"المأذون الفرفوش".. صورة خارج التنميط
هيئته مختلفة عن الصورة النمطية للمأذون في مصر، والتي رسختها السينما لسنوات، تعالوا لنتعرف على "المأذون الفرفوش".
مرتدياً جلباباً بسيطاً ويعتمر طاقية بيضاء صغيرة،جلس الشيخ خالد خليفة بين العروسين ممسكاً بميكرفون قبل أن يسحب "الكلبشات" التي يقيد بها يد الزوج والزوجة. وجّه حديثه لهما ليشهر زواجهما على المذهب الشافعي المتبع في أمور الزواج في مصر، وذلك أمام جمع من الأهل والمدعويين . جاءت هيئته مختلفة عن الصورة النمطية للمأذون، والتي رسختها السينما لسنوات، من حيث ارتداء عمة وكاكولا، وكذلك كان حديثه أيضاً. خارج عن التنميط.
لم يتحدث الشيخ خالد حسن خليفة، المولود بمحافظة الإسكندرية، بالطريقة التقليدية نفسها، من حيث الالتزام النصي واللغوي. فنراه يسأل العروس إن كانت تقبل الزواج من عريسها أم لا؟ - كما يتطلب الشرع - فقد أتى سؤاله لها بالعامية المصرية "أنت موافقة على الجواز؟" لترد الفتاة بالإيجاب ثم يعاود التأكيد عليها، لكن هذه المرة باللغة الإنجليزية مستخدماً كلمة "Sure".. هكذا تتعالى ضحكات الحضور.
في الحقيقة لم يكن الشيخ خالد المعروف بـ"المأذون الفرفوش" مأذوناً شرعياً، بل يعمل لدى أحد المكاتب بالإسكندرية. لكن حسه الساخر وطريقته المختلفة، جعلاه حديثاً لرواد مواقع التواصل الاجتماعي. كما حققت فيديوهاته المنتشرة على السوشيال ميديا مئات آلاف المشاهدات، ما بين إعجاب الكثيرين وسعيهم للتواصل معه، وبين رفض البعض لتلك الطريقة.
لم أسع للشهرة
في البداية يحكي الشيخ خالد خليفة، المعروف بـ"المأذون الفرفوش" للميادين الثقافية، عن بدايته قبل 10 سنوات، حيث ذهب إلى عقد قران أحد أصدقائه، ليفاجأ مثل غيره من المدعوين أن المأذون أرسل أحد صبيانه، وكان لا يجيد الحديث، أو كما يقول الشيخ خالد "لا حول له ولا قوة"، حينها لم يجد العريس مخرجاً إلا أن يدعوه إلى إلقاء خطبة على الحضور، وهو المعروف عنه حفظه للقرآن الكريم، وجمال صوته، الذي ورثه عن والده الشيخ حسن خليفة، القارئ بإذاعة القرآن الكريم.
يضيف الشيخ خالد أنه بدأ في إلقاء خطبته، فخرجت بحسه الساخر، الممزوج بين العامية المصرية، والفصحى، مستعرضاً أيضاً سنة النبي محمد (ص) وفضل الزواج وشروطه، من خلال بعض المواقف الحياتية الساخرة، والتي أضافت على الجمع حالة من المرح والبهجة، "حينها بدأ أصدقاء العريس يطلبون منه حضوري، كان كل واحد يتزوج يقول له هات لي المأذون اللي عقد قرانك، ومن ثم يقول لهم إنه ليس مأذوناً، فيطلبون حضوري على أي حال".
يشير الشيخ خالد إلى أن صديقه اقترح عليه أن يفكر في الأمر بشكل جدي، ما دام الناس يتقبلونه ويطلبونه، أي أن يعمل لدى مكتب مأذون، وهو أمر متعارف عليه، وقد لاقت الفكرة قبوله، "من باب تحسين الدخل، والمساعدة في المعيشة"، مضيفاً: "تواصلت مع مأذون عن طريق والدي، كان من معارفه، وبالفعل بدأت، وكان أول عقد قران أشهره في مسجد علي بن أبي طالب". ويؤكد سعيه أن يعمل مأذوناً شرعياً، والتي يشترط أن يكون المتقدم إليها حاصلاً على مؤهل علمي عال، ويفضل شهادة ماجستير أو دكتوراه، ولكن كل ذلك يجري قبل تجاوزه لسن معين –حسب قوله، وهو ما لا يتوفر لديه، فقد تجاوز عمره السن القانوني.
