أوراق سعودية مستورة بمواجهة إيران (2)
في الجزء الثاني من الرؤية التي يقدمها المختص في العلاقات الدولية الدكتور عبدالله الشمري حول السعودية، يكشف عن خشيته من لجوء نافذين في دوائر القرار داخل الممكلة إلى طرح خيارات لم تستخدم حتى الآن ضد إيران. يشرح الأسباب الكامنة وراء ضعف المؤسسة الدينية الرسمية والتي أدت برأيه إلى بروز التيارات التكفيرية والإرهاب. نسأله عن الوهابية وداعش وعن مسؤولية السلطة في دعم التطرف، إضافة إلى مستقبل العلاقات مع أميركا، فيجيب هذه المداخلة.
بين الوهابية وداعش
![](https://alpha-ar-media.almayadeen.net/archive/image/2016/4/15/5b8ffd55-0a87-4fff-bfc2-548297bbf930.jpg?v=2&width=700&height=-700&mode=crop&scale=both&format=webp)
كانت ردة الفعل على التطرف العلماني في تركيا بأن أصبحت أكبر دولة دينية في المنطقة. في السعودية أدى التطرف الليبرالي الذي حصل إثر أحداث 11 سبتمبر أيلول إلى إضعاف المؤسسة الدينية ومحاصرتها إعلامياً ومالياً. هذا الأمر أحدث للأسف بعض ردود الفعل الغاضبة والخاطئة. أسوأ مقالات تكتب في العالم ضد داعش والقاعدة هي التي تكتب بأقلام سعوديين. الدليل ما يكتب في صحف ووسائل إعلام سعودية. من هذا المنطلق، هناك من التحق بداعش ليس على قاعدة الانتماء العقائدي، بل لمعارضة الحكومة السعودية أو مهاجمتها على اعتبار أنها تخلت عن المحافظة الدينية وعن الأسس التي كان يجب بنظره أن تكون عليها. هل يلغي كل ما سبق وجود ارتباط بين المناهج التربوية في السعودية وحالة التكفير؟ الظروف والأسباب التي أحدثت الإرهاب لا علاقة لها بالمناهج التربوية السعودية. نحن جميعاً تعلمنا في هذه المناهج. ستجد أن أبرز الليبراليين السعوديين تعلموا أيضاً في هذه المناهج. وزير الإعلام الحالي الدكتور عادل الطريفي من بين هؤلاء، كذلك الإعلامي تركي الدخيل. رغم الاتهامات فإن السلفية والوهابية ليست السبب الحقيقي لبروز القاعدة وداعش في السعودية. الإسلام السياسي وصعود الإخوان المسلمين والأحداث في سوريا لعبت دوراً أساسياً في هذا البروز. الخطاب السلفي بالمناسبة هو خطاب موال للحكومة بالمطلق. السلفي أو الوهابي لا يناقش في أمر الحكومة والأمور السياسية انطلاقاً من قاعدة إطاعة ولي الأمر وعدم التدخل في السياسة. انتشار التشدد يأتي بشكل أساسي من تأثير الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. الداعشية ظاهرة اجتماعية نفسية لا إسلامية دينية. لا علاقة لداعش بالدين. هو عبارة عن استغلال سياسي، قد يكون وراءه استخبارات دول. كل دولة تتهم الأخرى في هذا المضمار برعاية داعش. أكثر من 80% من السعوديين الذين التحقوا بداعش كانت دوافعهم نفسية أو جنسية أو معنوية. جزء منهم وجد أن لا قيمة له في المجتمع. فتح داعش الباب أمامه ليشعره أنه بطل وذو قيمة.
الورقة المستورة ضد إيران
الفرق بين القرارين السعودي والإيراني أن القرار السعودي سهل ويمكن أن يحصل في يوم واحد. يجب ضبط الخلافات بين الدولتين بالحد الأدنى إن كان يتعذر حلّها. كلاهما أكبر لاعبين في المنطقة، لكن للأسف الشديد الكرة في الملعب الإيراني. ما حصل غداة إعدام الشيخ نمر النمر شكّل مفاجئة للمملكة. تجلّت عدم عقلانية إيران تجاه الرياض بحادثة الاعتداء على السفارة وما رافقها من تظاهرات. رغم كل ما حدث لم يصدر تصريحاً واحداً من المملكة تجاه إيران. بالمقابل صدر نحو عشرين تصريحاً رسمياً منها تجاه السعودية. أتمنى أن يكون هناك تيار عقلاني في إيران يلاقي ويدعم التيار الداعي إلى التقارب في السعودية. ليس هناك حاجة للوساطة بين الدولتين. العلاقات التي تمر اليوم في وضع صعب يمكن حسمها خلال أيام. طهران تخذلنا كلما قمنا بجهود للتقارب. عقدنا عشرات الاجتماعات مع الإيرانيين. ذهبنا إلى روما وقبرص واسطنبول وألمانيا. كلما حاولنا أن نقرب الأمور كانت إيران تخذلنا. إذا لم تتوقف إيران عن التدخل في الشأن السعودي يمكن في يوم ما أن تتدخل الرياض في الشأن الإيراني. أنا قلق في المستقبل من أن تقوم بعض الأطراف السعودية بطرح ملف التدخل في الشأن الإيراني. إذا لم تكن إيران دولة عاقلة فقد تلجأ الدول الأخرى إلى البحث عن خيارات أخرى. هذا أسوأ سيناريو يمكن أن تتجه إليه الأمور. ما المطلوب؟ في قضية الاعتداء على السفارة في طهران يجب أن يكون هناك تصرف جميل مساو للتصرف السيئ الذي حصل. دون ذلك لن تكون السعودية متحمسة لعودة العلاقات الدبلوماسية. يجب على إيران أن تقوم بخطوة تعالج الجرح النفسي السعودي. الأمر الآخر أن على إيران أن تعترف بأنها دولة قومية لها حدود، وأن المواطنين في الدول الخليجية غير تابعين لها. هناك سياسة جديدة اليوم في السعودية تختلف عن السابق. الصبر الاستراتيجي السعودي نفد.
مع أميركا.. علاقات تتخطى النفط
وجود أوباما في الرياض خلال شهر أبريل نيسان 2016 دليل على متانة العلاقة. نصف عدد الطلبة السعوديين في العالم موجودون في الولايات المتحدة. العلاقات السعودية الأميركية أكبر من الإدارات الأميركية ومن النظام السعودي. طبيعي أن يكون هناك خلافات. بقاء العلاقات على طبيعتها هو الأمر غير الطبيعي. أذكرك بأن أحداث 11 أيلول سبتمبر لم تؤثر بتلك العلاقات. نعم حدث نوع من الاختلاف في وجهات النظر في بعض الملفات. لكن ما يشاع عو وجود تحوّل واستدارة أميركية غير صحيح. الشرق الأوسط قدر أميركي. أي تغيير يبقى في الإطار الطبيعي ولكن لا شك بأن العلاقات سوف تستمر. لا غنى للمملكة عن أميركا والعكس صحيح. هذه العلاقات أكبر من النفط وسابقة عليه. واقع أن أميركا باتت في غنى عن مصادر البترول من الخارج هي عوارض وظواهر. حتى لو انتهى النفط ستبقى هذه العلاقات موجودة. ما دام الإسلام موجوداً والشرق الأوسط موجوداً ستبقى العلاقات الأميركية السعودية.