انقلاب داخل القطار.. أردوغان يعدّل الوجهة
أي مفاجآت قد نشهدها عام 2017 في سياسة تركيا الخارجية؟ تحالفات بديلة؟ مزيد من التباعد مع واشنطن والناتو؟ الانعطافة التركية بدأت منذ لحظة الانقلاب الفاشل في تموز يوليو الماضي. في الملف السوري لن تخرج تركيا خاسرة بعدما اختارت الاصطفاف إلى جانب المنتصرين. في الداخل مزيد من الاستقطاب والتصادم المجتمعي. استحقاقان هامان سيترتب عليهما مفاعيل، تعديل الدستور والشأن الأمني الملتهب على ضوء تصاعد العمليات داخل البلاد، واهتزاز الاستقرار. قراءة تسنتد إلى مقابلة مع الخبير في الشؤون التركية الدكتور دانيال عبدالفتاح ضمن ملف "2017.. عالم يتحوّل".
القبض على السلطة
هذا أحد أسباب دعم شريحة واسعة من الشارع التركي عملية التحول إلى النظام الرئاسي. المدافعون عن الموضوع يرون أن حصر السلطات في يد رئيس الجمهورية يؤدي إلى سرعة اتخاذ القرار وإلى استقرار سياسي. المشكلة لدى المعترضين تكمن في مكان آخر. يسلمون جدلاً أن أردوغان قد يكون ديمقراطياً ولا يحلم بالسلطنة، ولكن من يضمن لهم أن الرئيس الذي سيخلفه لن يكون ديكتاتورياً؟ اعتراضهم ليس على التخلص من البيروقراطية، بل على حصر السلطات بيد رجل واحد.
مفاجآت مرتقبة
بدا أن تركيا تتوجه نحو تحالفات جديدة وبديلة وربما نشهد مفاجآت عام 2017. لننتظر المناورات العسكرية التي ستجريها بعد شهور. هل ستكون روسيا وإيران من المشاركين الأساسيين هذه المرة؟ هل ستكون مصر من بين الدول المراقبة؟ هذا الأمر ليس مستبعداً. الهدف سيكون الضغط على الأوروبيين والأميركيين وتهديدهم بأن تركيا متوجهة لتغيير تحالفاتها من الناتو إلى شنغهاي. هل بإمكان تركيا تخطي الضغوط الغربية والانتقال بسهولة إلى الضفة الأخرى؟ تقنياً الأمر صعب ولكن بعقلية أردوغان لا صعوبة أبداً في هذا الموضوع. لنعد إلى الأساس. تركيا أُدخلت إلى الناتو بطلب منه لا بطلب منها. الحاجة الأساسية هي حاجة الناتو إلى تركيا وليس العكس. ينظر حلف الأطلسي إلى تركيا على أنها حارسه من الجهتين الجنوبية والشرقية مقابل المد الشرقي، والروسي تحديداً. تركيا موجودة في الناتو لكي تكون سداً منيعاً في وجه روسيا وإيران والصين. إذا تحولت إلى حليف لهذه الدول على المستويين الاقتصادي والسياسي، فإنها ستلغي المخاطر التي كانت تساق لها من الناتو. عندها هل ستكون تركيا بحاجة إلى الناتو لحماية نفسها؟ بل ستكون تحولت إلى دولة قوية، ولم تعد بحاجة إليه، بل على العكس.
الانقلاب على الانقلابيين
من يجادل بأن تركيا غير قادرة على تجاوز المظلة الأميركية والخروج من جلباب الناتو عليه الالتفات إلى ناحية هامة. لنلاحظ جملة من المواقف الدالة. الانقلاب بنظر تركيا كان مدبّراً. أنقرة اعتبرت أنه جاء لمعاقبة أردوغان بسبب توجهه الجديد. المتهمون صراحة وعلناً هم أميركا والغرب. أردوغان تحدث شخصياً عن أن الانقلابات العسكرية الأربعة التي وقعت منذ عام 1960 وحتى الآن كانت تدار من قبل الناتو. اتهام الناتو وأميركا بالوقوف وراء الانقلاب ورد أكثر من مرة وعلى لسان أكثر من مسؤول. عندما تتهم السلطات التركية فتح الله غولن مراراً وتكراراً هذا يعني أنها تتهم واشنطن. أردوغان لا يسميه فتح الله غولن. دائما يقول "هذا الإرهابي المقيم في بنسلفانيا". قال أيضاً إنه لا يصدق ولا يثق بأن المخابرات الأميركية ليست على علم بنشاطات غولن. أنقرة قالت إن اغتيال السفير الروسي في أنقرة كان مدبراً من قبل أطراف غير مرتاحة للتقارب الروسي- التركي. أن يكون هناك نوايا وتوجهات تستدعي أن يتعرض أردوغان لعقوبات كبيرة، هذا واقع تقر به تركيا ويقر به أردوغان. إذاً ماذا بقي أمام تركيا من خيار آخر سوى الانعطاف في تحالفاتها؟. لقد وقع الطلاق. من الطبيعي أن يبتعد أردوغان عمن حاولوا الانقلاب عليه. إذا استمرت تركيا في حلفها مع الناتو لن تكسب. ولكن توجهها الجديد نحو منظمة شنغهاي وروسيا الصين وإيران يعطيها دوراً وستصبح من الدول القيادية في هذا التوجه. أردوغان لوّح بشكل واضح بنيته الانضمام إلى منظمة شنغهاي. الأخيرة وجهت للمرة الأولى دعوة إلى أنقرة لحضور مؤتمرها. لا ننسى أن شنغهاي ليست منظمة اقتصادية فحسب. هي أيضاً منظمة عسكرية ومناسبة لتكون بديلاً لحلف الناتو.
مصر والخليج
طبيعة الملفات وانعكاساتها تفرضان تباعداً مع السعودية ودول الخليج. عندما فرط عقد حلب لم يعد هناك ميدانياً ما يربط بين أنقرة والرياض. عندما فرط عقد ريف دمشق كان هذا الأمر سبباً لفتور العلاقة بين تركيا وقطر. لا يعني ذلك أن تركيا تتخلى عنهم، ولكن التطورات الميدانية وقوانين العلاقات بين الدول ستؤدي في نهاية المطاف إلى فتور مع السعودية. هذا الفتور معروف أصلاً. تركيا رفضت الانخراط سابقاً في الحرب على اليمن.