... عن العودة الحاضرة في وجدان الفلسطينيين
تبقى العودة حاضرة في وجدان فلسطينيي الداخل والخارج وركناً أساسيّاً من القضية الفلسطينية.
العودة جوهر القضية الفلسطينية، وقضية فلسطين هي قضية العودة إليها، والعودة فيها، وبذلك، فالعودة نوعان، عودة من الخارج إلى الداخل وعودة في الداخل من مكان إلى مكان آخر. ترسّخت في الذاكرة العامة أن القضية الفلسطينية هي قضية الذين هجّروا من أراضيهم في فلسطين، ولم يعودوا يملكون الحق والقدرة على العودة إليها. لكن المعروف على نطاق أضيق هو أن هناك أعداداً كبيرة من الفلسطينيين الذين بقوا في الداخل حيث يتواجد مئات آلاف الفلسطينيين، ومنهم أعداد كبيرة هجّرت من قراها ومدنها، لكنها لم تغادر فلسطين التاريخية، وانتقلت للسكن فيها في أماكن أخرى. ومنذ سنوات، بدأ منهم من يتردّد إلى بلدته، ينبش أطلالها، ويحيي ذاكرتها، حتى وصلت الحال في السنتين الماضيتين إلى إقامتهم شعائر، وطقوس، وتقاليد في القرى المهجّرة، بهدف إحياء حقّهم فيها. وتتطوّر الأفكار باتجاه العودة إلى هذه الأماكن في حركة داخلية متواصلة مع فاعليات فلسطينية في الخارج، وتتجّه حركة بعضهم إلى الاعتماد على القانون والحق الدوليين في محاولة لإعادة تكريس الحق الفلسطيني بالأرض والوطن. في استطلاع رأي من مجموعة من الناشطين في هذا النطاق، قال نضال عثمان - محام مقيم في فلسطين المحتلة، وأصله من بلدة الدامون المدمّرة "هناك إمكانيات عديدة التي يمكن أن تحقّق العودة بأشكال وطرق مختلفة، وإذا كان تحقيق العودة بشكل تام غير وارد في هذه المرحلة التاريخية، لكن أعتقد أن احتمالات العودة ممكنة، وهناك حاجة لوضع برنامج وخطّة عمل ومسح لوضعيات القرى والمدن التي هجّر أهلها منها، يؤسّس لتحقيق العودة”. وينوّه عثمان بالنشاطات التي يقوم بها فلسطينيو الداخل في قراهم المهجّرة، ويرى أن "لها أهمية كبرى، ويمكن أن تؤهّل الرأي العام الفلسطيني لإمكانيات العودة، وبدء تبلور توجّه لدى المهجّرين، فهذه المناسبات والطقوس والاتصالات هي شكل من أشكال العودة بحد ذاتها".
وقال "هناك آفاق معيّنة لمهجّري الداخل، ويجب البدء ببناء نماذج عودة، إلى بعض البلدات وخصوصاً البلدات التي هجّرت، ولم يتم استعمالها واستغلال أراضيها من قِبَل اليهود، لكن لا أعتقد أن هناك إمكانية للحديث عن عودة لمعظم الشتات". سلوى الخطيب، من الطنطورة، تعيش في أوروبا ولا تغيب يوماً عن التواصل مع الداخل، زارت بلدها مرة واحدة، تؤمن أن "العودة حق يفرض نفسه مهما كانت الظروف قاسية، فالوضع الدولي والعربي يزداد صعوبة، لكن هذا لايلغي تحقيق العودة”. بالنسبة لفعاليات أهل الداخل الفلسطيني والتي تحوي على مجموعة من منظمات المجتمع المدني، رأت الخطيب أن "دورهم مهم جداً خصوصاً أن عملها بدأ يثمر بشكل كبير، فهناك العديد من القرى تم فيها ولأول مرة منذ احتلالها عام ٤٨، إقامة نشاطات بذكرى احتلالها، وشهدت حشداً شعبياً كبيراً من الداخل و الخارج الذين تهجّر أهلهم منها، هذا إضافة إلى حضور شخصيات يهودية من مؤرّخين وأساتذة جامعات يقفون ضد الاحتلال الصهيوني لهذه القرى". وعرضت لمبادرة تقوم بها شخصياً قائلة "منذ نجاح فعاليات إحياء مجزرة الطنطورة لعامين متتاليين، قمت بالاتصال مع شخصيات قانونية في أوروبا لمساعدتنا بكيفية تحقيق العودة عبر الوسائل القانونية الدولية، وتواصلت مع محامين فلسطينيين في الداخل الفلسطيني. كثيرون شجّعوني، لكن الموضوع