حزب الله وإسرائيل.. ملامح الصراع 2017
تستند عقيدة الأمن القومي الإسرائيلية إلى ثالوث متكامل يرسم إطار الحرب والسلم، يتصدّر مفهوم "الردع" قائمة الثالوث الأمني الإسرائيلي.يعني الردع تاريخياً إفهام أعداء إسرائيل أنها قادرة على خوض حربٍ وتحقيق الأهداف منها، وأنها تملك الإرادة لذلك متى شاءت.
-
- 6 كانون الثاني 2017 12:53
في العقد الأخير، شكّلت حرب تموز 2006 مساحة الاختبار الأبرز لقوة الردع الإسرائيلي
في العقد الأخير، شكّلت
حرب تموز 2006 مساحة الاختبار الأبرز لقوة الردع الإسرائيلي.
كلّ توصيات اللجان الإسرائيلية
التي درست الحرب ركّزت على هذه المسألة، باعتبار أن قدرة الردع قد تضرّرت بشكل كبير
نتيجة الإخفاق في تحقيق أهداف الحرب، على الرغم من تعديل سقفها على مدى ثلاثة
وثلاثين يوماً.
ما بعد تموز 2006،
انشغلت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بمعالجة ثغرات الحرب من دون أن تلقى حلولاً
لثغراتها جميعها بحسب ما أظهرت الاختبارات المتتالية في اعتداءات إسرائيل على قطاع
غزّة.
ومع اندلاع الحرب في
سوريا ودخول حزب الله فيها وما حمل هذا التدخّل من تراكم في القدرات القتالية
للحزب، وجدت إسرائيل في سياسة استهداف شحنات السلاح المزعومة داخل الأراضي السورية
وسيلةً لتعزيز ردعها المفقود مع مراعاة مصالحها الحيوية لجهة التوازنات الاقليمية
والدولية ورغبتها في إبقاء سقف تدخّلها المباشر والعلني في سوريا ضمن سقفٍ محدّد.
على أن صمود حزب الله إلى
جانب الجيش السوري أكسب الحزب نقاطاً إضافية في ميزان الردع، وبالتالي انتقلت إسرائيل
من "معالجة ثغرات الردع" بعد تموز 2006 إلى "إثبات الردع" بعد
انتصارات حزب الله في سوريا.
عاد الركن الأول في
عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي إزاء حزب الله إلى المربّع الأول. النقاش الإسرائيلي
في مراكز الدراسات وما يتسرّب في الإعلام نقلاً عن قيادات المؤسسة العسكرية ينبثق
جلّه من السؤال التالي:
هل من مصلحة إسرائيل
الحفاظ على الوضع الراهن على حاله؟
وعلى الرغم من أن هذا
التحوّل في قياس الردع يُحسب لصالح حزب الله، فهو بذاته يشكّل دافعاً بل حاجةً إسرائيلية
لشنّ عدوان غير مسبوق في لحظةٍ لا يبدو أن أحداً يمتلك معرفة توقيتها.
عند هذا الحد، تبرز
أهمية العنصر الثاني في ثالوث الأمن الإسرائيلي؛ أي "الحسم". لا تمتلك
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إجابة حول القدرة على حسم أية مواجهة مقبلة مع حزب
الله بشكل واضح وسريع.
تكمن إشكالية هذه
المسألة في أن أي تأخّر في حسم المواجهة المفترضة مع حزب الله من شأنه تفتيت الردع
وتوجيه ضربة غير معهودة له، مقارنةً بحجم النيران والقوة المستخدمة في المواجهة
بحسب ما تتوقّع جميع السيناريوهات.
مواصلة حزب الله لبناء
قوته على الرغم من انخراطه في الحرب السورية يضع قدرة "الحسم" الإسرائيلية
أمام تحدٍ غير مألوف.
ومع التذبذب في
العنصرين الأولين في العقيدة الأمنية الإسرائيلية؛ الردع والحسم، يصبح العنصر
الثالث "الإنذار الاستراتيجي" المرتبط بالقدرة على التعبئة واستدعاء
الاحتياط بوقت قياسي غير ذي قيمة.
