2019 لن يكون عاماً مُملاً في أوروبا
قد تعاني أوروبا أكثر من الشرق الأوسط. قد تشهد اضطراباً. في القارة العجوز يسود قلق من أفكار الرئيس الأميركي دونالد ترامب. إذا وجدت تلك الأفكار صدى ولاقت انتشاراً سيكون لهذا الأمر تأثير على استقرارها. واقع أن ترامب يقدّم نموذجاً بديلاً مع وجود متابعين له استوحوا من أمثلته يخلق تأثيراً مضاعفاً في الفضاء الأوروبي. هنا قراءة يعرضها توماس فالاساك مدير كارنيغي في أوروبا ضمن ملف "عالم مضطرب". تركّز أبحاثه على الأمن والدفاع والعلاقات عبر الأطلسي وأوروبا الشرقية.
ظاهرياً ما يحظى بأكبر قدر من الاهتمام في العلاقات الأميركية الأوروبية هو مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأوروبيين بإنفاق أكبر على ميزانيات الدفاع. هو أول رئيس أميركي يفعل ذلك.
في الواقع، هذه ليست أكبر قضية خلافية. الحقيقة التي تقلق الأوروبيين هي أن الإدارة الأميركية لم تعد تؤمن بأن المؤسّسات الدولية مفيدة للولايات المتحدة ولبقية العالم.
مصير مجهول
2019 لن تكون سنة مملّة بالنسبة لأوروبا. سنشهد بالتأكيد عاماً متوتراً لأسباب عدّة. الانتخابات الأوروبية مقبلة. كيف سيكون وضع الشعبويين خلال انتخابات البرلمان الأوروبي؟
هناك أسباب للاعتقاد بأنهم سيكونون أفضل من الانتخابات السابقة. وبالتالي، في ما يتعلق بالبرلمان وربما المفوضية الأوروبيين المقبلين سيكون هناك انجذاب أقل إلى التكامل الأوروبي. فكرة أن الشعبويين ينوون تفكيك الاتحاد الأوروبي تخلق تحدياً جدياً.
هناك قلق إذا وجد ترامب تابعين له في أوروبا. إذا لاقت أفكاره انتشاراً قد تعاني قارتنا أكثر من الشرق الاوسط.
سنكون أيضاً أمام استحقاق اختيار المناصب الرفيعة في المفوضية الأوروبية وهيئات أخرى. تتحوّل هذه المناسبات إلى عامل انقسام وتضع مجموعة من الدول الأعضاء الجديدة من أوروبا الوسطى في تنافس مقابل بعض الدول الأقدم والأكثر رسوخاً من أوروبا الغربية. إذا تركت هذه الأمور من دون متابعة فإن هذا الخلاف قد يؤدّي الى نوع من الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي بين فئتين من العضوية.
أيضاً هناك الأمور المجهولة، كأزمة الهجرة التي ضربت أوروبا عام 2015، وكيف سيكون شكل العلاقة مع الولايات المتحدة في ظل رئاسة دونالد ترامب.
أحد أسوأ السيناريوهات، انسحاب إيطاليا من منطقة اليورو، الأمر الذي سيكون مزعجاً ليس فقط لإيطاليا ولكن لكل الدول الأخرى التي تستخدم اليورو.
هناك نقاش يُتابع على هذا الصعيد بين الحكومة الإيطالية الجديدة وسائر الحكومات الأوروبية التي اتهمت روما باقتراح ميزانية غير مسؤولة وكَسْر القواعد المالية للاتحاد الأوروبي.
قلق حول أمن أوروبا
يسود حالياً اعتقاد في واشنطن أن المدخل الصحيح للعلاقات ما بين الدول يمرّ عبر نوع من التنافس الاقتصادي والسياسي للسيطرة. نحن الأوروبيون نواجه مشكلة حقيقية مع هذا التوجّه لسببين:
نعتقد أولاً أنها ليست صفقة جيدة على المستوى العالمي، وبالتالي عندما تتعاون الدول في قضايا التجارة وتسعى بشكل مشترك لحل المشكلات مثل الاتفاق الذي توصلنا إليه مع إيران، نكون عندها أكثر فعالية ونجاحاً مما إذا حاولنا القيام بذلك بشكل فردي أو نافسنا بعضنا.
لكن المشكلة ذات البُعد الخاص بالنسبة لنا نحن الأوروبيون هي أنه لدينا مع السياسة الأميركية قلق يتعلق بأمن أوروبا. لقد جرّبنا النموذج التنافسي خلال النصف الأول من القرن العشرين وانتهى الأمر بحربين عالميتين. لذا أنشأنا الاتحاد الأوروبي، وهو أقرب شكل من أشكال التعاون والتكامل. ليس السبب إننا رومانسيون، إنما لأننا نعتقد أنه الطريق الوحيد للحفاظ على استقرار أوروبا.
الآن عند سماع ترامب يتحدّث عن أن الاتحاد صفقة سيّئة وأن التعاون والتكامل ليس سبيل التقدم، فإن هذا الكلام يؤثّر على أمننا ويجعلنا نشعر بالقلق.
