فلسفة الاعتقالات والمُحاكمات الجماعية الصهيونية

على نحو مُكمّل ومتكامل مع تلك الفتاوى الدموية والتعليمات العسكرية الإسرائيلية الصريحة الداعية إلى "قتْل الأطفال الفلسطينيين وهم صغار حتى قبل أن يصلوا إلى سن الـ 11 سنة … أو حتى وهم أبناء ثلاثة أو أربعة اشهر .. أو حتى وهم في بطون أمّهاتهم "، والتي " أصبح الأطفال الفلسطينيون – استناداً إليها – هدفاً دائماً لآلة القتل الإسرائيلية "، و" باتت السياسة الإسرائيلية أكثر تركيزاً على قتل الأطفال الفلسطينيين "، فقد نظر أبرز قادة دولة الاحتلال أيضاً إلى العقوبات الجماعية المُتنوّعة الشاملة ضد الشعب العربي الفلسطيني، وإلى الاعتقالات والمُحاكمات بالجملة التي شملت كافة أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وذلك في إطار سياسة قمعية صريحة تستهدف النّيل من مقوّمات وروحيّة الصمود والبقاء على الأرض لدى أبناء شعبنا وأهلنا هناك.

سياسة الاعتقالات والمُحاكمات الجماعية ومُعسكرات الاعتقال، كانت إذن منذ البدايات الأولى للاحتلال جبهة مفتوحة ساخنة قمعية إرهابية

فمنذ البدايات الأولى للاحتلال الإسرائيلي أعلن موشيه ديان وزير الحرب آنذاك مُعقّباً على انتهاج سياسة الاعتقالات والمُحاكمات بالجملة: " سوف تُخرج السجون الإسرائيلية مُعاقين وعَجَزة يُشكّلون عبئاً على الشعب الفلسطيني"، وهي السياسة التي انتهجتها تلك الدولة بصورة مُكثّفة واسعة النِطاق خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى 1987-1993، لدرجة أن الاعتقالات الجماعية طالت حسب المصادر الإسرائيلية والفلسطينية على حدٍ سواء ما بين 750 – 850 ألف فلسطيني على مدى سنوات 1967-1997 وطالت حسب إحصائيات الصليب الأحمر الدولي نحو ثلث الشعب الفلسطيني"، ما دعا اإسحق رابين وزير قمْع الانتفاضة في حكومة إسحق شامير آنذاك إلى الإعلان أمام مؤتمر رؤساء المُنظّمات اليهودية ليُشدّد بمُنتهى الوضوح أيضاً على " أن الانتفاضة هي مواجهة بين كيانين ، ودليل ذلك هو العدد الكبير جداً من المُعتقلين الفلسطينيين "، مشيراً إلى " أن حل مثل هذا الصِراع لن يكون إلا بواسطة سياسة عسكرية مُشتركة "، مؤكّداً في ختام كلمته على " أنه طالما هناك انتفاضة سيبقى كتسيعوت "، مشيراً بذلك إلى معسكرات الاعتقالات الجماعية للفلسطينيين ، والتي كان من أبرزها معسكر كتسيعوت في صحراء النقب. 

 

الأمر الذي كشفت النقاب عن أبعاده مصادر إسرائيلية عديدة أشارت قائلة :" من دون مبالغة يُمكن القول بأن الفئات الهامة من بين الطبقات الفاعِلة في الانتفاضة الفلسطينية، أو على الأقل الجزء الأكبر منها، قد مرّت عبر معسكر " أنصار – 3 " في النقب الذي تحوّل إلى فرن صهْر وطني فلسطيني يصهر ويبلور الكوادر الحيّة للانتفاضة ".

فسياسة الاعتقالات والمُحاكمات الجماعية ومُعسكرات الاعتقال، كانت إذن منذ البدايات الأولى للاحتلال جبهة مفتوحة ساخنة قمعية إرهابية، أُريد من ورائها القمْع والقتْل المعنوي والجسدي، ودفْن المُناضلين الفلسطينيين وهم أحياء، وقتْل معنويات الشعب العربي الفلسطيني وشلّ حركته باعتقال قادته ونُشطائه ومُناضليه على أوسع نطاق ممكن، وقد وصلت هذه السياسة الاعتقالية ذروتها خلال الانتفاضة الأولى، واستمرّت على نحو أشرس خلال انتفاضة الأقصى والاستقلال / 2000 ، وليس من المُنتظر أن تتوقّف إطلاقاً طالما بقي الاحتلال ، فـ " طالما هناك احتلال وقتْل .. طالما هناك انتفاضة ومقاومة .. وطالما هناك بالتالي "كتسيعوت " كما قال رابين".

