هكذا تنظر روسيا إلى الشرق الأوسط.. المواجهة الخطرة
حيث تجلس في مكانها تنظر روسيا إلى الشرق الأوسط كجزء من جوارها الواسع. ترى فيه فرصاً ومخاطر في وقت تقترب فيه علاقتها مع أميركا للمرة الأولى منذ زمن طويل من حدود الانفجار. انفجار قد يحدث فجأة في أكثر من منطقة مرشّحة للتصعيد. ديمتري ترينين مدير مركز كارنيغي في موسكو يُجيب في هذا المقال عن الأسئلة المتعلقة بالتحوّلات الدولية والعلاقة المتأزّمة بين موسكو والغرب ومآلات الصراع في سوريا. هذا المقال يعكس رؤيته.
في عالم متغيّر، روسيا ترى نفسها القوة العظمى الوحيدة القائمة بذاتها شمال كتلة أوراسية ضخمة. حيث تجلس في مكانها تنظر إلى الشرق الأوسط كجزء من جوارها الواسع. هي ليست بعيدة من قلب الشرق الأوسط. إذا كنت تتحدّث عن القوقاز فهي قريبة جداً.
في الغالب ينتمي الشرق الأوسط إلى الجزء المسلم من العالم، والإسلام أحد الديانات الأصلية في روسيا. لذلك، تربط توجّهات إسلامية بين بعض الدول وبين مجموعات إثنية ضمن الفدرالية الروسية وكذلك بين جيرانها من ناحية الجنوب.
الشرق الأوسط منطقة ديناميكية للغاية. هناك ثروة في أجزاء من المنطقة، وفُرَص لعلاقات ومشاريع تجارية بالنسبة إلى روسيا، ولكنها أيضاً منطقة مليئة بالمخاطر. هناك متطرّفون ومجموعات إرهابية. بالنسبة إلى هذه المجموعات يمكن أن تكون روسيا هدفاً لها مرة أخرى. لذا، ينظر الروس إلى المنطقة كجارة وكفرصة وكمخاوف أمنية. كل هذه الأمور في الوقت نفسه.
طريق خطير للغاية
في روسيا يُنظر إلى العلاقة مع الولايات المتحدة على الشكل التالي: سوف تكون سيّئة قبل أن تصبح أكثر سوءاً. لا تتّجه الأمور لتغدو أكثر سهولة. الدينامية سلبية جداً. الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها من المرجّح أن يتزايد. الروس مقتنعون أن العقوبات لن تُرفع عمّا قريب. ربما ستستمر على مدى حياة أشخاص كثيرين يعيشون في روسيا اليوم، لكن من المرجّح ألا تتعزّز هذا العام.
في سياق المواجهة بين البلدين ربما يحدث انفجار مفاجئ. في سوريا السياسات الأميركية والروسية مختلفة جداً وفي بعض الحالات مُتعارضة. في أوكرانيا صراع لا يهدأ على خلفية الانتخابات الرئاسية الأوكرانية وبعدها الانتخابات البرلمانية.
عام 2018، وفي حالتين على الأقل، كاد الأمر أن يتطوّر إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين، وأفلتا من ذلك بصعوبة.
لقد رأينا حادثة خطيرة بين خفر السواحل الروسي والأوكراني في بحر أزوف. الوضع في دونباس غير مستقر بطبيعته بحيث يمكن أن تكون هناك استفزازات ومحاولات لتغيير الوضع.
أخيراً، هناك خطر من سباق التسلّح الناتج من إعلان أميركا انسحابها من معاهدة الصواريخ النووية متوسّطة المدى والردّ الروسي على هذه الخطوة.
لذا، في حال عادت الصواريخ إلى أوروبا، ستقترب موسكو وواشنطن بشكل كبير من حافة صراع قوي. الصواريخ الأميركية التي تم نشرها في أوروبا بداية ثمانينات القرن الماضي كانت لديها القدرة على الوصول إلى الصواريخ الروسية ومراكز السيطرة والقيادة الروسية في غضون بضع دقائق.
إنه أمر خطير للغاية إذا سلكت الأمور هذا الطريق ولا أعرف ما إذا كان سيحدث. الولايات المتحدة تقول إنها لا تعتزم نشر صواريخها متوسّطة المدى في أوروبا، لكن عليك أن تفسح المجال لهذا الاحتمال.
الحرب الهجينة
نعيش اليوم في خضم ما يمكن أن نسميه بالحرب الهجينة. إنها سيّئة كالحرب الباردة ولكن بشكل مختلف. الحرب الباردة كانت ثابتة. كان هناك شيء اسمه جدار برلين، شيء اسمه الستارة الحديدية. مقابل حلفاء الولايات المتحدة كان هناك حلفاء الاتحاد السوفياتي. كانت الحرب متناسقة بطرق عديدة، ويمكن ملاحظة التمايز بين حلفاء الطرفين.
في عالم اليوم لا يوجد تناسق. لا خطوط فاصلة. ساحات المعارك الرئيسية هي في الواقع فضاءات مشتركة مالية واقتصادية ومعلوماتية وإلكترونية. الناس يقاتلون في تلك الفضاءات المشتركة غير المُتناسقة.
بمعيار القوة، لا تضاهي الفدرالية الروسية الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفياتي. لا يشير ذلك إلى أن روسيا أضعف بكثير من أميركا، فهذا وضع غير متناسق. لذا من غير المؤكد أن المواجهة بين الطرفين ستقود حتماً إلى انتصار الولايات المتحدة. النتيجة مفتوحة والإطار مختلف جداً عما كان لدينا من قبل، ويمكن أن يكون خطيراً للغاية بطُرُق مختلفة.
