عملية كمال عدوان: حكاية بطولات ..ونموذج لاستعادة فلسطين
في الحادي عشر من آذار (مارس) ١٩٧٨، نفذ ١٣ فدائيا فلسطينيا إحدى أكبر العمليات الفدائية التي هزت الكيان الصهيوني.
أطل الحادي عشر من شهر آذار يحمل معه أريج عملية دير ياسين (الشهيد كمال عدوان) وعبق بطولاتها، وتميزها حيث استمرت يوما كاملا في مواجهات مسلحة مع القوات الاسرائيلية. نفذها ١٣ مقاوما من خيرة المقاتلين المعبأين سياسيا وعسكريا، ومن بينهم الشهيدة دلال مغربي، ابنة مخيم صبرا، شاعرين أنهم استعادوا فلسطين ولو لساعات.
خطط العملية القائد الفلسطيني أبو جهاد الوزير، وانطلق المقاومون في سفينة من لبنان تقل المقاومين، ومعهم زورقين مطاطيين، وأنزلتهم قبالة الشاطيء في المياه الاقليمية، واستقل المقاومون الزورقين، وهم مدججون بالسلاح والذخيرة، وكان هدف العملية المركزي أخذ رهائن، والتفاوض لإطلاق سراح الأسرى في السجون الاسرائيلية، غير أن نتيجة العملية لم تحقق تلك الغاية، فلم يجر تفاوض مع المجموعة التي قاومت، وقاتلت لساعات طوال، متنقلة من منطقة إلى منطقة بين حيفا وتل أبيب، فهزت الكيان الصهيوني، وأرست دعائم انهياره.
قبل وصول الزورقين إلى الشاطيء، عانى المقاومون من شدة الأمواج، لساعات طويلة وشاقة ليلا قبل الوصول إلى الشاطيء عندما نزل اثنان من المقاومين، واستطلعا المكان، فعثرا على شابة تجلس في سيارتها قرب شاطيء البحر، فاستدعيا القائدة دلال، فحاورتها، وعلمت أنها صحفية أميركية.
وعندما سألتها إن كانت كصحفية التقت بأي من المقاومين في الأرض المحتلة، ضحكت الفتاة وقالت: فدائيون! مخربون! بالطبع لا، فأنتم لهم بالمرصاد"، ظنا منها أن من تحاورهم هم من الشرطة الاسرائيلية.
بادرتها دلال سابقة دهشتها: "إعلمي إذن أننا فدائيون، وأعرف أنك لم تتوقعي أن تلتقي بفدائيين، فدعاية الصهاينة أعمت أعينكم في الغرب عن حقيقة الوضع هنا.. ثقي تماما أننا نهز كيانهم يوميا بضرباتنا، ولن نتوقف عن قتالهم حتى تحرير فلسطين، مهما ضاعفت بلادكم أميركا من دعمها لهذا الكيان الغاصب".
استدركت دلال كشف أمرها، فالصحفية ستنقل خبر وجود مقاومين لسلطات الاحتلال. استبعدت بثقافتها الثورية فكرة تصفية انسان بريء، فعمد المقاومون إلى ربطها على جذع شجرة، وتابعوا محاولين أسر حافلة للركاب ليتفاوضوا عبرها لإطلاق سراح الأسرى.
تمكن المقاومون من أسر حافلتين، وضموا ركابهما في حافلة واحدة، وكانت الشهيدة مغربي تشرح للركاب أن أحدا لا يريد أذيتهم، بل تحرير الأسرى، طالبة تعاونهم حفاظا على سلامتهم.
وانطلقت الحافلة بين حيفا وتل أبيب، في لعبة الصراع حتى الموت، والجرأة بكل صلابة، وإسقاط الاحتلال ولو لساعات، واستعادة فلسطين يوما كاملا على أيدي مجموعة من المقاومين.
وبدأت عمليات الكر والفر. لاحقت قوات الاحتلال الناقلة، وهي تتبادل النيران مع المقاومين من داخل الباص أثناء تقدمها من نقطة إلى أخرى من حيفا باتجاه تل أبيب، إلى أن تمكنت قوات الاحتلال من إيقافها بعد أن تسببت بأعطال في إطارات الحافلة فلم تعد قادرة على التقدم.
تواصلت المجابهة العسكرية بين المقاومين المتمترسين بالحافلة، وقوات الاحتلال التي استدعت قوات كبيرة لمواجهة الموقف الحرج الذي وضعهم المقاومون فيه، واستمرت المواجهات العنيفة طوال النهار، وأبدى المقاومون صلابة، وجرأة منقطعة النظير، وألحقوا بالجنود الاسرائيليين الخسائر الفادحة، وظل الوضع على ما هو عليه من مواجهات حتى هبوط الليل، وخلال المجابهات، كان المقاومون يتساقطون. استشهدت غالبية عناصر المجموعة، ووقع اسيران بعد نفاذ ذخيرتهما. أما الحافلة، فقد أصيبت بقذائف إسرائيلية أدت إلى تفجرها، ومقتل كل ركابها الذين ناهزوا الثمانين.
بعد مرور واحد وأربعين عاما على العملية، لا تزال ذكراها متأججة في نفوس الجمهور التائق للتحرر، فأحيت المقاومة الفسطينية، وعائلة أحد أبطال العملية الأسير يحيى سكاف، المناسبة باحتفالية في مخيم البداوي شمال لبنان، أزيحت فيه الستارة عن لوحة تذكارية ثبتت على المدخل الشرقي للمخيم، في حضور حشد غفير من الفلسطينيين واللبنانيين وفاعليات منهم.
جمال سكاف، شقيق الأسير يحيى علق على المناسبة قائلا: "نحيي ذكرى عملية بطولية ضد العدو الصهيوني في ظرف نسمع فيه تهافت بعض الحكام العرب على التطبيع مع العدو، ونعتبر ذلك طعنة في الظهر لقضية الشعب الفلسطيني، ولتضحيات الشهداء المقاومين والأسرى منهم، الذين ذهبوا إلى فلسطين لاسترجاعها من محتليها، ويحتفظون في سجونهم بآلاف الأسرى".
ووصف جمال سكاف "التطبيع بالخيانة، وتوجه بالتحية إلى "كل المقاومين، وعلى رأسهم سماحة السيد حسن نصر الله وإن أبناء شعبكم، وأهل يحيى سكاف، واصدقاءه، وكل الشرفاء في امتنا، سيبقون على نهجهم، ووعدهم حتى تحرير فلسطين، كامل فلسطين”.
وقال غسان عامرية، شقيق الشهيد عامر عامرية: “الذكرى تعني لي الكثير، وأولها أن القضية التي دفع أخي حياته ثمنا لها، يا للأسف، انتهت عندما كثيرون من العرب زحفوا زحفا إلى اسرائيل”.
أضاف في كلام ل"الميادين نت": "ذهب أخي كفدائي، لا تهمه حياته بقدر ما تهمه قضيته. قال لنا: "أبي أبو عمار، وأمي فلسطين. وأمام هكذا شهادة لا تملك ما تقوله له. عامر كان في كل بيت، والناس لا يزالون يتذكرونه، ويعرفونه، ويعرفون طيبته، وصدقه، وروحه الثورية”.
فادي المغربي، شقيق الشهيدة دلال، قال ل"الميادين نت": يعود علينا شهر آذار، شهر اللوز، والمرأة والمعلم، وشهر دلال ومعركة الكرامة، يوم الأرض، ويوم الأم والطفل، يعود يوم الحادي عشر من آذار، يوم الشهيدة دلال المغربي ورفاقها الأبطال، وكل الشهداء والأسرى، والجرحى البواسل، ورموز شرفت مسيرة نضالنا، هم تيجان على رؤوسنا، أوفياء للعهد، والقسم، وهم الجلاد للعدو الغاشم، للعربان المتصهينين المتهاتفين على التطبيع مع العدو، فليحذر أولئك العربان المنافقين الذين يجاهرون بوقاحة، ويعلنون الود للصهاينة ليلا نهارا.
أضاف: نقول لهم أن طريقهم مسدود بسواعد وبنادق الأحرار من أمتنا، ونهايتكم ستكون مع نهاية هذا العدو، فلا تطبيعكم، ولا تسوياتكم السلمية، ولا حلولكم الوهمية باقية، لن يكون طريق غير الكفاح المسلح ومدرستنا هي نفسها مدرسة دلال ورفاقها، سواعد وبنادق وثوار، ولدلال نقول "لقد حفظنا الوصية أختاه.. بأن نزيل كل خلافاتنا الثانوية ونضع هدفنا الأساس معركتنا ضد هذا العدو، وتوحيد بنادقنا، ضده. فلسطين حتما ستتحرر. وعد الله لعباده المخلصين، والثوار والمجاهدين.