الحكومات المتعاقبة ساهمت في تقهقر الحركة النقابية في لبنان (2/3)

خلال الحرب كان الانقسام حاداً بين اللبنانيين وكانت الحواجز وخطوط التماس تفصل بين المناطق، وبالتالي كان الهمّ الأساسي البحث عن مكان آمن وليس المطالبة بتحسين الأجور أو أية مطالب أخرى ولكن كل ذلك لم يمنع الاتحاد العمالي العام من الدعوة مراراً وتكراراً لوقف الحرب وإعادة توحيد البلاد.

خلال الحرب واصلت الحركة النقابية نضالها ونجحت في تحقيق مطالب عدة
 سنوات الحرب شهدت تحرّكات لافتة للحركة العمالية ولعلّ أشهرها تلك التظاهرة التي انطلقت من الشطر الغربي للعاصمة بيروت بالتزامن مع انطلاق تظاهرة مماثلة من شطرها الشرقي وكان اللقاء على معبر المتحف  (أحد خطوط التماس بين القسمين الشرقي والغربي من العاصمة اللبنانيية خلال الحرب)، وكان ذلك في العام 1986 ، وسجّلت خلال التظاهرة مشاركة لافتة وسط توحيد الهتافات الداعية إلى وقف الحرب وإعادة توحيد البلاد.

رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبد الله يوضح للميادين نت أن النقابات العمالية حاولت خلال الحرب رفع الصوت لوقف الإقتتال الداخلي ونفذّت تحرّكات عدة وانخرطت ايضاً في القضايا الوطنية، ونظّمت تحرّكات للمطالبة بإطلاق المعتقلين من معتقلي أنصار والخيام ( معتقلان أقامهما جيش الإحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان)

ويخلص عبد الله إلى أن الحركة العمالية خلال الحرب وعلى الرغم من الظروف الصعبة إلا أنها حافظت على وحدتها على الرغم من الانقسامات في لبنان.

ولكن وقبل أسابيع قليلة من شرارة الحرب اللبنانية كانت مدينة صيدا جنوب البلاد تغلي بعد اغتيال الزعيم الناصري الشهيد معروف سعد،   وشهدت المدينة صدامات بين الأهالي والقوى الأمنية ، وبسبب النقسام السياسي الداخلي والنظرات المتباينة إزاء القضية الفلسطينية، فقد عمدت السلطة حينها إلى إقحام الفلسطينيين في كل التحرّكات حتى النقابية والمطلبية، وباتت المسائل الداخلية المحلية سرعان ما تكتسب وجهاً فلسطينياً تسبغه عليها قوة اندفاع السياسة الفلسطينية في لبنان، بحسب من أرّخ  لتلك المرحلة في تاريخ لبنان ومنهم النائب الياس الخازن الذي خصّ مؤلّفه تقطّع أوصال الجمهورية (1967-1975 ) للحديث عن تاثير العامل الفلسطيني في الأحداث اللبنانية.

المُعضلة الثانية التي تبلورت خلال الحرب كانت نظرة السلطة الحاكمة للحركات العمالية وإضفاء صبغة اليسار الشيوعي عليها، نظراً لقرب هذه المكوّنات العمالية من الحركة الوطنية التي كان يتزعّمها كمال جنبلاط مؤسّس الحزب التقدمي الاشتراكي والمتحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية خلال الحرب.

زيادة الأجور في عزٌ الحرب

رئيس اتحاد النقل البري عبد الأمير نجدي يعود بالذاكرة إلى سنوات الحرب مؤكّداً للميادين نت أن الحركة العمالية في العام 1977 استطاعت فرض رفع الحد الأدنى للأجور من 305 ليرات إلى 675 ليرة، وذلك بعد تحركات في الشارع وزيارات للمسؤولين في المنطقتين الشرقية والغربية للعاصمة بيروت".

أما تظاهرة العام 1986 فكانت بحسب نجدي واحدة من أهم التظاهرات خلال الحرب، لا سيما أن العمال حاولوا إزالة الساتر الترابي الذي كان يفصل بين شطري العاصمة ويوضح:" عندما التقينا برفاقنا الذين حضروا من المنطقة الشرقية وحاولنا معهم فتح ممر في وسط الساتر الترابي ، ولكن عناصر من القوات اللبنانية أطلقوا النار في اتجاهنا وعندها تفرّقنا خصوصاً أن أعدادنا كانت كبيرة  وعند هذا الحد توقّف تحرّكنا الميداني ، ولكن رئيس الاتحاد عامذاك جورج صقر ظلّ على مواقفه ولم يأبه بتهديدات بعض الأحزاب، علماً أنه كان يقيم في الشطر الغربي من العاصمة".

تحرك آخر نفّذه الاتحاد العمالي العام عام 1987 عبر دعوته للإضراب المفتوح، وذكر نجدي أن عناصر من المخابرات السورية تدخلت لإعادة فتح الطرق وخصوصاً في منطقة الحمرا بعد أن عمد السائقون إلى ركن سياراتهم في وسط الشارع الرئيسي في الحمرا ، وبعد عدم امتثالنا جرت اتصالات بالنقابي الراحل إلياس الهبر وحملت بعض التهديد ما لم يصار إلى إعادة فتح الطرق وإخلاء الشوارع"، ويشير نجدي إلى أن الاتحاد واصل تحركاته لا سيما أن التحرك كان ضدّ رفع أسعار البنزين.

بدوره يذكر النقابي علي محي الدين بأن الحركة العمالية خلال الحرب نجحت في فرض تشكيل لجنة مؤشر الغلاء عام 1981 ، وقبل ذلك نجحت ايضاً في حث لبنان على الإنضمام للإتفاقية الدولية للعمل.

في موازاة العمل النقابي انخرط العمال في تنظيم التحركات لإطلاق المخطوفين لدى أحزاب الجبهة اللبنانية في الشطر الشرقي، وكذلك الكشف عن مصير المخطوفين لدى أحزاب الحركة الوطنية في الشطر الغربي ، وكانت لتلك التحركات بعض النتائج ومنها الكشف عن مصير بعض المخطوفين. 

 

وخلال الحرب أيضاً صار الصراع الطبقي  وجهاً من أوجه الصراع السياسي لا سيما أن الحركة الوطنية قدّمت برنامجها المرحلي وفيه دعوة صريحة للإصلاح الاقتصادي، ويعزو بعض المتابعين إلى أن أحد أسباب الحرب الأهلية اللبنانية ملتصق بشكل وثيق بالأزمة الاقتصادية – الاجتماعية وسياسة حرمان المناطق النائية، وهي التي عرفت لاحقاً بالمناطق المحرومة ولا سيما في شمال البلاد وجنوبها.

ولا يخفي بعض النقابيين اليساريين أن الحركة المطلبية وجدت في البرنامج المرحلي للحركة الوطنية فسحة أمل للتغيير وبالتالي صون حقوق الطبقة العاملة.

من جهتهم حاول منظرو اليسار  فك الإرتباط بين الحركة الوطنية والحركة العمالية، حيث انتقدوا  موقف الحركة الوطنية لجهة ارتباط بعض وجوهها بما سمّوه البرجوازية واحتقار الطبقات الكادحة.