القرار الأخطر
لم يرضَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنهاء عامه الأول في البيت الأبيض من دون تنفيذ الوعد الذي قطعه بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. ما لم يجرؤ أي رئيس أميركي على القيام به أقدم عليه ترامب غير عابئ بكل المواقف التي اتهمته بتقويض عملية التسوية. أما وأن القرار قد صدر، ماذا بعد؟ قراءة للدكتور سيف دعنا.
لم يستمع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس لكلّ النصائح التي دعته إلى المكوث في واشنطن وعدم الذهاب إلى الشرق الأوسط أو بالأحرى عدم صبّ الزيت على النار التي أشعلها رئيسه دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
زيارة بنس تتزامن مع مرور العام الأول على دخوله البيت الأبيض برفقة الرئيس الأميركي الجديد. ربّما أراد الرجل الوحيد الذي ظهر في الصورة خلف ترامب وهو يضع توقيعه على ما اعتبر "وعد بلفور الثاني" الاحتفال بهذا القرار، وهو الذي يعدّ من أكثر الداعمين له خصوصاً وأنه يمثل القاعدة الإنجيلية المتطرفة، قاعدة ترامب الشعبية التي أراد مخاطبتها بالدرجة الأولى وتنفيذ وعده الانتخابي لها.
يوم السادس من كانون الأول/ ديسمبر 2017 قرّر ترامب أن يزيل قضية القدس عن طاولة المفاوضات. هكذا قال لاحقاً في تغريدة له. بيد أنه لهذا القرار ما سبقه من ظروف وما لحق به من انعكاسات.
حسابات ترامب كانت داخلية أكثر منها خارجية. الرئيس الأقل شعبية في تاريخ الولايات المتحدة بعد عام فقط من بدء مهامه أراد أن يوفّر حماية له من خلال تمتين قاعدته الجماهيرية. هذه القاعدة التي تعتبر إسرائيل جزءاً من أولوياتها والتي من شأنها حمايته في الصراع مع أجهزة الأمن القومي دفاعاً عن خطوته التي لم يجرؤ على القيام بها أي رئيس أميركي من قبل.
بيد أن ترامب كان يدرك أيضاً أن مثل هذه الخطوة لن تؤدي إلى مواجهة بين جناحي البيت الأبيض والأمن القومي. ففي نهاية المطاف نحن نتحدث هنا عن إسرائيل التي ترى فيها الولايات المتحدة مصلحة قاعدة متقدمة لها. وربّما توقع الرئيس الأميركي ردة فعل عربية من النوع الذي شهدناه.
اتخذ القرار وأتبع بتهديدات وضغوط اقتصادية ووقف تمويل الأونروا بما يمسّ بشكل مباشر حق العودة. لم يأبه الرئيس الأميركي بأي مواقف أوروبية أو دولية رافضة للقرار ولا بإجماع إعلام بلاده على أن خطوته ستزيد من العزلة الأميركية في العالم ولا باحتمال تفجّر الأوضاع في فلسطين المحتلة. بدا ترامب من خلال قرار القدس كمن يكشف عن الدور الحقيقي للولايات المتحدة في هذا الملف.
يقول أستاذ علم الاجتماع والعلاقات الدولية في جامعة ويسكونس الأميركية سيف دعنا "إن أميركا لم تكن يوماً وسيطاً نزيهاً والقول إنها كانت كذلك هو مجرد وهم آمن به من ساروا في ركب التسوية" مضيفاً أن ما يفعله ترامب اليوم هو "تطبيق سياسات المحافظين الجدد بما شوّه الصورة الأميركية في العالم وأعطى الفلسطينيين نوعاً من الدعم والإسناد الدولي".
يرى دعنا أن الفرصة لا تزال قائمة لاستثمار هذا القرار وما تبعه من زخم دولي من قبل الفلسطينيين تماماً كما فعل الإسرائيليون من خلال كل القرارات التي صدرت مؤخراً بشأن القدس.
قرار الاعتراف بالقدس هو جزء من صفقة متكاملة تعرف بـ"صفقة القرن" جرى الحديث عنها كثيراً في الربع الأخير من عام ترامب الأول. وما كان عبارة عن تسريبات لصحف أميركية في البداية تحول إلى اعتراف رسمي وعلني بأنه جرى عرض "أبو ديس" عاصمة لفلسطين بدلاً من القدس. "صفقة القرن" التي تكفلت الرياض بإبلاغها للفلسطينيين "قد تكون مؤجلة لكنها لم تلغَ" يقول دعنا، متوقعاً أن "بعض قراراتها قد يحملها عام ترامب الثاني في البيت الأبيض إذا ما استمر الردّ الفلسطيني بهذا الضعف" على حدّ وصفه.