يبقى أكبر من مجرّد مبادرة شخصية لعدّة أفراد”. وبرأي الخطيب فإنه "بالقانون الدولي، وبوقوف مجموعة محامين دوليين معنا نستطيع بكل تأكيد النجاح في مسعانا لتحقيق حق العودة، لأننا نمتلك كل الأدلّة القانونية والشرعية التي تثبت حقّنا في قرانا بفلسطين". المحامي جهاد أبو ريّا - مؤسّس جمعية فلسطينيات التي تُعنى بشؤون العودة، قال إن "عودة اللاجئين والمهجّرين إلى بلداتهم، وإعادة أملاكهم وأراضيهم إليهم، تتعلّق بالقوة التي يمتلكونها مع حلفائهم لتطبيق هذا الحق"، وتابع "القوة التي من خلالها يمكن إجبار إسرائيل على تطبيق حق العودة يمكن أن تكون عن طريق ممارسة الضغوطات الدولية، مثل مقاطعة إسرائيل دولياً، وملاحقة المسؤولين الإسرائيليين وما حصل في جنوب إفريقيا مثال. وإذا ظلّ الأمر متعلقاً بالإرادة الإسرائيلية، فلن يكون هناك تطبيق لحق العودة”. ويعتقد أبو ريّا أن "المشكلة ليست بالقانون الدولي الذي يعطي الحق للمهجّرين بالعودة إلى بيوتهم، واسترجاع أملاكهم وأراضيهم. المشكلة هي في تطبيق القرارات الدولية. والتوجّه إلى المحاكم الدولية هو إحدى الطرق لمنع إسرائيل من بيع أملاك المهجّرين، وإسرائيل تقوم ببيع هذه الأملاك وهذا يخالف القانون الدولي ويُعتبر جريمة حرب أو جريمة ضدّ الإنسانية، يجب أن نعمل بهذا الموضوع”. أبو ريّا يفيد أن "هناك الكثير من العائلات التي هجّرت عادت إلى أراضيها، وبقيت فيها رغم ملاحقة السلطات لها، والداخل الفلسطيني يقوم بالكثير من النشاطات في موضوع العودة، والبلدات المهجّرة. هذه النشاطات مهمّة جداً للحفاظ على الذاكرة وللتأكيد على الحق بالعودة". تيريزا داود، مديرة دار المسنّين في مخيم نهر البارد، تؤمن أن "العودة قائمة واحتمالاتها غير مشكوك بها، وإن لم يكن الآن، فبالأجيال القادمة، وإسرائيل بإذن الله زائلة وهي تعدّ الآن سنواتها الأخيرة”. وأضافت "المفاوضات لم تأتِ بنتائج مرضية، ولكل مرحلة استراتيجيتها الخاصة، منها الانتفاضات وأشكال النضال من عصر الحجارة إلى عصر السكاكين إلى عصر الدهس .. كلها إشارات إلى أن النار تحت الرماد، تتحرّك لتنذر بأن الحق لا يموت، وإعلان الانتصارات هو بقدر قوة الإيمان بأن الأرض لأهلها لا لغيرهم". ووصفت داود الأنشطة في القرى المهجّرة بـ"رمزية تجسّد ثورة عشق بإحياء نبض الحياة في القرى أو المدن والنشاطات شكل نضالي بملامح وجدانية وإنسانية واجتماعية". أما إيمان القسّام - حفيدة المجاهد عزّ الدين القسّام، فقالت عن العودة "العودة تلخّص أكبر الحقائق في العالم، وهي تعني لي الكثير حتى ولو لم يكن القسّام جدّي. تعني لي الكثير مبدئياً وفكرياً، لأنها بنظري نهاية ظلم وعودة حق”.
زياد العزّة من القادة الشباب في الجبهة الوطنية في الضفة الغربيه في عامي ١٩٧٣-١٩٧٤ اعتقل لسنوات وخرج من السجون، ويعيش الآن في السويد، وهو ابن مخيّم العزّة القريب من بيت لحم، العودة حتمية بالنسبه له، ويقول "أعيش في السويد منذ عقود، ربما لن أتمكّن من ممارسة حق العودة، لكن أملي بأولادي وأحفادي أن يتمكّنوا من ذلك". والعودة ليست إلى مكان فقط، بنظره، بل هي "تجسيد الهوية، ولا أعتقد أن هناك فرقاً بين فلسطينيي الشتات والداخل، أعتقد أنّ الحلم واحد. أما نضال جماهيرنا في الداخل فهو مهم وخطوة إلى الأمام لتجسيد العودة، أما عن القانون الدولي، فاليوم لن ينفعنا ما دمنا ضعفاء. حق العوده لن يكون من دون تغيير موازين القوى بيننا وبين الكيان الصهيوني".