مجموعة موطني: مقاومة بالصورة توثق حق العودة

تأسست مجموعة موطني منذ نحو سنتين، ساعية لتوثيق ما لم يعرف من الكثير الكثير من مواقع فلسطين الطبيعية والتاريخية والجغرافية والتراثية والعمرانية، موصلة موثقاتها للشتات، على أن تصدر بها كتاباً لاحقاً.

  • فريق موطني في ميعار المهجرة
    فريق موطني في ميعار المهجرة

"كل صورة هي رصاصة، نوثق مناطق بلدنا، نتعرف عليه، ونعرف أبناء شعبنا به"، كلام يعتبر ركيزة أهداف فريق "موطني" الذي يقوم بجولة أسبوعية في أحد ربوع فلسطين التاريخية، يتعرف أعضاؤه على مواقع فلسطينية، في مسارات محددة، يضم كل واحد مواقع طبيعية، أو قرى مدمرة، يوثقها بالصورة، ويتعرف عليها بواسطة دليل خبير بالمناطق الفلسطينية، أو من أشخاص عايشوا النكبة، وما زالوا أحياء ينقلون حقائقها ووقائعها من ذاكرتهم الحية لأبنائهم وأحفادهم.

تأسس الفريق منذ حوالى السنتين، لكن غالبية أعضائه اختبروا المسارات إلى المناطق الفلسطينية المختلفة مع مجموعات أخرى. ثمة دافع لدى ابتسام سليمان، منسقة الفريق، دفعها للعمل على تأسيسه بتخصصية، بعدما لمست وفريقها أهمية العمل الذي يتجاوز الهواية، والمتعة، والرياضة- جسدية أو نفسية- ففي الحركة "اختبرنا أننا نحقق العودة المؤقتة إلى قرانا المدمرة والمهجرة"، تقول سليمان لـ"الميادين نت".

واختيار الاسم "موطني" ليس مصادفة. توضح سليمان أنه "التزام منا بكل فلسطين.. بفلسطين التاريخية.. بكل شبر منها. فإذا كنا من أبناء القطاع أو الضفة، فإن التزامنا بكل فلسطين هو هدفنا وغايتنا".

في التجوال العادي للناس في فلسطين، يتعرفون غالباً على مواقع معروفة مثل القدس، وحيفا، ويافا، وعكا، لكن المتبقي كثير بما لا يقاس، وتفاصيله تحتاج لسنوات من الاستكشاف. تذكر سليمان أنه "كان علينا تحديد تحركنا بطريقة مدروسة، ومركزة الهدف. استكشاف غير المكشوف، وتصويره، وتوثيقه، من طبيعة وجغرافيا وتاريخ ومبانٍ، وتكريسه حقاً لنا، لذلك آثرنا أن يكون عدد الفريق محصوراً في عشرين شخصاً، بذلك يمكن التفاهم والانسجام بصورة أفضل، ويمكن فهم الواقع بصورة أوضح". 

  • الفريق صاعدا الجبال الفلسطينية
    فريق "موطني" صاعداً الجبال الفلسطينية

ما إن بدأ الفريق عمله، ونشر صوره والمعلومات التي اكتسبها في تجواله، حتى انهالت عليه طلبات الانضمام إليه. لم تشأ سليمان وفريقها توسعة المشاركة حفاظاً على تحقيق هدفه، ونجاح التجربة بالتوثيق. 

ينهض الفريق صباح كل يوم جمعة، ويبدأ جولته بباص صغير، ومعه دليل ملم بمختلف أرجاء فلسطين. وعند بلوغ نقطة معينة تستدعي السير على الأقدام، يبدأ المسار "وفق خطة مدروسة مسبقاً، بالتعاون مع الدليل، وبمراجعة كتب مختصة، مع التأكيد على زيارة الأماكن التي لا يسيطرون عليها، ولا يفرضون رسوماً، فنحن نعتبر التعامل معهم تطبيعاً نرفضه بالمطلق، ولن ندفع لهم أي مبلغ"، تؤكد سليمان، وتضيف أن "الفريق غطى أماكن بعيدة في الشمال أو الجنوب حيث لم يستطع أهلنا الوصول". 

