من سنقصد الآن يا ألبرت؟
صعب على السامع ألا يقتنع بما يقوله ألبرت أغازريان. موسوعة متنقلة في عقلٍ متقدٍ كل لحظة.
منذ انتقلت جامعة بيرزيت إلى حرمها "الجديد" (الحالي) وحتى تقاعده عام 2002 ، كان الراحل ألبرت أغازريان يمضي أوقاته يتحدث للصحافة الغربية، كلٌ بلغته، فرنسية كانت ام انجليزية ام إيطالية. كان يأخذ نفساً من غليونه الذي لم يفارقه حينها، يقف على الدرج المؤدي الى مبنى الادارة ويبدأ ليتحدث بحماسة تتجدد كل ثانية.
صعب على السامع ألا يقتنع بما يقوله ألبرت. من أين تأتيه كل هذه الطاقة؟ موسوعة متنقلة في عقلٍ متقدٍ كل لحظة. كان كما يبدو في أكثر صوره. من عرف ألبرت أغازريان، عرف بيرزيت وبلاد بيرزيت.
كان الراحل - العنوان الذي يحضر في قائمة كل ضيف اجنبي وكل ناشط محلي وكل صحافي يريد ان يفهم منطق الأحداث في بيرزيت أو في فلسطين .
فهو "معلم" العلاقات العامة الأول بامتياز، بل إنه أسطورة العلاقات العامة.
وبعد الاعتراف بمهاراته العديدة، عاد أغازريان ليلعب دوراً مهماً في فريق الإعلامي الفلسطيني لمؤتمر مدريد عام 1991 الى جانب الدكتورة حنان عشراوي، وفي العام 2006 نال وساماً رفيعاً من ملك بلجيكا ألبرت الثاني تقديراً لما قدمه من خدمات لشرح قضية القدس بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام على الساحة الدولية، وهو أحد الشخصيات الخمسين الذين منحوا أوسمة من ملك بلجيكا.
وقد بدأ رحلته في جامعة بيرزيت منذ عام 1979 محاضراً غير متفرغ في دائرة التاريخ، وكذلك محاضراً في دائرة دراسات الشرق الأوسط، وتم انتدابه إلى مكتب العلاقات العامة عام 1980، حيث تقلد منصب مدير علاقات عامة لغاية عام 2002 .
كنت أتساءل كيف تبقى هذه الطاقة في حدود الجامعة وهو يقول الجامعة هي وجه من الوجوه المشرقة للبلد؟
لم يكن غريباً أن يحصل على أرفع وسام بلجيكي. ربما السؤال عن أوسمته الفلسطينية التي منحها له كل من تعرف عليه وعرفه، حباً وامتناناً وعرفاناً لما هو عليه وما يمثله.
هو الذي بحكم عمله ومواقفه الوطنية تصدى للإغلاقات العديدة من قبل الإحتلال والدفاع عن استقلالية جامعة بيرزيت كمؤسسة أكاديمية، فكانت له مواقف يشهد لها، ومنها التصدي للقرار العسكري الإسرائيلي 854 في حق المؤسسات التعليمية، وقضية أذونات العمل للأساتذة الأجانب.
عندما غادر ألبرت الجامعة تحول الى العنوان الذي يقصده من يريد أن يعرف القدس. اتخذ من بيته في الحي الأرمني صومعة يقودها مريدوه ومريدو القدس العتيقة.
ومن يريد أن يؤرخ ويتطوع لإطلاع الناس على المدينة المذهلة، يقصد البيوت، فمن سنقصد الآن يا ألبرت؟ لمن تركت صومعتك؟ طوبى لك، والصبر والعزاء لأهلك،
والقلق لمريديك الذين سيفتقدون حيويةً متفدةً لم تشهد البلاد مثيلاً لها يوماً.
وردة لذكراك، وقبلة على جبينك.