  • سجون  الاحتلال
  • ولذلك، حرصت دولة الاحتلال على فتح وتوسيع مُعسكرات الاعتقال والسجون على مدى سنوات الاحتلال .

    وحسب المُعطيات الإسرائيلية والفلسطينية فقد وصل عدد مُعسكرات الاعتقال والسجون إلى حوالى 27 معسكر اعتقال وسجناً ، كان أشدّها بطشاً وإرهابية تلك التي أقيمت خلال الانتفاضة الأولى .

في ما يلي قائمة بأسماء أبرز مُعسكرات الاعتقال:

-مُعسكر أنصار –2 ، وقد أقيم في النقب خلال الانتفاضة الأولى ، وقد ضمّ آلاف المُعتقلين .

-مُعسكر أنصار –3، وقد أقيم في قطاع غزّة خلال الانتفاضة الأولى وضمّ آلاف المُعتقلين .

-مُعسكر أنصار –4، وقد أقيم في خانيونس خلال الانتفاضة الأولى ، وضمّ آلاف المُعتقلين .

-مُعسكر الظاهرية ، وقد أقيم خلال الانتفاضة الأولى في الظاهرية / الخليل ، وضمّ آلاف المُعتقلين .

-مُعسكر بيتونيا في رام الله ، وقد أقيم خلال الانتفاضة الأولى ، وضمّ آلاف المُعتقلين.

-مُعسكر أنصار –3 ،  الصحراوي وقد فتح في النقب خلال الانتفاضة الثانية / 2000 ، وضمّ أكثر من ستة آلاف مُعتقل ، وقد ضمّ في الانتفاضة الأولى حوالى 50 ألف مُعتقل فلسطيني .

-مُعسكر " عوفر " / وقد أقيم خلال الانتفاضة الثانية /2000 قرب رام الله ، ويضمّ آلاف المُعتقلين ".

 ويجمل تقرير لأورينت برس المشهد الاعتقالي الفلسطيني قائلاً:"شريعة الغاب في الدولة التي يعتبرها البعض في الغرب واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط. 700 ألف فلسطيني أُوقفوا في الضفة الغربية منذ عام 1967، وأكثر من مليون سنة فلسطينية ضاعت"، مُضيفاً:"مَن يصرخ؟ هل المكان فقط هو الذي يضيع هنا أم الزمان أيضاً؟ لا أحد يلتفت إلى ذلك الزمان الفلسطيني المُعذّب. الموتى الأحياء أم الأحياء الموتى؟ إنه "ناعوم تشومسكي".

ويردف:"ماذا إذا علمنا أنه منذ احتلال الضفة الغربية في يونيو 1967 (ومعها القدس الشرقيّة) سُجّل توقيف نحو 700 ألف فلسطيني مرة واحدة. كثيرون أوقفوا عشرين مرة. هذا يعني أن عشرين في المائة من الشعب الفلسطيني تذوّقوا طعم السجون، الأكثرية هم من الذكور. والنتيجة أن 40 في المائة من الرجال خضعوا لتلك التجربة الهمجية"، مُستخلصاً:"إذاً، أكثر من مليون سنة فلسطينية وراء القضبان، حتى إذا ما احتُسبت وسائل القمع الأخرى، بما في ذلك الحصار، والطوابير أمام الحواجز، لكان بالإمكان القول: إنه، منذ عام 1967، ضاع مليون عام فلسطيني".

 

 وهكذا، يتبيّن لنا عبر هذا الكمّ الكبير من المُعطيات والحقائق، حول سياسة الاعتقالات والمُحاكمات الجماعية التي تنتهجها سلطات الاحتلال ضدّ الفلسطينيين عامة، وضدّ الأطفال منهم بخاصة إلى أيّ مبلغ وصلت الانتهاكات الاحتلالية في هذا الصدد لكافة المواثيق والنصوص القانونية الدولية المُشار إليها في أكثر من موقع، في الوقت الذي تكشف فيه أساليب وأشكال ووسائل التعذيب المُستخدَمة ضدّ المُعتقلين الفلسطينيين وبتصريح قضائي إسرائيلي أيضاً، مدى بشاعة وإرهابية دولة الاحتلال التي لم تزجّ فقط بما يُقارب من مليون فلسطيني في سجونها ومُعسكراتها الاعتقالية، بل " حوّلت الضفة الغربية وقطاع غزّة إلى أكبر مُعسكر اعتقال في العالم، كما صرّح سفير بلجيكا لدى "إسرائيل" ولفريد جينـز، وهو ما كان أكّده من قبله أيضاً السفير البريطاني لدى  "إسرائيل " شيرارد كاوبر – كولز الذي أعلن  " أن الأراضي الفلسطينية هي أكبر مُعسكر اعتقال في العالم يُقيم فيه 3.5 ملايين فلسطيني ".

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]