انقلاب داخل القطار.. أردوغان يعدّل الوجهة

أي مفاجآت قد نشهدها عام 2017 في سياسة تركيا الخارجية؟ تحالفات بديلة؟ مزيد من التباعد مع واشنطن والناتو؟ الانعطافة التركية بدأت منذ لحظة الانقلاب الفاشل في تموز يوليو الماضي. في الملف السوري لن تخرج تركيا خاسرة بعدما اختارت الاصطفاف إلى جانب المنتصرين. في الداخل مزيد من الاستقطاب والتصادم المجتمعي. استحقاقان هامان سيترتب عليهما مفاعيل، تعديل الدستور والشأن الأمني الملتهب على ضوء تصاعد العمليات داخل البلاد، واهتزاز الاستقرار. قراءة تسنتد إلى مقابلة مع الخبير في الشؤون التركية الدكتور دانيال عبدالفتاح ضمن ملف "2017.. عالم يتحوّل".

من الواضح أن هناك انعطافة بدأت على صعيد السياسة الخارجية ستستكمل عام 2017 (أ ف ب)
سيكون العنوان الأبرز هذا العام في تركيا إجراء التعديلات الدستورية التي تعزز الصلاحيات التنفيذية لرئيس الجمهورية. في التحالفات الداخلية سيتعزز التنسيق والتحالف بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وبين حزب الحركة القومية. يحتاج الأول إلى الثاني في نيل الأصوات اللازمة داخل البرلمان لإتمام التعديل الدستوري. هذه الحاجة سيستغلها القوميون للسير بتوجهاتهم نحو التطرف اليميني. سينعكس هذا الأمر بشكل خاص على الأكراد والعلويين والأرمن.

من المتوقع أن يؤدي هذا المسار وما يرافقه من إجراءات إلى تأجيج ردة الفعل من قبل حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الضغوط على هذين الحزبين وعلى شرائح المجتمع العلمانية واليسارية.

تركيا متجهة إلى مزيد من الاستقطاب والتصادم المجتمعي الذي بدأ أساساً عام 2016. هذه العملية ستفضي إلى مزيد من القمع على ما يراه المعارضون. لكنها بالمقابل ستعزز الحس القومي والتأييد لسياسة رجب طيب أردوغان من قبل شريحة وازنة في المجتمع لا تقل عن 65% من الرأي العام التركي.

في حال فشلت الحكومة وحليفها القومي في تمرير التعديلات الدستورية داخل البرلمان، سينتقلان إلى طرحها أمام استفتاء شعبي. سيذهب أردوغان إلى الاستفتاء حيث من المتوقع أن ينجح من خلال شارع مستقطب ومعبأ لدعم سياسته.

يحتاج نجاح التعديل الدستوري داخل البرلمان إلى ثلثي أصوات النواب، أي 367 نائباً. هذا العدد متوفر في ظل تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية، لكن المفاجآت واردة.

في الملف الكردي الداخلي لا يبدو أن هناك توجهاً للحل. ربما تشهد هذه القضية مزيداً من التصعيد عام 2017. التشدّد في هذا الملف هو الذي يضمن ولاء حزب الحركة القومية لأردوغان، والاستمرار في مجاراته بسياساته الداخلية.

القبض على السلطة

لن تقود عملية التعديل الدستوري إلى الاستقرار السياسي.
لن تقود عملية التعديل الدستوري إلى الاستقرار السياسي. سيمر التعديل ولكن على مضض. إلا أنه في المجال التنفيذي وإدارة دفة الدولة ستشهد تركيا نقلة نوعية. الانتقال إلى النظام الرئاسي يتيح لها التخلص من سلبيات البيروقراطية. في الواقع هذا النظام يناسب تركيا من الناحية النظرية. نظامها الحالي ينوء في ظل بيروقراطية مملة. آلية اتخاذ القرار عملية صعبة. إصدار أي قانون عادي يتطلب الكثير من الأخذ والرد وهو مرتبط بآليات معقدة وبطئية.

 هذا أحد أسباب دعم شريحة واسعة من الشارع التركي عملية التحول إلى النظام الرئاسي. المدافعون عن الموضوع يرون أن حصر السلطات في يد رئيس الجمهورية يؤدي إلى سرعة اتخاذ القرار وإلى استقرار سياسي.

المشكلة لدى المعترضين تكمن في مكان آخر. يسلمون جدلاً أن أردوغان قد يكون ديمقراطياً ولا يحلم بالسلطنة، ولكن من يضمن لهم أن الرئيس الذي سيخلفه لن يكون ديكتاتورياً؟

اعتراضهم ليس على التخلص من البيروقراطية، بل على حصر السلطات بيد رجل واحد.

مفاجآت مرتقبة

هل بإمكان تركيا تخطي الضغوط الغربية والانتقال بسهولة إلى الضفة الأخرى؟
من الواضح أن هناك انعطافة بدأت على صعيد السياسة الخارجية ستستكمل عام 2017. من مؤشراتها تخلي أنقرة عن شروط مشاركتها بتحرير الموصل، وتراجع حدة إصرارها على إسقاط النظام السوري بمعزل عن الإعلام، وإعادة علاقتها مع إسرائيل، وتعزيز علاقاتها الجيدة أصلاً مع إيران، وحلفها الجديد مع موسكو.

بدا أن تركيا تتوجه نحو تحالفات جديدة وبديلة وربما نشهد مفاجآت عام 2017. لننتظر المناورات العسكرية التي ستجريها بعد شهور. هل ستكون روسيا وإيران من المشاركين الأساسيين هذه المرة؟ هل ستكون مصر من بين الدول المراقبة؟ هذا الأمر ليس مستبعداً. الهدف سيكون الضغط على الأوروبيين والأميركيين وتهديدهم بأن تركيا متوجهة لتغيير تحالفاتها من الناتو إلى شنغهاي.

هل بإمكان تركيا تخطي الضغوط الغربية والانتقال بسهولة إلى الضفة الأخرى؟ تقنياً الأمر صعب ولكن بعقلية أردوغان لا صعوبة أبداً في هذا الموضوع. لنعد إلى الأساس. تركيا أُدخلت إلى الناتو بطلب منه لا بطلب منها. الحاجة الأساسية هي حاجة الناتو إلى تركيا وليس العكس. ينظر حلف الأطلسي إلى تركيا على أنها حارسه من الجهتين الجنوبية والشرقية مقابل المد الشرقي، والروسي تحديداً.

تركيا موجودة في الناتو لكي تكون سداً منيعاً في وجه روسيا وإيران والصين. إذا تحولت إلى حليف لهذه الدول على المستويين الاقتصادي والسياسي، فإنها ستلغي المخاطر التي كانت تساق لها من الناتو. عندها هل ستكون تركيا بحاجة إلى الناتو لحماية نفسها؟ بل ستكون تحولت إلى دولة قوية، ولم تعد بحاجة إليه، بل على العكس.

الانقلاب على الانقلابيين

أنقرة قالت إن اغتيال السفير الروسي في أنقرة كان مدبراً من قبل أطراف غير مرتاحة للتقارب الروسي- التركي.
سيطرت محاولة الانقلاب الفاشلة على سياسة تركيا منذ تموز يوليو الماضي، ولما تزل. هذه المحاولة مثلت محطة مفصلية، ومفاعيلها ستطبع العام 2017.

من يجادل بأن تركيا غير قادرة على تجاوز المظلة الأميركية والخروج من جلباب الناتو عليه الالتفات إلى ناحية هامة. لنلاحظ جملة من المواقف الدالة.

الانقلاب بنظر تركيا كان مدبّراً. أنقرة اعتبرت أنه جاء لمعاقبة أردوغان بسبب توجهه الجديد. المتهمون صراحة وعلناً هم أميركا والغرب. أردوغان تحدث شخصياً عن أن الانقلابات العسكرية الأربعة التي وقعت منذ عام 1960 وحتى الآن كانت تدار من قبل الناتو. اتهام الناتو وأميركا بالوقوف وراء الانقلاب ورد أكثر من مرة وعلى لسان أكثر من مسؤول. عندما تتهم السلطات التركية فتح الله غولن مراراً وتكراراً هذا يعني أنها تتهم واشنطن. أردوغان لا يسميه فتح الله غولن. دائما يقول "هذا الإرهابي المقيم في بنسلفانيا". قال أيضاً إنه لا يصدق ولا يثق بأن المخابرات الأميركية ليست على علم بنشاطات غولن.

أنقرة قالت إن اغتيال السفير الروسي في أنقرة كان مدبراً من قبل أطراف غير مرتاحة للتقارب الروسي- التركي. أن يكون هناك نوايا وتوجهات تستدعي أن يتعرض أردوغان لعقوبات كبيرة، هذا واقع تقر به تركيا ويقر به أردوغان. إذاً ماذا بقي أمام تركيا من خيار آخر سوى الانعطاف في تحالفاتها؟. لقد وقع الطلاق. من الطبيعي أن يبتعد أردوغان عمن حاولوا الانقلاب عليه.

إذا استمرت تركيا في حلفها مع الناتو لن تكسب. ولكن توجهها الجديد نحو منظمة شنغهاي وروسيا الصين وإيران يعطيها دوراً وستصبح من الدول القيادية في هذا التوجه.

أردوغان لوّح بشكل واضح بنيته الانضمام إلى منظمة شنغهاي. الأخيرة وجهت للمرة الأولى دعوة إلى أنقرة لحضور مؤتمرها. لا ننسى أن شنغهاي ليست منظمة اقتصادية فحسب. هي أيضاً منظمة عسكرية ومناسبة لتكون بديلاً لحلف الناتو. 

مصر والخليج

خارجياً وبموازاة التقارب المرتقب مع مصر ربما نشهد تباعداً بالسياسات مع دول الخليج. هناك معلومات تشير إلى أن السلطات التركية طلبت بشكل غير رسمي عبر وسطاء من الإخوان المسلمين المصريين اللاجئين عندها أن يبحثوا عن ملاذات لهم خارج تركيا. لم تطلب الأمر نفسه من الإخوان الليبيين والتونسيين والسوريين. هذا يعطي مؤشراً على نوايا تركيا نحو الذهاب إلى استمالة القاهرة.

طبيعة الملفات وانعكاساتها تفرضان تباعداً مع السعودية ودول الخليج. عندما فرط عقد حلب لم يعد هناك ميدانياً ما يربط بين أنقرة والرياض. عندما فرط عقد ريف دمشق كان هذا الأمر سبباً لفتور العلاقة بين تركيا وقطر. لا يعني ذلك أن تركيا تتخلى عنهم، ولكن التطورات الميدانية وقوانين العلاقات بين الدول ستؤدي في نهاية المطاف إلى فتور مع السعودية. هذا الفتور معروف أصلاً. تركيا رفضت الانخراط سابقاً في الحرب على اليمن.