جمعية الدفاع عن المهجرين: نضال 25 عاماً للحفاظ على حق العودة
أرست "جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين" نمطاً نضالياً سلمياً في تكريس حق العودة، ونشر الوعي الفكري والثقافي عليها، وكشف ملابسات لم تكن واضحة بخصوص النكبة، والقيام بالعديد من المبادرات الجديدة الطابع للحفاظ على حق العودة، منها المشاركة في مدرسة العودة أواخر الشهر الفائت، وقبلها، مبادرة "لا تفريط بأرض الآباء والأجداد"، وتنظيم مسيرات العودة، وأنشطة متنوعة كثيرة منذ أن نشأت.
الجمعية تأسست مطلع التسعينات كلجنة مبادرة للدفاع عن حقوق المهجرين بعد أن وضع اتفاق أوسلو، الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية مع الكيان الإسرائيلي منذ نحو 25 عاماً، فلسطينيي 1948 في وصاية السلطات الإسرائيلية، وباتوا شأناً إسرائيلياً داخلياً. والمعروف أن فلسطينيي 1948 شقان، المهجرون من قراهم وبلداتهم ومدنهم في الشتات، وأولئك الذين بقوا في أرض وطنهم.
بنتيجة ذلك، شعر فلسطينيو 1948 أن منظمة التحرير الفلسطينية أنزلتهم عن أكتافها، ولم يعودوا جزءاً من همومها، ولا اهتماماتها، وكأنها كانت تهيء لاتفاقية لبناء سلطة فلسطينية بمن بقي في الضفة والقطاع.
شعر فلسطينيو 1948 بالتخلي عنهم، وأنهم تركوا وحيدين في ظلال أحكام وقوانين سلطات الاحتلال التي وقع العرب اعترافهم بشرعيتها في اتفاق أوسلو، لكن لينقذهم من اعتبارها "شرعية" التيار المتشدد في اللوبي الصهيوني العالمي، والذي اتخذ خطوات عاجلة في منع مفاعيل أوسلو -المذلة أصلا للعرب -من أن تأخذ مجراها، وتطبق على أرض الواقع، وبالطبع ليس لصالح الفلسطينيين ولا العرب، إنما لأن التيار الصهيوني المتشدد، والمهيمن على السياسة الإسرائيلية، لا يريد الانفتاح على العرب، ولا الاعتراف بحقهم في الوجود والحياة، ولا يحتاج لاعترافهم به، وقد فعلوا، فأطلقوا رصاصة رحمتهم على رئيس وزرائهم الذي وقع الاتفاقية آنذاك، اسحق رابين، ليسقطوا الاتفاق، وليؤكدوا سيطرة التيار الإسرائيلي المتشدد على السياسة الإسرائيلية، فكان رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو رئيساً بديلاً من رابين، وتصدرت سياسة التشدد عبره، وعبر آخرين سواه، الكيان الإسرائيلي، وسدت بذلك المنافذ لأي حل سياسي.
لم يكن أمام فلسطينيي الداخل إلا أن يتخذوا خطوة ما تحت عنوان "ما حك جلدك مثل ظفرك"، فبادروا إلى التحرك، وهم في الداخل أكثر تحسساً بالآلام الفلسطينية كونهم على تماس مباشر بها، وأولى المبادرات تأسيس لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين التي أصبحت بعد سنوات قليلة "جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين"، مع التأكيد أن حقوق المهجرين هي جوهر القضية الفلسطينية.
يقول رئيس الهيئة الإدارية للجمعية، وأحد مؤسسيها واكيم واكيم إنه "في أعقاب إخراج فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1948 من استراتيجية منظمة التحرير الفلسطينية، قامت المجموعة الأولى للمبادرة بأخذ زمام الأمور بأياديها، وتم عقد الاجتماع التشاوري الأول في ربيع 1992 في مقر لجنة الدفاع عن الأراضي، وتمّ الإعلان عن قيام لجنة المبادرة للدفاع عن حقوق المهجرين، وجرى عقد العديد من الاجتماعات في مختلف التجمعات العربية، ودخل العشرات من لاجئي الداخل في الإطار التأسيسي، وتعززت الفكرة، واحتضنها كثيرون".
