لولا البنفسج

أنا مدينٌ للبنفسج. لولا البنفسج لما كنت أعيش اليوم حياتين. لولا البنفسج لكنا متنا مرتين. الآن نحيا سوياً، وقريباً سنعتاد الأمر، بل سيصبح محبّباً.

  • لولا البنفسج
    لولا البنفسج

أهداني قلباً ينبض بلا تعب وعينين بلون البنفسج. زمرة دمه كزمرة دمي وعمره عشرون عاماً. هذا كل ما أعرفه لأتحدّث عنه لكنني أختزنه في داخلي ويجول في أنحائي ويطلّ من نظراتي.

إنتظرت طويلاً واهباً ينتشلني من موتٍ محتوم. أمرٌ مُخيف، فكيف أترقّب موت أحدهم كي أحيا على أعضائه؟

في بداية مرضي عندما شخَّص الطبيب إصابتي بقصورٍ في القلب، كنت أخجل من هذا المرض، أو بمعنى أصح من قلبي، مع أني كنت أدرك جيداً بألا حيلة لي في ذلك. كنت إذا ذهبت إلى الصيدلية لشراء الدواء، أحاول جاهداً أن أوحي لهم بأن الدواء ليس لي، مع أنهم لم يسألوا يوماً عن الأمر. كانت خيانة قلبي تؤلمني وتشعرني بأني أدنى من الآخرين. أني أعيش بشبه قلب وسأصير بلا قلب.

صار الأمر أكثر  إيلاماً حين وضِعت على لائحة الانتظار. أنتظر واهباً يُعيرني قلبه لبقية حياتي، وأهلي ينتظرون وكلما سمعوا أن في المستشفى شخصاً توفى سريرياً، أشعلو شموعهم. أملٌ جديد.

ذات ليلة، توفى الشاب الذي وهبني الحياة، ربما بحادث سير على الدرّاجة. ربما كان عائداً من عمله، أو ذاهباً للسهر مع رفاقه. ربما كان ذاهباً في جولة سريعة لجلب الحاجيات للمنزل فصدمته سيارة، أو ربما كان في عراك أو تعرّض لرصاصة طائشة. لست أعلم، فهم يخفون عنا هوية الواهِب.

في صباح خريفي مُشمس استفقت على وقع قلبه، كأنه يقول في داخلي "هذا أنا. لست أنت، هذا أنا، هذا أنا". عندما أخبرت الطبيب ضحك وقال بأن الأمر لا يعدو كونه تخيّلات، وأن القلب لا يحمل أية ذكريات، فهذا عمل الدماغ، وبأني بحاجة إلى متابعة نفسية.

حاولت التعامُل مع كلام الطبيب على أنَه الحقيقة، وتابعت جلسات العِلاج النفسي، لكن القلب( قلبه) ظلَ يطرق على صدري في اللَيل، ويقول، "هذا أنا، هذا أنا"... محاولاً الفرار. لا تعلمون... كنت أبذل مجهوداً جباراً كي أبقيه هنا، بين ضلوعي.

بعدها، حاولت ترويضه. وقفت أحاوره في المرآة، فهو- أي الراحل- بات الآن انعكاسي، ولاحظت، عندما نظرت في المرآة، أنَ عيناي، اختلفتا بشكل جذري، وصارتا بلون البنفسج، وراودتني خاطرة، بأن آخر ما اشتهاه انعكاسي، كان البنفسج.

أنا مدينٌ للبنفسج. لولا البنفسج لما كنت أعيش اليوم حياتين. لولا البنفسج لكنا متنا مرتين. الآن نحيا سوياً، وقريباً سنعتاد الأمر، بل سيصبح محبّباً.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]