علاج على سلّم "النوتات" الموسيقية في لبنان!
في اليوم العالمي للعلاج بالموسيقى، بحث "الميادين نت" عن ماهية هذا النوع من "العلاج"! ويمكن القول إننا فوجئنا بوجود جمعية لبنانية تعنى بهذا العلاج تديرها د. حمدة فرحات وهي إلى ذلك تقوم بجهودٍ جبّارة في ظل الأوضاع التي يمرّ بها لبنان!
قد يهجع المرء إلى أنواعِ علاجٍ غير تقليدية، ولكن ماذا إذا عنّ على باله مثلاً التداوي بالموسيقى! فهل هذا ممكن؟ وهل يمكن للإيقاعات أن تبلسم الآلام والإصابات؟
"لنبدأ نهارنا بسماع الموسيقى"... "مزاجي متعكّر سمعوني أغاني هادئة"! "طفلنا يحتاج إلى موسيقى لينام"!
دوماً نسمع مثل هذه العبارات... ولكن هل للإيقاعات الموسيقية تأثير نفسيّ وبيولوجيّ وجسديّ علينا؟ هل لِما يسمّى "النوتات" فعل السحر على الإنسان؟ أم هي إحدى الطرائق السلسة للتهدئة؟
علاج نفسي وجسدي
تؤكد رئيسة ومؤسّسة الجمعية اللبنانية للعلاج بالموسيقى كوسيط د. حمدة فرحات للميادين نت أن العلاج بالموسيقى كوسيط هو نوع من العلاج النفسي والجسدي الذي يتوسّط الموسيقى بجميع مكوّناتها، أي اللحن والإيقاع والهارموني والبوليفوني والصوت البشري والآلات بأنواعها والأوركسترا والأصوات الطبيعية والمبتكرة .
وتشرح أن "كل هذه العناصر في التركيبة الموسيقية ينفعل ويتفاعل معها الشخص الخاضع للعلاج، سواء أكانت الجلسات العلاجية إدراكية أم ناشطة فردية أم جماعية".
وقد يسأل أحدهم إلامَ يرمي هذا العلاج؟ "هو يهدف إلى تحسين الحالة المزاجية أو للتوازن أو لإخراج المتعالج من حالة مرضية أو لوضعه في حالة مطلوبة، كالنشاط أو الاسترخاء أو التحفيز والتحمية أو لتنظيم حركة الجسد وتنظيم وظائفه أيضاً يعتمد في التفريغ والدعم النفسي وتطوير المهارات وفتح قنوات التواصل، إلخ..."، توضح الدكتورة .
لا تعارُض مع الطبّ التقليدي
وفي حمأة الأمراض والفيروسات، قد يسأل البعض أين العلاج بالموسيقى من الأمراض الشائعة؟ تقول الدكتورة "هو لا يتعارض مع الطب التقليديّ أو العلاجات النفسية، وأحياناً يكون مكمّلاً لها؛ فمثلاً في علاج الحالات المستعصية وجلسات العلاج الكيميائي وغسل الكلى، هو يُعتمَد كعلاج داعم... لكنّ المهم هو التقيّد بشروط العلاج الدقيقة، ووفق المعايير المعتمدة عالمياً".
وتردف الأستاذة في علم النفس العيادي والمرضي في الجامعة اللبنانية للميادين نت قائلةً: "كما أن العلاج بالموسيقى كوسيط يساعد في مجالات متعددة وبطرائق مختلفة، كتنمية المهارات الإبداعية أو التركيز على تطوير مهارات في التعلم وتطوير أنواع الذكاء والدعم النفسيّ والتفريغ والاسترخاء والتحفيز والتحمية والتخدير في المجال الطبي والتواصل الاجتماعي من خلال جلسات جماعية في أطر محدّدة إلخ"....
"هو يعمل على الخلايا الدماغية وتحفيز إفراز الهرمونات المناسبة بحسب الهدف المطلوب، فمثلاً، عند المكتئب تحفّز الموسيقى المعينة على إفراز "السيروتونين" و"الدومبامين"، أمّا عند الإفراط الحركي فهي تعمل على تفريغ الشحنات الزائدة والاسترخاء"، توضح حسن.
علاج أكاديميّ عالميّ
لكن هل هذا العلاج معترف به عالمياً، وهل هو دراسة؟ تؤكد الأستاذة في الجامعة اللبنانية ومنسّقة مرحلة الماستر للميادين نت أنه "معتمد عالمياً، وهناك المنظمات والاتحادات العالمية، مثل الاتحاد العالمي للعلاج بالموسيقى WFMT، وهناك الجامعات العالمية العديدة التي تدرّس هذا الاختصاص حتى الدكتوراه. ونحن في الجامعة اللبنانية لدينا الكثير من الطلاب في مرحلة" الماستر" يقومون بالدراسة الأكاديمية حول العلاج بالموسيقى، كما أن وزارة الصحة اللبنانية تتبنّى هذا النوع من العلاج"، لأنه علميّ ومعتمد عالمياً، وخاصة لجهة "تأثيره في الجهاز العصبي والجسد والنفس بشكلٍ عام".
وتوضح أنه تمّ اعتماده في لبنان منذ عام 2006، بحيث أُدخل للمرة الأولى كعلاج متكامل مبنيّ على القواعد العلمية والمعتمدة عالمياً بواسطتي، حيث كنت أُعِدُّ الدكتوراه في جامعة "ليون 2" الفرنسية عن علاج الاكتئاب بالموسيقى كوسيط، فتمّ التطبيق في لبنان بإشراف البروفسور إيف مورهان والبروفسورة كريستين نصار من الجامعة اللبنانية، وهناك إقبالٌ جيّد على هذا العلاج أيضاً.
الجمعية اللبنانية للموسيقى
وتسرد الخطوات التي جرى تنفيذها: "بدأنا بإعداد المعالجين بالموسيقى كوسيط منذ العام 2017 في مركز الطيّونة الطبي، وفي مرحلة "الماستر" البحثي والمهني في الجامعة اللبنانية".
وتشرح "يجب على كل من يريد أن يكون معالجاً بالموسيقى كوسيط أن ينال درجة الماستر في علم النفس أو الطب، وأن يكون موسيقياً جيّداً أو دارساً للموسيقى إلى درجة كافية، وأن يتدرب على العلاج بالموسيقى كوسيط ضمن شروط الجمعية اللبنانية للعلاج بالموسيقى كوسيط، وبحسب المعايير المعتمدة عالمياً" .
— Dr HAMDA FARHAT (@hamdafarhat) March 1, 2022
كما من الممكن تقديم التدريب لطواقم التمريض والعناية الصحية والمهتمين في مراكز إعادة التأهيل أو للتربية والصعوبات التعلمية ضمن نطاق محدود ومحدّد، بحسب أهداف المؤسسة.
وتضيف " أنشأنا الجمعية اللبنانية للعلاج بالموسيقى كوسيط، وهي تابعة لوزارة الصحة شريكاً في التأسيس والإدارة والإعداد أساتذة في علم النفس والموسيقى والعلاج النفسي هما الدكتور إيليا فرنسيس والدكتور أنطوان الشرتوني، ونحن نناضل في سبيل تطوير هذا الاختصاص والمساهمة أيضاً في تنمية مجتمعنا وتطويره من خلاله".
الموسيقى في زمن كورونا والضغوط...!
أدرك المجتمع اللبناني أهمية هذا التخصّص في زمن كورونا، والوضع المستجد أمنياً واقتصادياً، والذي سبّب ضغوطاً جمّة على الإنسان والعائلة في لبنان، "فكان لا بد من هذا الدعم لحالات مختلفة، ولا سيما لتقوية المناعة العصبية والنفسية المهمة جداً للشفاء السريع من الأوبئة وبعض الأمراض... والتفريغ والتعبير مهمّان جداً في حالات "اضطراب ما بعد الصدمة الناتجة عن الانفجارات والإصابات بالفيروس، إلخ... فدورنا أساسي في تلطيف العبء وتخفيفه عن مواطنينا في الوقت الراهن خاصة".
واللافت أن "من الممكن أن يكون العلاج بالموسيقى علاجاً مستقلاً قائماً بحدّ ذاته، وكافياً، وهنا يكون بديلاً، وخصوصاً لأنه يقدّم الخدمة بأسلوب أقل تعباً للمريض وأقل خطورة من ناحية العوارض الجانبية، وهنا نتكلم عن العلاج النفسي بالموسيقى، كما نجد تجارب حول العالم في التخدير وتعديل ضربات القلب والضغط والتنفس إلخ"....
أمّا إذا عنّت على بالك المباشرة بالعلاج الموسيقي كوسيط، فالأمر "يتطلب جلسات متعددة، مثل الجلسات الإدراكية والناشطة الفردية والجماعية، وهي تُعتمد بعد تشخيص دقيق وفتح ملف وتحديد الهوية والحساسية الموسيقية للمتعالج بواسطة اختبار خاص، ويحدَّد وقتها بحسب المشكلة المنوي العمل عليها. وبالنسبة إلينا، نعتمد العلاج بالموسيقى كوسيط، مستندٍ إلى التيارات التحليلية والسلوكية المعرفية. فلكل مشكلة اقتراح موسيقيّ خاص ومناسب لها"، تختم الدكتورة.