  • عبور فج بين الصخور الضخمة
    عبور فج بين الصخور الضخمة

بعد عملٍ مضنٍ وشاق، تمكن الفريق من إيصال الكثير من الصور إلى الفلسطينيين، في فلسطين وفي الشتات، و"بات التواصل معنا شبه يومي، ثم بين الداخل والخارج، وبذلك نحيي فلسطين في ذاكرة أبنائها، وبات الفلسطينيون يعرفون الكثير مما لم يكن متاحاً سابقاً"، بحسب سليمان.

تتحدث سليمان عن بعض المواقع المؤثرة، ففي بقايا مدرسة الخالصة المهجرة منذ نكبة 1948، عثرنا على مسرح لا يزال قائماً، فأقام الفريق عليه عروضاً تراثية تأكيداً على إحيائه ولو لساعات.

  • الفريق على مسرح مدرسة الخالصة المهجرة
    الفريق على مسرح مدرسة الخالصة المهجرة
  • انتزاع كراسٍ من تحت الركام
    انتزاع كراسٍ من تحت الركام
  • الجامع العمري في بيسان المهجرة
    الجامع العمري في بيسان المهجرة
  • الفريق قرب كنيسة معلول
    الفريق قرب كنيسة معلول

وفي بيت مدمر في قالونيا، استخرجنا الكراسي من تحت الركام، وشعرنا أننا نودع أهلنا الذين كانوا يقيمون هنا، تضيف سليمان.

"وزرنا مساجد، كثيرة منها مسجد حطين، ومعلول في قضاء الناصرة، وجامع في قرية الزيتونة في عكا، وسواها الكثير من المساجد، بعضها محافظ على طابعه، وشكله، وبعض منها مدمر". وكنائس،في أماكن عديدة، منها كنيستان في بلدة معلول المهجرة. وبيوت كثيرة مهجرة، لا تزال آثار من أهلها فيها، تؤكد حق العودة المزمن.

"وغالباً كنا نستمع من أحد المعمرين يشرح لنا عنها، وما يتذكره منها، مثل جامع حطين، وجامع بيسان، وكنائس معلول، وسواها الكثير، وإن دلت على شيء فإنما على شعب متحضر، كان يقيم هنا، ويجب أن يعود إلى موطنه".

  • معمر نجا من التهجير يحكي قصة الدامون
    مُعمر نجا من التهجير يحكي قصة الدامون
  • مجموعة موطني داخل قلعة أم الفحم
    مجموعة موطني داخل قلعة أم الفحم

تقول سليمان "أشعر وأنا في هذه المواقع كأنني ألملم شظايا مواقع في بلدي لنعيد صياغتها من جديد. لن نقبل إلا فلسطين كاملة بكل شبر من ترابها، وكلما تجولنا أكثر، تعمق انتماؤنا ومعرفتنا بالوطن". 

وعلى صعيد الفريق الصغير، فالحفاظ على حجمه جعل أفراده منسجمين، بما فيهم الدليل والسائق، وتعلق سليمان على ذلك بالقول "من جمالات ما نقوم به في كل مسار، هو الفطور أو الغذاء، حيث يحضر كل واحد منا طعامه من بيته، وبنهاية المسار، نجلس معا، ونتشارك الطعام بصورة جامعة، يجعلنا ذلك أكثر تماسكاً وانسجاماً".

كثيرة هي الأماكن والمواقع التي عبرها الفريق، وأكثر منها ما لم ينجزه. وتعدد سليمان بعضا من المواقع، والقرى المهجرة: معلول، الطيرة، الدامون، يالو، الزيب، خربة اللوز، دير القاسي، عين كارم، بيسان، طبريا، وغيرها الكثير، بالإضافة إلى العديد من العيون وينابيع المياه، والمغاور، والمواقع الأثرية، والسهول، والوديان، والجبال مثل الكرمل والجرمق، وتفيد بأن الفريق يهدف إلى وضع كتاب لاحق يوثق فلسطين، بالصورة والمعلومة، ويكرس حق أبنائها بها".