لقاحات كورونا في 2021... تفاوتٌ بين الدول وتحدّي متحورات جديدة
يعيش العالم اليوم قلقاً كبيراً إزاء ظهور متحورات جديدة غير التي ظهرت، ومن أنّ اللقاحات المتوافرة لن تكون فعّالة بما يكفي للجم انتشارها، فما هو مستقبل الجائحة في السنين المقبلة؟
"أصبحت كلمة "لقاح" عام 2021 شيئاً أكثر بكثير من مجرد دواء، وتعني الكلمة بالنسبة إلى الكثيرين عودةً محتملةً إلى الحياة التي عاشوها قبل الوباء".
هذا ما جاء في تقريرٍ نُشرَ لمعجم "ميريام وبستر" الأميركي، الذي اختار كلمة "لقاح" لتكون كلمة عام 2021، بعد أن كانت كلمة "جائحة" هي كلمة عام 2020.
يمكن القول إنّ اختيار المعجم لكلمة "لقاح" اختصر واقع الجائحة عام 2021، حيث شهدَ حملةً عالميةً للتلقيح ضد فيروس كورونا، وذلك بعدما أجازت منظمة الصحة العالمية الاستخدام الطارئ للعديد من اللقاحات، إذ إنّ الإجراءات الوقائية التي أوصت بها المنظمة لم تكن كافيةً لمنع انتشار الوباء، وللحدّ من ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات في العالم.
وفي الوقت الراهن، يجري استخدام 7 لقاحات لفيروس كورونا في بلد واحد على الأقل، وذلك بعد بحث سريع في أكثر من 230 لقاحاً مرشحاً، استغرق نحو العام.
وبحسب إحصاءات موقع "OWID" العلمي، فإنّ 203 دول على الأقلّ تقوم بعمليات التلقيح لمواطنيها، وقد تم إعطاء 8.7 مليارات جرعة على مستوى العالم.
تفاوتٌ كبير في الحصول على اللقاحات بين الدول الغنية والفقيرة
على الرّغم من أنّ اللقاحات كانت كبارقة أمل للتخلّص من الفيروس، فإنّها أسهمت بشكل كبير في إظهار التفاوت الواسع بين الدول الفقيرة والدول الغنية، من خلال حصول كل منها على اللقاحات.
منظمة الصّحة العالمية أحصت في هذا السياق أنّه حتى الـ 15 من كانون الأول/ديسمبر الحالي، تم تلقيح 66.33% بجرعة واحدة على الأقل في الدول الغنية، أمّا في الدول الفقيرة، فقد تم تلقيح 9.02% فقط، بجرعة واحدة على الأقل.
وفي تقرير آخر لها، تشير المنظمة إلى أنّه من أصل 4 مليارات جرعة أعطيت حول العالم، ذهبت 80% منها إلى البلدان المرتفعة الدخل والمتوسطة، في حين يعيش فيها أقل من 50% من سكان العالم.
كذلك لفتت المنظمة إلى أنّه يتعيّن على البلدان ذات الدخل المرتفع زيادة إنفاقها على الرعاية الصحية بمقدار 0.8% في المتوسط، لتغطية تكلفة تلقيح 70% من السكان، فيما يتعيّن على البلدان ذات الدخل المنخفض زيادة إنفاقها على الرعاية الصحية بمقدار 56.6% في المتوسط، لتغطية تكلفة تلقيح 70% من السكان.
أمّا أفريقيا، فحظيت بنسبة 2% فقط من جملة أكثر من 5.7 مليارات جرعة لقاح تم إعطاؤها على مستوى العالم. وحتى الآن وصلت دولتان أفريقيتان فقط إلى الهدف المتمثل في تلقيح 40% من عدد السكان، وهو أدنى مستوى تلقيح في أي منطقة أخرى من العالم، الأمر الذي دفع منظمة الصحة إلى التحذير من أن أفريقيا قد لا تصل إلى 70% من تغطية اللقاحات حتى آب/أغسطس 2024.
كيف أدّى التفاوت في الحصول على اللقاحات إلى ظهور متحوّرات جديدة؟
تُظهر الأرقام الآنفة الذكر تأخّر الدول الفقيرة عن ركب التلقيح، في وقت بدأ فيه بعض الدول ذات الدخل المرتفع بإعطاء الجرعات المعززة من لقاحات كورونا، حتى إن هذه الدول شرعت أيضاً في تلقيح الأطفال بدلاً من إعطاء أولوية الحصول على تلك الجرعات للأشخاص غير المحصّنين في البلدان الفقيرة، الأمر الذي يخاطر في إطالة أمد الجائحة، واتساع رقعة عدم المساواة العالمية؛ فتحقيق عالم خالٍ من فيروس كورونا لن يكون ممكناً إلاّ بإعطاء الجميع فرصاً متساوية في الحصول على اللقاحات.
وبحسب الدراسات أيضاً، فإنّ انتشار الفيروس على نطاق واسع وتسبّبه في عدوى كبيرة، يزيدان من احتمال تحوّره، والاضطراب الاجتماعي والاقتصادي الناجم عنه، كما يزيدان فرص ظهور المزيد من المتغيّرات التي تجعل اللقاحات أقل فعالية، إذ تؤكد المعطيات أنه قبل وصول متحوّر "دلتا"، خفّضت التلقيحات الانتقال بنسبة 60%، لكن بعد ظهوره، خفّضت الانتقال بنسبة 40%.
قلقٌ عالمي إزاء فعالية اللقاحات ضد المتحوّرات الجديدة
أمّا الآن، ومع ظهور متحوّر "أوميكرون"، لن يسمح التلقيح وحده بمنع تأثيره وانتشاره، حيث لا يوجد متّسع من الوقت لسد النقص في التلقيح، وذلك وفقاً لوكالة مكافحة الأمراض الأوروبية، التي أوصت كذلك بسلسلة من التدابير، بينها العودة إلى العمل عن بُعد، وزيادة مستوى الحذر خلال التنقلات والاحتفالات بمناسبة أعياد نهاية العام.
وعزّزت دول العالم من إجراءاتها لكبح متحوّر "أوميكرون" الموجود حالياً في نحو 80 دولة، عن طريق اتباع سلسلة من التدابير الجديدة، منها إلغاء احتفالات أو إغلاق مواقع ثقافية، فيما تزداد الضغوط على غير الملقّحين.
لجوء الدول إلى التلقيح، كما فرض بعضها إلزامية تلقّي اللقاح، ساعدا كثيراً، قبل ظهور المتحور الجديد، في التقليل من الإجراءات الوقائية التي كانت مفروضة، بدءاً من تقليل قيود السفر وإغلاق الأماكن المكتظّة، وإلغاء العمل من بعد، وصولاً إلى عودة المدارس والجامعات، وفتح أبوابها مجدداً أمام الطلاب، ما دفع العالم إلى تنفّس الصعداء قليلاً.
إلاّ أنّ هذا الواقع أدّى إلى الشعورٍ الزائف بالأمان، بأنّ اللقاحات قد أنهت الجائحة، وأنّ الناس الملقحين ليسوا بحاجة إلى أخذ الاحتياطات، الأمر الذي قلٌل من تقييد الجائحة، بل ساعد في نشوء المتحورات التي شهدناها.
ومع حجز معظم اللقاحات للدول الغنية، والتي يقيّد بعضها تصدير الجرعات حتى يتمكن من ضمان تلقيح مواطنيه أولاً، من دون مساعدة الدول الفقيرة على زيادة نسبة التلقيح لديه، يعيش العالم اليوم قلقاً كبيراً إزاء ظهور متحورات جديدة غير التي ظهرت، ومن أنّ اللقاحات المتوافرة لن تكون فعّالةً بما يكفي للجم انتشارها، فما هو مستقبل الجائحة في السنين المقبلة؟