصي أوراق العمل المطبوعة المُلوَّنة للتشجيع على التعلّم، والرُزَم التعليمية لتعويض الدروس. انطلق الفريق الذي أطلق على نفسه "نحن معك" إلى البيوت لإيصال الأوراق وتوضيح كيفيّة التفاعُل معها وحلّها.

هذا العمل الجماعي الذي قام به الفريقان؛ وما تخلّله من بحثٍ وركض، تواصُل، تعليم، تطوع، رسم الابتسامة على وجوه الأطفال، وأغدق على الفتيات طاقة إيجابية سخّية، بحسب زيادة.

منذ بداية مسيرتها التعليمية أدركت أن حصَّة الرياضيات لا تكفي المُعلّم ليُقدّم كل ما لديه ويتقرَّب من طلابه، لذا سلكت طُرقاً كثيرة وانتهجت أساليب مُتعدَّدة للتدريس، بدءاً بالوسائل التعليمية البسيطة وصولاً إلى مسرح التكنولوجيا.

وتشرح رنا زيادة "اذا التزم المُعلّم بنفس الطريقة التي بدأ مسيرته العملية بها، لن يتمكَّن من الاستمرار، وإن استمرسيكون مُحاطاً بالمَلل والإحباط، والذي بدوره سينعكس على طلابه أيضاً".

زيادة الحاصِلة على درجة الماجستير في مناهج وطُرُق تدريس الرياضيات، عملت على ربط المادة بالواقع، ومع التطوّر التكنولوجي وحمى التواصل الاجتماعي فعّلت "الرحلات المعرفية"، حيث تستثمر هذه الاستراتيجية التربوية المواقع الالكترونية، بعد أن تتم تغذيتها بالمواد العلمية المُتنوّعة، والفيديوهات والمقالات والصوَر، وكل موقع مُفيد من شأنه تدعيم الدروس.

ويتمّ تقسيم الطلاب إلى مجموعات، لينفّذوا مهمّات وتدريبات تمّ تكليفهم بها، وقد استحقّت عليها جائزة "مُعلّمة فلسطين الأولى" من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عام 2017.

ولأن الرياضيات واحدة من المواد التي تحيطها إشكاليات في طُرُق تدريسها، اتّجهت زيادة إلى استيراتيجية التعليم التكامُلي (stem) وهي اختصار لأربع كلمات (علوم، تكنولوجيا، هندسة،رياضيات)، (Science Technology Engineering Mathematic) لتُمكّن طالباتها من البحث والتفكير لحل المشكلات والتعلّم عبر المشاريع.

وأضافت أنه "بفضل هذه الطريقة في التعلّم أمكنني التعرّف عليهن أكثر، وبالمناسبة هذه الأساليب ناجِعة في الكشف عن الشخصيات الخجولة ومنحهن فرصة التفاعُل وبالتالي يزداد تحصيلهن العلمي".

وعلى أثر اتبّاعها لهذه الاستراتيجية فازت بــ "جائزة مؤسّسة التعاون الدولية" (جائزة منير الكالوتي للمُعلّم المُتمّيز) على مستوى فلسطين للعام 2019.

  • رنا زيادة.. مُعلّمة من غزة تُلهم نساء العالم

وتشير زيادة إلى الصعوبات التي يواجهها المُعلّم في غزَّة، فهي مدينة مُثْقلة بالقيود والحروب، إضافة إلى قلّة الإمكانات، انقطاع التيّار الكهربائي عن المدرسة، وضعف الرواتب، إلا أنها تعتبر السماح بانعكاس هذه الظروف على الطالب من دون تدخّل إيجابي من المُعلّم بـ "الظلم"، وأضافت "الإحباطات التي نمرّ بها ليست ذنب الطالب، من حقّه أن يحصل على تعليم جيّد، ومن واجبنا كمُعلّمين أن نحيّد المشاعر السلبية، حتى لا تنعكس على أدائنا ونفسيّة طلبتنا معاً".

لطالما كان وجود زيادة مؤثّراً ومُلْهِماً في البيئة التعليمية، فهي وبشكلٍ تطوعي تنفّذ أنشطة ومشاريع علمية مُستفيدة من تقنيات الواقع الافتراضي وتطبيقات الهاتف المحمول، لتأخذ الطلاب إلى رحلةٍ داخل أجسامهم، وقد استفاد من هذا المشروع نحو 100 مدرسة على مستوى القطاع، وقد حصلت في العام 2014 على جائزتي دولة فلسطين للإبداع والتميّز التربوي، ولهام فلسطين لتوظيفها الرياضيات في الحياة.

  • رنا زيادة
    رنا زيادة

رنا والرياضيات، اختارت كلتاهما الأخرى، وتقول ابنة غزة "أؤمِن أن مَن يُتْقِن الرياضيات، يُتْقِن جميع العلوم الأخرى"، إنها لا تتوقف عن التعلّم والتواصُل لنقل تجاربها وتدريبها أيضاً لزملاء المهنة، فلا عَجَب أن يُدْرَج إسمها عام 2019 ضمن "أفضل 50 معلماً على مستوى العالم" من قِبًل مؤسّسة فاركي، والقائمة تطول بعدّة تكريمات حصلت عليها على مستوى محلي.

بعد كل حصّة تُلقيها رنا زيادة على طالباتها، تقيّم نفسها وتراجع أداءها، تستذكر دائماً جملة أثيرة لمُشرِف الرياضيات الذي حضر الدرس مع طالباتها في الفصل بعد تعيينها في التعليم بشهرٍ واحدٍ فقط " رنا لقد ولدِت مُعلّمة".

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.