أمين محمد علي (أبو عرب) من المؤسسين الأوائل للجمعية، وهو من بلدة الصفوري المدمرة، قال "هناك من الصفوري اليوم، 30 ألف فلسطيني يفصلنا عن أهالينا اللاجئين خارج الخط المسمى الأخضر، ونسميه الأسود، ونحن أسسنا "جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين" التي ضمت عدداً من الجمعيات المنتخبة في بعض القرى العربية، وكان ذلك منذ 22 سنة على إثر اتفاقية أوسلو التي منع فيه المفاوض الفلسطيني طرح قضية مهجري الداخل، واعتبرها الإسرائيليون قضية داخلية. وغيبت قضية المهجرين عن طاولة المفاوضات. جمعنا بعضنا وأعلنا أن قضية المهجرين نحن مسؤولون عنها، لا شخص محدداً، ولا حزب، ولا منظمة، ولا حكومة، ولا دولة، ولا أحد..".
تطور التحرك الفلسطيني، وصولا إلى العام ١٩٩٥، فكانت الأمور أكثر نضجاً، والمشاركة بالتحرك أكثر اتساعاً، مما استلزم الانتقال إلى خطوة تنظيمية أكثر تطورا.
يتحدث واكيم عن تلك المرحلة بقوله "كانت المحطة الأساسية التنظيمية الأولى في الاجتماع الشعبي الكبير في قصر السلام في بلدة "طمرة"، في مؤتمر ضم حوالي ٣٠٠ مندوب، ومشارك من أكثر من ثلاثين قرية، ومدينة مهجرة، وذلك في 15/3/1995، وقرر المجتمعون الإعلان عن تشكيل لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين، وأكدوا التمسك بحق العودة، ورفض كل البدائل من تبديل، أو تعويض، أو توطين".
تلا الخطوة التنظيمية الأولى، حركة واسعة حيث بدأ المهجرون يبادرون لإقامة لجان شعبية، وجمعيات في العديد من التجمعات السكانية، وإيفاد مندوبين، وفرق عمل لأهالي القرى المهجرة، بحضور مندوبي لجنة المهجرين، ويروي واكيم أنه "انطلقت الفعاليات التوعوية المختلفة في العديد من القرى المهجرة، وفي طول البلاد وعرضها، وشاركت اللجنة في المؤتمرات المحلية، والإقليمية، والدولية، كما زادت الإصدارات المكتوبة للتعريف بحق العودة، وأصبحت الزيارات، والجولات للقرى، والمدن المهجرة تقليداً يشارك فيه أهالي القرى المهجرة، وأنصارهم من غير المهجرين الذين انخرطوا بقوة في نشاطات إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، وذكرى سقوط القرى، والمدن، وتزيّنت هذه النشاطات بالمسيرات الكبيرة التي كان أولها في 28/3/1998، في مسيرة "الغابسية"، تلتها مسيرة "صفورية" في الذكرى الخمسين للنكبة الفلسطينية في شهر أيّار/ مايو 1998، لتصبح المسيرات، فيما بعد، تقليداً سنوياً يشارك بها عشرات الآلاف من أبناء شعبنا، مهجرين وغير مهجرين، وكانت المسيرة هذا العام إلى بلدة الكابري.
