السيارة السورية والمسارات النهائية

تقف سوريا على أعتاب المراحل النهائية من الأزمة. لن يتوقّف القتال خلال هذه المراحل التي ستمتد من عام إلى ثلاثة أعوام. لكن من الواضح أن الاتجاهات السياسية والميدانية العسكرية للفترة المقبلة بات من الممكن قراءتها. هذه القراءة تستند إلى مقابلة مع يزيد صايغ، باحث أول في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، والذي يتركّز عمله على الأزمة السورية وغيرها من الملفات. هنا الجزء الأول الذي يستشرف مآلات الأزمة السورية هذا العام ضمن ملف "2018.. المخاض العسير".

ثلاثة مسارات أساسية ستحكم سوريا عام 2018 (أ ف ب)

هناك ثلاثة مسارات أساسية ستحكم سوريا عام 2018: مسار ميداني مباشر، ومسار دبلوماسي سياسي، ومسار يتعلّق بالمسألة الكردية ويتداخل فيه عدد من الاعتبارات.

من الواضح أن الاتجاه نحو زيادة قبضة النظام على الأراضي السورية سيتعزّز هذا العام. حيث يستطيع الجيش السوري أن يزيد الضغط العسكري وينتزع مكاسب سيفعل.

هناك مناطق مرشّحة للسقوط بيده بشكل أو بآخر. أكثر المناطق التي يرجّح أن يضع ثقله العسكري فيها خلال الفترة المقبلة هي المتاخمة لدمشق، خصوصاً الغوطة الشرقية. لا يمكن أن نستبعد تماماً أن يقلب التوجّه نحو محافظة إدلب لكن لهذه المنطقة تعقيداتها كما منطقة الجنوب. الاحتمالات تبقى واردة على الدوام ولا يمكن استبعادها.

ترتبط منطقة الجنوب بحسابات إسرائيلية وأيضاً أميركية من خلال الأردن. يستبعد أن تتّجه هذه المنطقة نحو التصعيد عموماً. النظام لا يحتاج أن يصعّد ولا الأطراف الخارجية. هذه المنطقة عالية الدقّة كونها متاخمة للجولان المحتل وبالتالي لن يخاطر أحد بقلب المعادلة فيها، لأن هذا الأمر سيؤدّي إلى قتال أوسع.

سيبقى الجنوب ساحة عمل متواصل لكن على نار هادئة. الأردن معنيّ بهذه المنطقة ولا يريد أن تبقى المشكلة مشتعلة ومفتوحة عند حدوده. يأمل أن يصل إلى نتيجة. في مرحلة معينة، ستصل المباحثات بين دمشق وعمّان وبين الأطراف الأخرى إلى اتفاق على إعادة فتح معبر نصيب. هذا أمر يريده الأردن كما يريده النظام ولكن كلاً وفق شروطه.

محافظة إدلب هي منطقة أخرى معقّدة نظراً إلى وجود الجماعات التكفيرية والمتشدّدة فيها. تتّفق جميع القوى الخارجية والداخلية، بما فيها النظام والمعارضة، على ضرورة حسم الوضع هناك، لأنه لا يمكن التعايش أو التفاوض مع الإرهابيين.

هذا لا يعني بالضرورة الاتجاه إلى حسم الوضع بشكل نهائي في هذه المحافظة  خلال الفترة القريبة المقبلة. إدلب باختصار محكومة بمعادلة سياسية أوسع هي المعادلة التركية- الكردية- السورية- الروسية.

مصلحة دمشق أقوى من رغبة موسكو

محافظة إدلب هي منطقة أخرى معقّدة نظراً إلى وجود الجماعات التكفيرية فيها (أ ف ب)

المسار العسكري غير مفصول عن المسار السياسي سوى بمفاصل معينة. يمكن تفسير ذلك إذا ما أخذنا الغوطة الشرقية مثالاً على ذلك. مهما كانت مواقف الأطراف الخارجية، ليس فقط الغرب ودول الخليج بل حتى الحليف الروسي، فإن النظام سوف يتصرّف في الغوطة الشرقية بما يحقّق مصالحه. نحن نعرف أن روسيا كانت الوسيط مع فصائل مسلّحة في الغوطة مثل جيش الإسلام وفيلق الرحمن لإدخالها ضمن مناطق خفض التوتّر.