كيف ستواجه أوروبا ذلك؟
يعتمد الجزء الأكبر من الإجابة على التأكّد من أن الاتحاد يعمل جيداً لمصلحة لجميع. ما قدّمه لنا ترامب هو تحدّ لجعل الاتحاد يعمل بشكل أفضل. لنرى ما إذا كان بإمكاننا الاستمرار في تحقيق الرخاء والاستقرار الذي استمر طيلة 70 عاماً تقريباً، وما إذا كنا نستطيع فعل ذلك بطريقة أقل كلفة وأقل بيروقراطية من سياسات بعض المؤسّسات الحالية.
لا يمكن التنبؤ به
ستستمر الولايات المتحدة في القيام بما لا يمكن التنبؤ به، وسيسعى الباقون إلى تحقيق التوازن وإعادة التوازن استجابة لما تفعله.
يجعل الرئيس الأميركي من أي شيء لا يمكن التنبؤ به جزءاً من أسلوبه التفاوضي. هذا الأسلوب أحضره معه من عالم الأعمال ليتحدّى التوقّعات. لقد قال بداية إنه لن يكون هناك "نافتا" (اتفاقية التجارة الحرة بين أميركا وكندا والمكسيك)، فقط من أجل توقيع اتفاقية جديدة تختلف اختلافاً طفيفاً عن الاتفاقية السابقة.
اتخذ موقفاً متشدّداً جداً من الصين خلال حملته الانتخابية. غيّر من موقفه خلال الأشهر الأولى من تولّيه السلطة. بدا الأمر كأنه تعاون جيّد مع الصين لجعل كوريا الشمالية تلتزم بعدم انتشار الأسلحة النووية، ثم انهارت العلاقة بين الولايات المتحدة والصين مرة أخرى. تحدّى التوقّعات بشأن إيران. غيّر مواقفه في قضية واحدة مرات عدّة.
ما أقوله هو أننا على استعداد للتكيّف مع كل ما تفعله الولايات المتحدة. إذا نجحت بالتوصّل إلى اتفاق مع الصين حول المسائل الكبرى المتعلّقة بشروط التجارة، ومنها ما يرتبط بالشروط التي تسمح للمستثمرين الغربيين القيام بأعمال في أسواقها، عندها يمكن أن نرى أن أميركا والصين ستحظيان بعام جيد في 2019. هذا الوضع سيضع روسيا في موقف حرِج نظراً إلى قربها الشديد من الصين، مشكّلين في كثير من الأحيان تحالف معادٍ لأميركا.
التقارُب مع روسيا
يطمح الروس بنظرنا إلى تقسيم النظام الذي تقوم عليه أوروبا بما في ذلك حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
التقارّب الأوروبي مع روسيا غير وارد من هذا المُنطلق، لا لأن الولايات المتحدة تطلب ذلك، بل لأن هناك مشكلة حقيقية مع السياسة الروسية.
يرتبط هذا الأمر بمصالحنا الأمنية بحيث تم تبنّي موقف متشدّد من ضمّ شبه جزيرة القرم، كذلك من التدخّل الروسي في منطقة الدونباس. والسبب هو أننا نعتقد أنه إذا تم تكريس هذا النوع من الممارسات عندها كلنا سنعاني.
هناك الكثير من المظالم في أوروبا بعضها يعود إلى مئات السنين ويمكن أن يبرز من جديد. إن قواعد العمل المعمول بها في أوروبا تعتمد على حل القضايا الخلافية بشكل سليم، وعلى الترابط الاقتصادي بغية تخفيف الأسباب البنيوية للخلاف والمنافسة. إذا اختفت هذه المبادىء سنعاني أكثر من غيرنا. سنواجه مشكلة كبيرة إذا تم تأسيس مبدأ عمل جديد يصبح معه استخدام القوّة أو مهاجمة دولة أخرى أمراً مقبولاً.
رغم ذلك لطالما كانت علاقتنا الاقتصادية مع روسيا أقوى من علاقتنا الاقتصادية مع أميركا، حتى خلال الحقبة الشيوعية والحرب الباردة. أسباب ذلك واضحة، وهي أن روسيا جارتنا ونستورد منها الطاقة. هذه العلاقة البراغماتية ستستمر.
شروط الأسد
من الصعب المُجادلة بالحقائق عندما يتعلق الأمر بسوريا. سنشهد انخفاضاً تدريجياً للنزاع إلى حد كبير وفقاً لشروط الأسد. واقع أن الرئيس بشّار الأسد عزّز سيطرته على كل الأراضي باستثناء بعض البؤر بمساعدة روسيا، فهذه حقيقة. ما من أحد مستعد أن يتدخّل عسكرياً اليوم ويقلب هذا الواقع.
اهتمام أوروبا الرئيسي في سوريا كان يتركّز حول منعها من أن تصبح ملاذاً لهجوم إرهابي قد يؤثر على أوروبا. حقيقة الأمر أن سوريا الموحّدة تخدم هذا الغرض بشكل أفضل من سوريا التي تخوض حرباً ولا تملك حكومة.
آخر ما نريد رؤيته هو إعادة تأسيس داعش من حيث الشكل والحجم الذي رأيناه قبل بضع سنوات. لذلك لا أرى أن أوروبا تسعى إلى تغيير الوضع القائم في سوريا، وإنما إلى دعم نهاية تفاوضية للصراع تحفظ حقوق الكرد.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً