"ظريف الطول": كل مقاوم مسلح وسبابته على الزناد
تحتل أغنية "يا ظريف الطول" حيزا هاما من أفئدة الفلسطينيين لما تكتنزه من معانٍ، تبدأ بالحب، وتمتد في المقاومة المستندة إلى التراث كوسيلة من وسائل الحفاظ على الذاكرة، والإرث، والتاريخ، وما في ذلك من حق العودة.
ونظرا لموقعها في قلوب العرب عامة، والفلسطينيين خاصة، تكرست الأغنية احتفاليات أحيت معاني المقاومة في مراحل متقدمة ما بعد النكبة، فأقيمت على إيقاعها الجميل، ومعانيها العاطفية الجاذبة، احتفالات فلسطينية جمعت حب الوطن بالحب العاطفي بين امرأة ورجل، ولم يتوان الفنانون الفلسطينيون عن تكريسها في أعمالهم الفنية المختلفة.
عند انطلاق الأغنية أواخر الثلاثينات، حملت معاني الحب الذي اندلع بين شاب فلسطيني وسيم، منتصب الهامة، وإحدى بنات بلده، ويروي المؤرخ الفلسطيني حسين لوباني ل"الميادين نت" قصة الأغنية ذاكرا إنها "انتشرت في مختلف القرى الفلسطينية خصوصا في الجليل، وهي من الأغاني الراقصة التي ترافق دبكة "الشمالية"، وأن وزنها بسيط، لذلك، يمكن النسج عليه بسهولة”.
ويروي لوباني أن القصة "بدأت بين الشاب والفتاة، وبعد فترة من الوقت سألته عن موعد زواجهما، وكانت قد استجدت عليه فرص عمل خارج فلسطين، من شأنها أن تعزز وضعه الاجتماعي، وتطور حياته المستقبلية، فحاول الشاب إقناع الفتاة بأن تنتظره، مقدما لها الوعود التي تؤكد التزامه بها مهما بعدت المسافات، وطال الزمن، وأنه لن يفكر بأي واحدة غيرها، لكن الفتاة كانت كثيرة الخوف من فقدان عريس أحلامها في هذا البعاد”.
ومن هنا، جاءت كلمات الأغنية الأساسية تروي القصة من هذه الزاوية، حيث تتضمن الكلمات: "ياظريف الطول وقف تقولك... رايح عالغربة بلادك أحسنلك... خايف يالمحبوب تروح وتتملك... وتعاشر الغير وتنساني أنا".
ويفيد لوباني أن "ألفاظ الأغنية تختلف من قرية إلى قرية ومن بلدة إلى بلدة، ولذلك نسمع لها صيغا مختلفة باختلاف الظروف".
ونظرا لوقعها في القلوب، ولاتساع انتشارها، استفاد منها المقاومون لتعزيز صمودهم بعد نكبة 1948، ووظفوها في تعزيز المقاومة، والممانعة، والإقدام.
من الروايات المتعلقة بالمقاومة عن الأغنية، تذكر إحداها في صفحة "فلسطين سؤال وجواب" أنه "ذات يوم هجم قطعان اليهود على القرية، واستشهد ثلاثة شباب، فغاب "ظريف الطول"، ورجع بعد أربعة أيام حاملا خمس بنادق، وزعها على شجعان القرية، وعندما اندلعت المواجهة، قتل ستة صهاينة، فشكل ذلك رافعة معنوية للناس،
وصاروا يغنون: "يا عربي يا ابن المقرودة.. بيع أمك واشتري بارودة"، وهي على لحن “يا ظريف الطول”.
تتابع الرواية إنه "تتالت المجابهات بين الاحتلال، وسكان البلاد، وكانت القصص تتحدث عن ظهور ظريف الطول في معارك متعددة، وفي أكثر من معركة حاسمة، وربما أعطيت له حكايات رمزية كثيرة حيث، مثلا، "الكل حلف يمين انو شاف زريف الطول قتل أكثر من 20 يهودي... وكان يطخ ببارودتين... وهو اللي سحب عمار وجهاد أولاد الأرملة من ساحة المعركة، وهم جرحى، والرصاص زي زخ المطر فوق رأسه".
وتضيف: "بعدها بخمس سنين إبراهيم الحلاق حلف يمين أنو شاف زريف الطول مع عز الدين القسام في أحراش يعبد، وجهاد ابن الأرملة بقول شافو مع الحنيطي بدرب الثوار بيافا.. وكثير ناس حلفت انو كان ببورسعيد مع جول جمال، وعلى الوصف ناس شافوه بالكرامه على نهر الأردن بفجر دبابة بعد ما قطعت النهر، وكان بسوق الغرب في اجتياح بيروت …
وفي آخر تحديث للقصة، تقول الرواية عينها: "بس آخر مرة شافوه..كان بغزة.. طلع للقطعان من نفق ..رمى صلية صواريخ على تل أبيب.. ورجع على الخندق".
وتخلص الروايات إلى أن "ظريف الطول هو كل مقاوم، وكل يد قابضة على السلاح، وسبابتها على الزناد".
يتناول لوباني جانب المقاومة في الأغنية، ويقول إن الراوي الفلسطيني شاطر بالإضافات، فأعطى الأغنية منحى وطنيا، كما أن ظريف الطول ربما استخدم الإقناع لفتاة أحلامه، قائلا لها أنه "علينا واجب مواجهة الاحتلال، وعلينا القيام بالواجب أولا، أما الزواج ف"نحن لاحقين عليه".
ويختم لوباني حول روايته وتقديراته لأبعادها : "نحن في مواجهة شرسة مع أشرس عدو في العالم منذ سنة 1920”.
مؤسسة أوسكار احتفلت بالأغنية، ويعرف مديرها عقبة سلامة "أوسكار" إنها فرقة تقدم الاستعراض الأدائي مع الدبكة الشعبية الفلسطينية، ليكون هناك عرض منظم للدبكة في الشارع الفلسطيني، ومن أهم القصص الروائية الأسطورية الفلسطينية "يا ظريف الطول"، وهي قصة الشاب الجميل، الطموح، القوي، البطل الذي دافع عن أراضي ال١٩٤٨، وهو ساهم في الدفاع عن فلسطين عقب نكسة 1967، وقد يكون استشهد أبانها، أو أصيب، ولا نعرف حقيقة مصيره”.
يرمز "ظريف الطول"، بحسب سلامة، ل"كل فلسطيني أصيل يحب تراثه، وأرضه، ويدافع عنها، واهتمت أوسكار بأغنية ظريف الطول، وأقمنا لها احتفالية جرى فيها استعراض أطول طابور دبكة في العالم بعنوان "يا ظريف الطول"، بمشاركة 1500 شخص، وكان استعراضا رائعا، وجرى في 24 مدينة وقرية فلسطينية في فلسطين التاريخية”.
كما قام الفنان التشكيلي الفلسطيني موسى أبو عصبة بنحت نصب معدني ل"ظريف الطول" تكريسا لرمزيته.
وكان الرحابنة اللبنانيون قد نظموا الأغنية بكلمات عاطفية من وحي الجبل اللبناني، تحمل أسلوبهم الخاص، وقد غناها الفنان اللبناني الراحل نصري شمس الدين.
وفي احتفالية إحياء لشمس الدين جرت سابقا في "مؤسسة الصفدي الثقافية" في طرابلس اللبنانية، قدم الفنان بشار خوري الأغنية بأسلوبه الخاص.