القطاع الصحي اللبناني في "العناية المركزة".. والمواطن يبحث عن الدواء المفقود
الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يشهدها لبنان حالياً، والتي فاقمها فيروس كورونا انعكست على القطاع الصحي والدوائي، ليصبح المواطن عاجزاً عن العلاج أو حتى تأمين دوائه بسبب فقدانه أو غلاء أسعاره.. فهل ستكون "البطاقة الدوائية" هي الحل؟
احتلّ لبنان في العام 2018 المركز الـ33 بين 195 دولة في العالم، والمركز الثالث في الشرق الأوسط، في مؤشّر الوصول إلى الجودة في الرعاية الصحّيّة. كل هذا صار من الماضي، إذ أنّ الواقع الاقتصادي المنهار الذي يمر به لبنان منذ العام 2019، والذي فاقمه انتشار فيروس كورونا، أعاد لبنان إلا الوراء عشرات السنوات.
ولا ينفصل القطاع الصحي عن الأزمة الاقتصادية والمالية المستفحلة حالياً، حيث أرخت مشكلة ارتفاع أعداد الإصابات بالوباء أخيراً بثقلها على قطاع الرعاية الصحّيّة المنهار أساساً، في ظلّ العجزٍ عن التنبّؤ بالظروف الماليّة والنقديّة للبنان في الأشهر المقبلة.
في لبنان حوالى 3400 صيدليّة، أقفل منها ما بين 200 و300 صيدلية حتّى الآن بسبب الأزمة، مع وجود عدد كبير آخر مُهدّد بالإقفال، حيث باتت أغلب الصيدليّات تبيع حالياً المستحضرات، بسبب فقدان أنواع عديدة من الأدوية.
فإلى أين يتجه الواقع الصحي في ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان والتي صنّفها البنك الدولي من ضمن أسوأ الأزمات عالمياً؟
"القطاع الصحي في لبنان أشبه بالواقع الاقتصادي الحالي، لأنه جزء منه، وهو حالياً في العناية المركزة، من الاستشفاء إلى الطبابة، والدواء خاصةً، حيث أصبح عبئاً كبيراً على المواطنيين"، وفق ما يوضح الدكتور محمد حسين جابر، أمين سر نقابة الصيادلة في لبنان للميادين نت.
ويضيف أنّ "ما يفاقم هذه المشكلة هو أنّ الجهات الضامنة، لا تستطيع تغطية المرضى بشكل كامل، إضافة إلى أنّ المرضى أنفسهم لا يستطيعون دفع الفروقات المتوجبة عليهم في المستشفيات، ولا الحصول على أدويتهم من الصيدليات، بسبب ندرتها أو فقدانها في السوق اللبناني".
الأدوية مفقودة رغم رفع الدعم عنها
ويتابع الدكتور جابر: "مع أنّ الوضع حالياً أفضل بكثير من الأشهر الماضية، بعدما تمّ رفع الدعم بشكل جزئي عن بعض الأدوية، وبقي على الأدوية المستعصية والمزمنة، إلا أنّ المشكلة مستمرة بسبب فقدان الأدوية المدعومة، بانتظار أن يتم صرف اعتماداتها، أو أن يتم رفع الدعم الكلي عنها، لكي تستطيع شركات الأدوية استيرادها من الخارج، لكنّ سعرها للأسف سيكون مرتفعاً بسبب تسعيرها بالدولار، وهي لن تكون بمتناول الجميع".
وأشار إلى أنّ "الأدوية متوفرة ولكن ليس بكميات كبيرة، لأن الوكلاء لم يستوردوا الكميات نفسها التي كانوا يستوردونها في السابق عندما كان يتم فتح اعتمادات لها. أضف إلى ذلك، أنّ الصيدليات لا تملك القدرة المادية لشراء الأدوية لأنها صرفت ما كانت تملكه منها في المستودعات على سعر الصرف القديم (1500 ليرة لكل دولار)، ولا تستطيع أن تشتري أدوية جديدة حالياً بنفس الكمية كالسابق، لأنّ أسعارها ارتفعت مع ارتفاع سعر الصرف، لذلك فهي لا تكفي حاجة السوق، ويتم توزيعها بالقطعة على الصيدليات، ليحصل توازن بتواجدها على كامل الأراضي اللبنانية".
ارتفاع أسعار الأدوية بأضعاف يهدد حياة الفقراء
وعن مشكلة ارتفاع سعر الدواء بعشرات الأضعاف حالياً، يؤكد الدكتور جابر "نحن كنقابة صيادلة نأمل أن لا يرتفع سعر الدواء لكي يكون بمتناول الجميع وخاصة الفئات الفقيرة، علماً أننا كصيادلة نعاني من نفس المشكلة، وندفع ثمن أدويتنا التي نحتاجها لعائلاتنا بأسعار السوق، لأنه ليس لدينا جهة ضامنة خاصة بنا، فارتفاع سعر الدواء يضرنا أيضاً، وأعتقد أن يكون الدواء مرفوع الدعم عنه ومتوفر في السوق، أفضل من أن يكون مفقوداً ويباع في السوق السوداء".
الدكتور جابر أوضح للميادين نت أنّ "من بين الأسباب العديدة لفقدان واختفاء الدواء في السوق، إضافة إلى ضآلة كميات الأدوية في السوق هو بسبب مشكلة فتح الاعتمادات من الأموال التي يرصدها مصرف لبنان إلى الشركات لتستطيع استيراده". و"هناك أيضاً مشكلة التهريب إلى خارج لبنان، وخاصة في الفترة الماضية، حيث كان من الصعب ضبط هذه التجاوزات، وتخزين الدواء في المستودعات التي كانت تمتنع عن تسليم الصيدليات على سعر صرف 1500 ليرة، وتخزين المواطنين الأدوية بكميات في منازلهم خوفاً من فقدانها في الصيدليات ما ضاعف من حجم هذه المشكلة".
الرقابة لمنع احتكار الوكالات والمافيات للدواء
ورأى الدكتور جابر أنّ "على الجهات المختصة الكشف على المستودعات، منعاً لاحتكاره من قبل الوكالات والمافيات، لأنّ وزارة الصحة لديها (داتا) كاملة عن كامل الأدوية التي تمّ استيرادها من الخارج، كما أنّ لديها برنامجاً يستطيع رصد أي دواء من لحظة وصوله إلى لبنان، وحتى كيفية صرفه في الصيدلية أو المستشفيات".
وشدد على أنّ "الرقابة هي من تحدد إذا كانت هذه المافيات التي تحتكر الدواء قادرة على إكمال احتكارها للسوق أو على الأقل ضبطها، وهذا يتم طبعاً عبر وزارة الصحة مع غطاء قضائي وأمني، لكي لا يكون هناك استثناءات معينة لأيٍّ من المرتكبين لهذه التجاوزات بحق صحة المواطن".
ولكن كيف سيتم النهوض بالقطاع الصحي بعد الفساد الذي طاله كباقي مؤسسات الدولة، وهل هناك من خطة لإعادة ترتيبه؟
ويؤكد الدكتور جابر للميادين نت أنه "كان من المفترض أن يكون القطاع الصحي من أولويات الدولة اللبنانية، ومحصّناً كي لا يتسلل إليه الفساد الذي طال باقي مؤسسات الدولة، لأن صحة المواطن تأتي في المرتبة الأولى".
ويرى أنّ النهوض بهذا القطاع يتحقق عبر "وجود شفافية مطلقة، وعدم تغطية أي ارتكابات وتجاوزات بهذا الشأن".
وأردف، "نحن كنقابة صيادلة موجودون وجاهزون للتعاون مع الجهات الرقابية ونتعاون مع وزارة الصحة حالياً من جهة التفتيش، حيث لدينا جهاز بشري كامل على الأرض لرصد التجاوزات والوصول إلى كل الأماكن والمستودعات التي يتم تخزين الأدوية فيها أو احتكارها، أو في حال وجود مخالفة للقوانين المرعية".
وكشف عن "التوصل إلى نوع من بروتوكل تعاون حالياً بين وزارة الصحة والقضاء لرصد المخالفات، ووقف مزاريب الفساد والاحتكار والتهريب ضمن الأطر القانونية".
الأدوية المحلية تتمتع بجودة عالية
ويشدد الدكتور جابر للميادين نت على أنّ "دعم القطاع الصحي والدوائي في لبنان يجب أن يكون أولوية للدولة عبر دعم صناعة الأدوية المحلية لتغطي المطلوب، بنسبة 80 بالمئة من السوق الدوائي، لأن صناعة الدواء في لبنان تتمتع بجودة عالية وممتازة، كما دعم فتح باب الاستيراد للأدوية (الجنريك) أيضاً لأنّ أسعارها معقولة مقارنة مع غيرها".
ويؤكد أنّ "صناعة الدواء المحلي تحتاج إلى دعم المواد الأولية بشكل أكبر، وتوسيع مروحة التغطية، لتشمل صناعة أدوية الأمراض المستعصية، التي نفتقد لصناعتها في مختبراتنا، وهكذا نكون نغطي نسبة الـ20 بالمئة المتبقية من الـ80 بالمئة من دون أن نستوردها من الخارج".
خطورة فقدان أدوية الأمراض المستعصية على حياة المرضى
"أدوية الأمراض المستعصية هي من مسؤولية وزارة الصحة"، وفق ما يؤكد الدكتور جابر، معرباً عن اعتقاده أنّ "المسؤولية أولاً تقع على حاكمية مصرف لبنان التي من المفترض أن ترصد الأموال اللازمة للشركات كي تستطيع استيراده وتوفيره في السوق، ولذلك فإنّ وزارة الصحة تعمل بشكل مستمر لتأمين هذه الأدوية، ولو حتى البديل عنها، للمرضى الذين يواجهون خطر الموت في حال لم تتوفر لهم".
ويتابع، "نحن كنقابة صيادلة نلعب دوراً مهماً في هذا الشأن يتمثل في التعاون مع أيٍّ من الجمعيات التي يمكنها أن تؤمن الأدوية لمرضى الأمراض المستعصية".
"البطاقة الدوائية" هل ستكون الحل؟
الدكتور جابر كشف للميادين نت أنّ نقابة الصيادلة كانت قد طرحت سابقاً مشروع "البطاقة الدوائية"، والتي من خلالها "يستطيع المواطن الحصول على دعم مالي عبرها، ليستطيع شراء دواءه مباشرة من الصيدلية وليس من الشركات أو السوق السوداء، عبر منصة خاصة تابعة لوزارة الصحة يتم تسجيل اسم الشخص عليها، وسيرته المرضية، والوصفات الطبية، ليكون له ملف خاص به في المنصة، ترصد له أموال وتوضع في حساب بطاقته ليستطيع شراء دوائه من خلالها، وسيدفع فقط فرق الدعم من جيبه الخاص، وكأنه يشتريه مباشرة ومدعوماً".
وأكد أمين سر نقابة الصيادلة، أنّ "هذه الطريقة هي الحل الوحيد لكي تدعمها وترعاها الجهات الدولية المانحة، لأنّ معظمها لا يثق بمؤسسات الدولة الرسمية، ويمتنع عن مساعدتها بسبب الهدر والفساد الذي استفحل فيها، وأوصل القطاع الصحي في هذا البلد إلى هذا الدرك".