التقارب بين موسكو وبرلين
قد يرى البعض نوعاً من التقارب الخاص بين ألمانيا وروسيا مبني على نظرة جيوسياسية متينة. بالمقابل تساير برلين في كثير من الأحيان المواقف الأوروبية الصارمة تجاه موسكو. كيف نفهم ذلك؟
أوروبا ليست قوة عظمى. هي ترفض الكثير من القواعد والمبادئ وأساليب وسلوك القوى العظمى. هذا مبرّر لهم. الأوروبيون يفخرون بنجاحهم في تحويل أنفسهم إلى مجتمع سلمي من الدول المتشبّثة بقيم معينة، الأمر الذي لم يكونوا عليه سابقاً عندما خاضوا حربين عالميتين.
مع ذلك، هناك ثمن يدفع مقابل كل نجاح. والثمن في هذه الحال أن أوروبا رفضت أسلوب فن الحكم التقليدي، ما يعني، أنها وفق ما هي مبنية الآن، لا يمكن أن تكون لاعباً استراتيجياً على الصعيد الجيوسياسي. بهذا المعنى لا تزال أوروبا بحكم الواقع محميّة من قِبَل الولايات المتحدة التي تشكّل مظلة الأمن الخارجي لها.
داخل أوروبا، ثمة وجهات نظر مختلفة حول الكيفية التي ينبغي التصرف بها. كيف يجب أن تتموضع؟ أي نوع من الاتحاد الأوروبي مرحّب به؟ الأجوبة على ذلك تجعل أوروبا منقسمة داخلياً.
من ذلك أن بعض الدول لديه تجربة إيجابية أكثر من غيره مع روسيا، والمزيد من المصلحة المرتبطة بموسكو. ألمانيا لديها عدد من المصالح الاقتصادية التي تربطها مع روسيا، لكنها لا تستطيع ولن تكون قوة عظمى مرة أخرى. لن تتمكن من رسم سياستها الخارجية ودفاعها الأمني بشكل مستقل عن الاتحاد الأوروبي وينبغي عليها الالتفات إلى الدول الأوروبية التي لديها موقف سلبي جداً تجاه روسيا. هناك بلدان ما زالت تُحرّكها تجاه روسيا الإيديولوجيا التي تستدعي إلى ذاكرتها أموراً سيئة لن تنساها أبداً وسوف تملي موقفها تجاه موسكو إلى الأبد.
لذلك، هناك تقارب بسيط قائم على أسس اقتصادية بين روسيا وألمانيا، وبين روسيا وفرنسا، لكن لا شيء استراتيجي على الإطلاق.
الأسد حليف.. ولكن
يحتاج الروس إلى لعب مباراة طويلة في سوريا. هم يعلمون ذلك. الهدف لن يتحقق قريباً جداً. لا شيء سيحدث تماماً كما تشتهيه روسيا. انخراطها هناك يحتاج إلى "الكثير من الصبر".
هدفها النهائي هو بلد مستقر إلى حد معقول يخدم روسيا كبوابة للمنطقة وكمنصّة للوجود الروسي العسكري مع قدر من النفوذ السياسي. لكن مرة أخرى هذا لن يتم توطيده قريباً جداً.
لقد وجد الروس أنه من الأسهل التعامل مع الخصوم والأعداء في أرض المعركة من التعامل مع الحلفاء، مثل الرئيس بشّار الأسد.
حاول الروس أن يدفعوا الأسد إلى إظهار المزيد من المرونة تجاه خصومه المحليين منذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011، لكنهم اكتشفوا أن حزب البعث، الذي هو أساس قوّة الأسد، يرحّب بتقاسم السلطة السياسية، كأيّ حزب اشتراكي من الماضي.
قد يكون لديك حلفاء بالإسم ولكن ليس شركاء جديين. هذا يجعل الأمور أكثر صعوبة للروس. أعتقد أن روسيا ستعوّل أكثر على الأسد عندما تلمس أن هناك ما يستحق، وأن الأطراف الأخرى، الإقليمية والمحلية المعارضة وحتى الدولية، مستعدّة أن تفعل لروسيا ما ستكون روسيا مستعدّة أن تفعله في سوريا، ولكن هذا ما زال بعيداً. ليس وهماً التفكير بتسوية في سوريا تراعي مصالح اللاعبين الأساسيين. ذلك ممكن لكنه سيستغرق وقتاً.
الحرب لم تنته بعد في سوريا. مسألة إدلب لم تُحَل. هناك قضايا أخرى يمكن أن تندلع. قد تحصل استفزازات من أطراف مختلفة. من الخطأ الاعتقاد أن الجميع في سوريا أو في المنطقة مهتم بالتسوية. هناك أحزاب غير مهتمة ويمكنها الانخراط في أعمال استفزازية للحرص على منع اللاعبين الآخرين من الاتفاق في ما بينهم.
هناك اهتمام يجمع، ولأسباب مختلفة، الأوروبيين والروس حول قضية عودة اللاجئين. لذلك لا يمكن أن تكون هناك حلول مُجتزأة على طول المسار. أعتقد ان العملية السياسية ستكون أكثر نشاطاً بقليل مما كانت عليه سابقاً، لكن التسوية النهائية لن تحصل عام 2019. ربما أقرب موعد لشيء يبدو كتسوية سياسية في سوريا قد يكون عام 2020 أو 2021.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً