عمر ميقاتي يكتب سيرة نزار ميقاتي بعد 100 عام على ولادته

يتهيّأ عمر ميقاتي لإصدار كتاب عن "مشوار" والده مؤسّس المسرح الوطني اللبناني نزار ميقاتي.. فمن هو نزار وما هي أبرز المحطات في مسيرته المهنية؟

  • طابع نزار ميقاتي
    طابع باسم نزار ميقاتي

نزار ميقاتي مسرحيٌّ مُتمرِّسٌ عَلا ذِكرُهُ في الفضل فنّياً، يبعث فيه الضوء إبنه الفنّان عُمر ميقاتي بعد 100 سنة على ولادته، لتكريم هذا الكبير السبّاق الذي ينضوي إلى أحد أوجه الذاكرة الفنية الوطنية اللبنانية.

عُمر ميقاتي يتهيّأ حالياً لإصدار كتاب قريباً عن "مشوار" نزار ميقاتي، ويتمحور الكتاب حول مسيرة الأب المُكْتَنزة، عِلماً بأنّ نزار ميقاتي (1920 - 1984) هو مؤسّس المسرح الوطني في لبنان الذي برز فيه الممثّل الراحل "شوشو" (حسن علاء الدين). 

ووفقاً لأقوال عُمر ميقاتي في حديث مع الميادين الثقافية فإنّ "المسرح الوطنيّ الذي وضَعَ قاعدته نزار ميقاتي كان بمثابة دار الأوبرا اللبنانية بمكانته ودوره وأهمّيته وتأثيره والأصداء التي تجلَّلَ بها. كان يأتي إلى المسرح كبارٌ حينذاك: من شخصياتٍ ثقافية واجتماعية، إلى سياسيين ومسؤولين رفيعي المستوى في المنطقة، إضافةً إلى الفنّانين العرب والأجانب، وأذكر جيّداً حين جاء الفنّان المصريّ عبد الحليم حافظ إلى كواليس هذا المسرح أيضاً". 

ويضيف أنّ الكتاب يشتمل على محطّاتٍ كثيرة. أمّا في إبراز أهمّية نزار ميقاتي وتفاعُل العرب مع حضوره الإبداعيّ، فيستحضر عُمر ميقاتي عملاً قدّمه في "دار الأوبرا" في مصر، "حيث أطلّ نزار ميقاتي على الخشبة ليُحيّي الجمهور وكان جمال عبد الناصر شخصياً حاضراً فوقفَ لنزار ميقاتي احتراماً وإعجاباً".

يُضيء كتاب عُمر ميقاتي عن والده على سيرة كفاحٍ لإبنٍ تيتّم باكراً في طرابلس ولاحق حلمه بالسينما والمسرح والإذاعة وبرع في المسرح الوطني اليومي.

هذا الكتاب مفيدٌ للقارىء اللبناني والعربي ولمُتتبّعي المسرح في العالم، وهامٌّ بالنسبة للأكاديميين الذين يدرسون المسرح والفنون عموماً، لا سيما محلّياً.

تأخّر صدور الكتاب الذي كان عُمر ميقاتي ينوي إطلاقه منذ أربع سنوات بسبب الظروف كما يؤكّد للميادين الثقافية؛ حيث أن "الكتابة تحتاج إلى الكثير من التركيز وأنا أستسقي المعلومات عن حياة والدي وأدقّق حالياً فيها، وقد أعطيتُ نفسي مهلةً لأتذكّر ما كان يقوله لي أبي. الآن اختمر كلُّ شيءٍ، عِلماً بأن مدخل الكتاب عبارة عن حوارٍ معه، وليس سرداً".

بعُمر 8 سنوات أدّى نزار ميقاتي دوراً في المسرح، ولم يحترف التمثيل بل اتّجه نحو الإخراج والكتابة. الرهبان الإيطاليون الذين كان بينهم عددٌ من المخرجين وهم يحبّون الفنون كثيراً، اكتشفوا نزار ورأوا فيه موهبةً فذّة فصاروا يكلّفونه بإخراج بعض الأعمال منذ صِغَره، وقرّروا إعفاءَه فترةً من دفع أقساط المدرسة مقابل مجهوده الفنّي.

  • الممثّل الراحل
    الممثّل الراحل "شوشو" (حسن علاء الدين)

بعد ذلك، عندما صار عُمره 17 سنة، نال عند الآباء الكرمليين شهادته  Diplome de la maturé scientifique، ولأنّه كان لامعاً فقد أرسله الإيطاليون إلى بلادهم لإستكمال دراسة المسرح، وليرى مدينة السينما التي أسّسها موسوليني Cinecittà، كما يشرح عُمر ميقاتي.

ثم بعد الحرب العالمية الثانية عاد نزار إلى لبنان ولم يكن قد تجاوز عُمره ال 19 سنة. في العام 1954 انضمّ إلى إذاعة الشرق الأدنى، عِلماً بأنه درَّسَ 18 سنة في مدرسة الـ  Frères الرياضيات والترجمة، وكان في المدرسة هذه يقوم بتقديم مسرحيّتين بالفرنسية سنوياً (لموليير، ومارسيل بانيول Marcel Paul Pagnol، وسواهما مثل Eugène Labiche)، والمسرحية التي افتتح بها المسرح الوطني عام 1965 شكّلت "لَبْنَنَة" لمسرحيةٍ قدّمها في الـ  Frères، وكانت بعنوان Le Voyage de Monsieur Perrichon، وكان عنوانها في لبنان "شوشو بِك في صَوْفَر". 

أسّس نزار ميقاتي المسرح الوطني بعدما كان حسن علاء الدين (شوشو) عاطلاً من العمل منذ أكثر من سنة بسبب توقّفه عن العمل في التلفزيون، إلى أن جاء نزار ميقاتي الذي التقاه في الإذاعة اللبنانية وكان مسؤول دائرة البرامج التمثيلية والمنوّعة في إذاعة لبنان فقال لشوشو حرفياً: "يا حسن... منلتقي بيوم من الإيّام"، وهذا ما حدث بالفعل.

  • عمر ميقاتي
    عمر ميقاتي

كان هدف نزار ميقاتي مُتركِّزاً في المسرح اليومي الدائم عام 1965، عِلماً بأنه انطلق قبل ذلك في "مهرجانات بعلبك الدولية" مع الرحابنة الذين استعانوا بقدرته للسينوغرافيا.

أمّا في ما يتعلّق بـ "فرقة الأنوار"، فإنّ المؤسّس والمموّل كان سعيد فريحة عميد "دار الصيّاد"، وقد اقترح فكرة الفرقة نزار ميقاتي، وهي الفرقة العربية الأولى التي انطلقت إلى أكثر من 22 دولة، بينها النمسا، وألمانيا، وقبرص، ومصر، والكويت، وفرنسا.

"حسن علاء الدين كان مُحاسباً في مصرف وكان يتمتّع بموهبةٍ فطرية صقلَها نزار ميقاتي في المسرح"، كما يوضح عُمر ميقاتي، مؤكّداً أنّ نزار هو مؤسّس المسرح الوطني بدءاً من تفاصيل الخشبة، مروراً بمتابعة المُمثّلين والاشتغال عليهم، وصولاً إلى العمل المسرحي المُتكامِل.

"أناقة نزار ميقاتي صبغت كل أعماله في المسرح"، يقول عُمر. من العام 1965 إلى أواخر السبعينيات، أعمالٌ عدّة في المسرح الوطني قُدّمت، بينها "البخيل" و"حب تحت الصفر" و"شوشو والعصافير"، وذلك ضمن مسرحيّاتٍ يصل عددها إلى 11 مسرحية.

نجاح المسرح الوطني كان منقطع النظير لأن نزار المُخَضْرَم والمُثقّف كان يُتقن عمله على أكمل وجه. وضمن "فرقة الأنوار العالمية" عام 1964 قدّمَ "أرضنا إلى الأبد" حيث تعاون مع زكي ناصيف وتوفيق الباشا. 

أسّس نزار "المسرح الشعبي اللبناني" في الحمرا في أواخر العام 1973 في سينما حوَّلَها إلى مسرحٍ جديد، حيث عُرِضت مسرحية "غلطة الشاطر بألف" وهي لَبْنَنَة لمسرحيةٍ شهيرة آنذاك بعنوان Boeing-Boeing وتمحورت حول ثلاث مضيفاتٍ، وقد شارك في العمل الفنّان وحيد جلال والممثّل المعروف إبراهيم مرعشلي، وفقاً لأقوال عُمر.

نزار ميقاتي من بُناة حركة الخشبة وهَيْبتها، يتهلّل به اليوم وغداً وفي التاريخ المسرحُ والفنُّ اللبنانيّ.