تفاقمت الضغوط الإسرائيلية على منظمة التحرير الفلسطينية لإسقاط حق العودة، ورغم أن المنظمة لم تنجر إلى هذا الموقف، وظلت متمسكة بحق العودة، إلا أن فلسطينيي الداخل لم ينموا على حرير، ولم يثنِهم موقف المنظمة عن الدفاع عن حقوقهم، وصعدوا في تحركاتهم، إن على المستوى التنظيمي، حيث "تحولت اللجنة الشعبية إلى جمعية، تحمل مبادىء العودة، والحفاظ على المقدسات في القرى، والمدن المهجرة"، بحسب واكيم، أم على المستوى العملاني، فكانت، كما أفاد واكيم، "المحطة التنظيمية التاريخية الثانية التي تمثلت بعقد المؤتمر الثاني لـ"جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين" في مدينة الناصرة عام 2000".
انعقد المؤتمر بحضور جمهور غفير من مندوبي المهجرين، وشعر فلسطينيو الداخل بقوة في وحدة موقفهم، وثبات إيمانهم بقضيتهم، وحقوقهم، فـ"أعاد الجميع التأكيد"، بحسب واكيم، "على التمسك بحق العودة، ورفض البدائل من تعويض، أو تبديل، أو توطين، وأصدر المشاركون في المؤتمر بياناً رسمياً يومئذ، تضمن تنبيها للوفد الفلسطيني المفاوض، وتحذيراً للوفد الإسرائيلي المفاوض، من مغبة التوقيع على أي اتفاق ينفي، أو يتنكر، من قريب أو من بعيد لحق عودة اللاجئين، والمهجرين معتبراً أن أي اتفاق كهذا يعتبر باطلاً ولاغياً من أساسه”.
تمثل جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين ما يقارب 21 جمعية ولجنة محلية في الجليل والمثلث والنقب. وهي مسجلة بموجب قانون الجمعيات الإسرائيلي، وتندرج الأسس التي تعتمدها تحت عنوان "الآليات النضالية الممكنة" وفق منظومة القوانين الوضعية، والتي تجعل المهجرين يتميّزون بخصوصيّة كونهم فلسطينيين بالهويّة الوطنية، و"إسرائيليين" بالهويّة المدنية التي فُرضت عليهم قسراً بعد النكبة الفلسطينية.
ومن الجدير بالذكر، أن طلب تسجيل الجمعية تضمن مبدأ حق عودة المهجرين إلى قراهم ومدنهم، وحملت السلطات الإسرائيلية وحكوماتها المتعاقبة المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني، وضمنه المهجرون، ومسؤولية تطبيق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 194، وفي أدبياتها، أيضاً، رفض قاطع لبدائل حقّ العودة، والرفض المطلق الاعتراف بيهودية الدولة لما يعنيه ذلك من إغلاق الملف بشأن الصراع العربي- الصهيوني برمته، وقامت الجمعية بتوجيه أكثر من كتاب لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تحذر من الرضوخ لهذا المبدأ.
أما بخصوص مبادرة "لا للتفريط بأرض الآباء والأجداد"، فقد هدفت، بحسب واكيم، إلى إطلاع وتوعية الأهل والجماهير العربية على حقيقة المحاولات اليائسة والمشبوهة التي جرت في السنوات الأربع الماضية لاستدراج المهجرين واللاجئين للهرولة إلى المحاكم الإسرائيلية، لاستجداء التعويضات المالية البخسة مقابل حقوقهم التاريخية الراسخة بأرضهم التي اقتلعوا منها وبأملاكهم التي جردوا منها".
وشرح واكيم أن المبادرة كانت الرد على "حملة محمومة قادها بعض السماسرة وتجار الأرض، بالتواطؤ مع جهات وأذرع سلطوية، بدأت بعد قرار أصدرته محكمة العدل العليا بخصوص دعوى قضائية تتعلق بمواطن يهودي في ما يسمى "سابقة أريدور".
شملت الحملة لقاءات شعبية، ومحاضرات، شرحت مخاطر "سابقة أريدور"، وجرت في عدد من البلدات الفلسطينية منها الناصرة، وسخنين، وأم الفحم، وطمرة، وكفر ياسيف.