تم نشر شرطة عسكرية روسية في بعض المواقع لضمان انتقال المؤن وما شابه إلى المناطق المحاصرة. لاحقاً سحب الروس حواجزهم نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية وتصعيد القصف من قِبَل النظام. هذا مؤشّر على وجود تفاعل بين المسارات. من جهة تضغط روسيا باتجاه خفض التصعيد وخلق وقف إطلاق نار. ومن جهة أخرى تبرز رغبة النظام بفرض سيطرته حسب شروطه السياسية في هذه المنطقة.

منطقة الغوطة تحديداً، وبسبب قربها من دمشق، يتوقع أن تخضع لدينامية النظام. قد تتدخل روسيا وتسعى إلى إقناع النظام بطريقة سياسية دبلوماسية، لكن إذا شعر الأخير أن ما تقترحه روسيا ليس في مصلحته وأن لديه أفضلية ميدانية فسيستغلّها.

هل يضغط الروس على الأسد؟

يتمحور المسار السياسي حول مباحثات أستانة ومباحثات جنيف، إضافة إلى مشروع سوتشي الذي عرضه الروس من أجل التوصّل إلى حوار سوري- سوري.

يبدو من بين هذه المباحثات  (الثلاثة) أن مشروع سوتشي سيكون المسار الأهم هذا العام. الحوار السياسي الروسي السوري يتم أحياناً في الخفاء، وأحياناً في العلن وأحياناً بليّ الأذرع.

يحلّ المشروع الروسي المشكلة في نطاق ما تطالب به الدولة منذ ست سنوات، أي حوار ضمن معادلة سورية سورية. عملياً تبنّى سوتشي خطاب النظام حول الحوار السوري السوري لكنه عاد وأعطاه إطاراً دولياً نوعاً ما. هنا سنشهد نوعاً من التجاذب بدأ ينعكس منذ دعوة بوتين الأسد إلى سوتشي، وأيضاً منذ قدوم الرئيس الروسي إلى حميميم، كما عندما أعلن الأخير بدء عملية انسحاب القوات الروسية من سوريا.

من وجهة نظري يريد بوتين أن يحقّق ضغطاً سياسياً على الأسد كي يقبل بالمشروع الروسي السياسي. عندما يقاوم النظام هذا الأمر يأتي إعلان بوتين عن سحب جزء من قواته من سوريا.

تسعى روسيا إلى حل سياسي ولكن من وجهة نظري ليس لديها أدوات كافية للضغط على النظام كي تفرض عليه القبول بتنازلات لا يرضاها.

أي موضوع يتمسّك به الأسد تقف روسيا عاجزة عن ليّ ذراعه للحصول على ما تريد. لدى روسيا بعض النفوذ ولكن هناك حدود لهذا النفوذ، والحدود تقف عند القضايا التي يعتبرها النظام جوهرية.

يهدف الروس إلى التوصّل لاتفاق سوري- سوري مع تعديلات بالدستور كوسيلة لاستيعاب اعتراض النظام ورفضه التام لاتفاق سياسي دولي للحرب السورية. سوف يقاوم النظام تشريع الدور الدولي. في حال اعترف أن المجتمع الدولي لديه أي دور في الوساطة والوصول إلى اتفاق سياسي فإنه يرى ذلك انتقاصاً لسيادته وحريته وسلوكه مستقبلاً. كيف؟

قد يأتي المجتمع الدولي مستقبلاً ويقول للنظام ما يلي: لدينا اتفاق بمباركتنا وأنت التزمت به واليوم تنكث بالاتفاق ولذلك سنذهب إلى مجلس الأمن ونعاقبك.

من هذا المنطلق يحاول النظام تجنب هذه المعضلة وعدم إعطاء أية شرعية أو دور للمجتمع الدولي مستقبلاً.

(الأربعاء الجزء الثاني)