يعود الشيخ خالد إلى أبعد من ذلك، حيث الميلاد والنشأة بمحافظة الإسكندرية، قائلاً: "ولدت لأب يحفظ القرآن، ويقرأه في الإذاعة المصرية، فكان له عظيم الأثر في حفظي للقرآن الكريم، وتعلقي بالمساجد، وكنت في بداياتي التعليمية أرغب في الالتحاق بكلية الصيدلة أو الكلية البحرية، وبالفعل تقدمت لاختبارات البحرية، ولكن رُفضت لأني مصاب بفلات فوت، فأشار علي والدي بأن التحق بكلية الآداب، وهو ما كان، احتراماً لرأيه، وتخرجت منها، وأعمل الآن مدرسًا للغة العربية بمدرسة سان مارك، في الإسكندرية".
تعرض الشيخ خالد خليفة لنقد شديد، نتيجة الشهرة التي حققها، إثر الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يؤكد أنه لم يسع إلى انتشارها، بل فوجئ مثل غيره بردة فعل الإعلام ورواد مواقع التواصل. إذ يرى البعض في طريقته خروجاً عن الوقار الذي يجب أن تكون عليه صورة رجل الدين، إلا أن "المأذون الفرفوش" يؤكد اختلافه مع ذلك التصور "لا يجب أن يكون رجل الدين عابس الوجه، فليس هذا هو الوقار، فقد روي عن رسول الله عليه وسلم أنه كان يمازح أصحابه، ولكن لا يمزح إلا صادقاً"، مضيفاً "إحنا جايين فرح، وعايزين نفرح الناس، فطبيعي نخلي الناس تضحك".
أما بشأن موقف الدين من طريقته في الإشهار، يوضح أنه يؤدي السنن من دون الخروج عنها. فهو يلقي على الحضور الخطبة المشهورة، ليذكرهم بفضل الزواج وشروطه وأهميته في بناء المجتمع وعمار الأرض، كما يسأل العروس عن موافقتها، مختتماً بالدعاء المعروف في تلك المناسبات.
"أنا راجل بخاف ربنا"
يقول الشيخ خالد خليفة "أنا راجل بخاف ربنا، لو حسيت إن اللي بعمله حرام لتوقفت فوراً"، كما يؤكد على أنه لم يقصد صنع تلك الحالة "أنا وارث روح الفكاهة عن والدي رحمه الله، فعندما يحدث أمامي موقف معين أقول كلمة بشكل عفوي، يتفاعل الحضور معها، والمسألة مسألة قبول".
أصبح الشيخ خالد يطلب في الكثير من عقود القران، ولكن بالصورة التي عهدوه عليها، "مأذون فرفوش" ينشر البهجة بين الحضور، "لو ما هزرتش يقولوا أنت مش بتضحك ليه، مش دا المأذون اللي أحنا عارفينه". وبرغم ذلك يؤكد أنه ما زال يتعامل بالأسعار نفسها السائدة، أما في حالة إذا كان مكان عقد القران بعيداً عنه، فيطلب سيارة لتوصيله، كطلب استثنائي، أو حسب قوله ساخراً- "على حساب صاحب المحل".
يحكي الشيخ خالد (ـ55 عاماً)، عن هجوم آخر تعرض له، وذلك عندما رقص في زفاف ابنته "قالوا لي إزاي شيخ وقارئ قرآن ومأذون؛ ويرقص في فرح؟ كان اعتراض عجيب، المفروض أن اتصرف بأية طريقة في فرح ابنتي، نعم سأرقص معها، فلكل مقام مقال، وهو فرح وليس عزاء".
يختتم "المأذون الفرفوش" حديثه للميادين الثقافية، فشير إلى واقعة حدثت مع والده الشيخ حسن خليفة، قارئ القرآن بالإذاعة، "في فرحي (زفافي) غنى أبي أغنية لأم كلثوم إهداءً لي، حينها سمعه البند الغربي الذي كان يحيي الفرح؛ وطلبوا منه أن ينضم إليهم مقابل 100 جنيه في الليلة الواحدة، لكنه رفض، والشاهد في الأمر، أن والدي، حامل كتاب الله، غنى في فرحي، وكان حدثاً لا أنساه من فرط سعادتي به".
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]