الصراع مرتبط بالملف السوري
الواقع الراهن لناحية
حسابات اندلاع حرب مع حزب الله والإشكاليات الناجمة عن ذلك يضع إسرائيل أمام
خيارات محدودة كـ"الحرب المتدحرجة" التي لا تخلو دراستها من مخاطر جديّة
تنذر بانفلاتها من الإطار المخطّط لها.
وبما أن سوريا باتت
تشكّل امتداداً جغرافياً واسعاً لحزب الله عسكرياً، تجد تل أبيب نفسها مجدداً
محكومةً بخيار العمل ضدّ الحزب داخل الأراضي السورية بالتوازي مع العمل الأمني
الموضعي.
على أن العوامل التي
تحكم حرية الحركة الإسرائيلية في سوريا لا تزال ضبابية في هذه المرحلة، بانتظار أن
يتكشّف المشهد الإقليمي والدولي لوحة الفسيفساء السورية التي تتناسب ومصالح
الأطراف جميعها.
صحيحٌ إن الأعمال
الأمنية لم تتوقّف يوماً، لكن توسيع إطارها وتكثيفها يبقى خياراً من دون سقف
اندلاع مواجهة مباشرة.
وبما أن حزب الله قد
ارتفع إلى مصاف الأطراف الإقليمية المؤثّرة في اللعبة الإقليمية، فإن ملامح الصراع
المقبل ستكون بهذا المستوى، ومن ضمن المشهد الذي ستفرزه الديناميات المؤثّرة على
مصير التنظيمات التكفيرية في المنطقة، وحزب الله أحد أبرز المتصدّين لها.
ما يجري حالياً في
المنطقة هو مخاض حقيقي لولادة خرائط نفوذ جديدة لن تكون داعش والنصرة وما يشبههما
خارجها، بل سيتم توظيف قدرات هذه التنظيمات ضمن مواجهة من نوع آخر قد لا تتّخذ
لباساً التصنيف المذهبي والعرقي المعتمد، بعد أن حقّق هذا التصنيف أهدافه في
المرحلة السابقة لناحية نشر الفوضى في الدول المطلوب تدميرها.
يُدرك حزب الله أن
تحقيق نصر في حلب او الموصل لن يُنهي حروب المنطقة.
ومع الحديث الإسرائيلي
العلني عن ضرورة تعزيز العلاقات مع التحالف العربي "البراغماتي"، بحسب
وصف التقدير الاستراتيجي الأخير الصادر عن معهد الأمن القومي في تل أبيب، فإن
الانقسام القادم في المنطقة سيفرز أدوات مواجهة جديدة، قد يكون أحد عناوينها تحويل
الخطر من العنوان الجهادي الإسلامي إلى الخطر الديني عموماً.
وبالتالي يصير مبرراً
استهداف كل تنظيم يحمل عقيدة دينية بغضّ النظر عن سلوكه، بعدما صارت البيئات
المحلية في مجتمعات الشرق الأوسط أكثر تقبلاً لرفض الفكر الديني وإسقاط الأحكام
المُسبقة عليه من دون تقويم تجربته السياسية والاجتماعية بالضرورة.
هذا النوع من المواجهة
يفرض على حزب الله اللجوء إلى ما هو أكثر تعقيداً من المواجهة العسكرية المباشرة،
وإيلاء الاهتمام اللازم للمجالات الثقافية والإعلامية بالتوازي مع الاستمرار في
الجهد الأمني المكمّل والداعم.
إن هذه الفرضية تنبع
حقيقةً من حجم القوة التي اكتسبها الحزب على مرّ السنين. قوةٌ باتت معها إسرائيل
بحاجة إلى رفع الصراع إلى مستوى أشدّ استنزافاً لحزب الله وبيئته، ما دام الخيار
العسكري غير محسوم النتائج والتوقّعات.
في الخلاصة، فإن ملامح
الصراع بين حزب الله وإسرائيل في العام الجديد تبدو أكثر تعقيداً ولكنها مضبوطة بحُكم
توازن الردع القائم بين الطرفين، بانتظار ما سينبثق عن الملف السوري.